ثم يشعر في لحظة بعينها بأنه ليس سعيدا على الإطلاق . إن الأوراق في كيس بلاستيكي تم ربطه برباط مطاطي، لهذا سيكون عندي وقت لا بأس به لقراءة كل هذا . وعلى الفور انتثرت الأوراق التي ظلت حبيسة كل هذه الأعوام . وكلها كانت تتنهد طرباً للخلاص . وأنا فضولي لكني لم أبلغ درجة حمق تجعلنى أستلم الدواء قبل قراءة النشرة المرفقة إلا أنه بين الأوراق كان جسم معدني واحد يبدو كمكحلة جدتك إن كنت تذكر منظرها . أول ورقة امسكت بها كانت بخط أنيق وبأسلوب معاصر يقول: اسمي (محمود عبد العزيز جابر) منذ زمن سحيق وهذا الكيس في حوزتي . لم أكن أعرف عنه الكثير سوى أنه مغلق وأن الأيدي تناقلته جيلاً بعد جيل، كنت وحدي في تلك الأمسية وقد خرج الجميع زوجتي تزور لمها والأطفال يلعبون عند صديق لهم في ذات البناية. لقد انتهى حفل (أم كلثوم الشهري في المذياع منذ دقائق وعاد للبيت صمته الكتيب. صنعت من معدن مطلي باللون الذهبي فتحتها فوجدت أنها فعلاً مكحلة وإلا فما سر هذا المسحوق الأسود الناعم الذي انتشر على المنضدة أمامي ؟. على كل حال جمعت الرماد واعدته لوعائه ثم أمسكت باول ورقة . رسالة على ورقة صفراء تقول: أنا (جابر شفيق الموظف بالحقانية. انتظرت حتى خلا البيت من أسرتي لأن (نعمات) هانم مع الأولاد في زيارة لأبيها حسين أفندي عبد العليم). وقد تركتهم هناك وعدت للدار ثم وضعت على الجراموفون أسطوانة المحمد عبد الوهاب. وعلى صوت آهاته وضعت الكيس على مكتبي . وقررت أن أكتب رسالة لمن يأتي بعدي ليعرف محتواه. لكني وجدت بداخله مكحلة حسنة المظهر بها مسحوق أسود انسكب على المكتب، لكني قدرت أنها خيالات من تأثير قلة النوم لأنني لم أظفر بشيء من الطعام بعد ولم أحظ بقيلولتي اليومية. فيدالي - وجدت مع المكحلة رسالة على ورق أصفر متآكل بخط جميل منعق وبيان حسن تقول: نحن (شقيق بك إبراهيم (مراد نكتب هذا لمن يأتي بعدنا، وأزمعنا أن نفتحه لنتعرف ما به من أسرار عظيمة والغاز بهيمة. على أننا حينما عقدنا على ذلك العزم المتقشب الفينا فيهمكحلة حسن شكلها ودق ، بيد أن بعض محتواها انسكب على القمطر عندما از معنا فتحها فأعدناه إليها كيفما اتفق وقد وجدنا في الكيس قرطاسا خط على ورق بال متأكل . على أننا استشعرنا سقما بالغا وحمى عالية فهرعنا نسكب من الماء البارد على رأسنا ما يكفي لإبراء هذه الحمى وتخفيف هذا السقم . وسكبنا في خيشومنا بعض قطرات من الدواء. أنه بحمد الله تعالى والصلاة على رسوله الكريم في عامنا هذا عقدنا العزم على فتح الشكمجية التي وجدها خدمنا في الدار. وقد وجدنا قرطاساً بخط لا تتبينه العين، الا رحم الله جريراً إذ قال : إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصر عن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا والذي هو أشعر ما قال العرب في الغزل. على أن بعض ذلك المسحوق الأسود تبعثر فوق عباءتنا فنفضناه وأعدناه إلى حيث كان ولات حين مناص. التي هي إلى رسوم الصبية في كتاتيبهم أقرب، وإلى تلك الشخابيط التي يرسمها العامة على جدران بيوتهم أدنى وهي كتابة رسمت رسماً على ضربمن تلك النباتات التي يقال لها (بردي). بعد هذا وجدت أوراق بردي عليها رسوم هيروغليفية ما . عند هذا الحد توقفت رحلتي إلى الماضي وعدت إلى الحاضر الذي يعج بالاسئلة . لقد كانت هذه هي الرسالة الأولى الرسالة التي بعدها تحكي الأحداث ذاتها في فترة زمنية أبعد . معنى هذا أن كثيرين حاولوا فتح الكيس قبلي، لكن الأغرب أن أيا منهم لم يستكمل الرسالة ليخبرنا بما وجده. هذا داع قوي كي أجرب بنفسي وليس من رأى كمن سمع. لماذا لم يكمل أحدهم رسالته ؟ من وضع الرسالة في الكيس في كل مرة ؟ ما محتوى تلك البردية التي يبدو أنها باللغة الهيروغليفية ؟ لماذا شعر كل واحد من هؤلاء بأنه ليس على ما يرام بعد ما انسكب المسحوق الأسود ؟ قررت أن أفتح المكحلة . سألقي نظرة سريعة على محتواها وربما أرسله لمن يحلله، وبعد هذا ساكتب ما رأيت كي يعرف الآخرون . سأقوم بجمعه وإعادته إلى المكحلة .