وهو من صنف "من جهل شيئا عداه" أي نقد ليس مبنيا على قراءة تذكر لنصوص النظرية كالقول أن هذه ليست نظرية أو أن هذا الطرح غير مقبول أو غير مجدي أو غير ملائم أو لا أرغب فيه أو أكرهه وما شابه، وهذا النقد لا يحتاج إلى الرد لأن صاحبه يجهل الموضوع أو قد يحمل سوء نية مسبقة قائمة على الرفض من أجل الرفض أو عدم التسامح مع من يحمل أفكارا مغايرة أو قد يكون بدوافع أيديولوجية أو تكون من حالة نفسية مرضية (بفتح الراء) وما شابه، الخ. ومن المعروف أكاديميا أن النقد بالمطلق ليس له قيمة معرفية وإنما النقد يكون في العلاقة مع فكرة محددة وفي السياق الذي وردت فيه بناء على قراءة متأنية ونزيهة. والحاصل أن قيم النقد وأدب الحوار عندنا ليست متطورة وشروطه غير متوفرة كثيرا ومنها: أن يكون النقد أخلاقيا، أ) يكون مبنيا على قراءة ومعرفة كافية بالموضوع محل النقد. وفي الآية الكريمة: "ولا تقف ما ليس لك له علم. ب) أن يكون أمينا في تلك القراءة وليس من نوع "تحريف الكلم عن مواضعه. ج) أن يكون بنائيا، أي يسهم في بناء المعرفة وتطويرها وليس من نوع الذي يسعى إلى "الهدم" ومن باب "خالف تعرف" دون تقديم البديل. د) أن يكون نزيها، بأن يهدف إلى إثراء المعرفة وليس الإساءة إلى الآخر أو تحقيق مآرب شخصية. والنقد في مجمله أمر سهل، إذ يمكن لأي شخص أن ينتقد أي شيء. أما البناء فلا يقدر عليه إلا القلة. فإذا كثر النقد قل البناء. وبالطبع فإن النقد البناء مطلوب ومشروع. ويذهب باحثون متمرسون أمثال الفيلسوف الأمريكي "سانتيانا" (George Santayana) إلى القول بأن النقد الحقيقي يتطلب أولا التعاطف مع الموضوع محل النقد، وبدونه يغيب الفهم وتكون النتيجة "سوء الفهم. " ويضرب لذلك مثلا بنفسه أنه عندما حاول دراسة "الظاهرتية" نقديا اتخذ منهجا نزيها، أي فهم الظاهرتية من الداخل ولم يكن ذلك ممكنا إلا بنوع من التعاطف(empathy) مع النظرية. ويضيف، وعندما سلكت هذا النهج أصبحت ظاهرتيا، يقول في ذلك "لم أفهم الظاهرتية إلا بعدما أصبحت ظاهرتيا. " فالفرد لا يقدر على فهم شيء يحمل عنه أفكارا "نمطية مسبقة" أو يكرهه أو لا يرغب فيه، وذلك ما نقرأه في النص القرآني من ربط الهدي بالتقوى في قوله تعالي "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، " (2) أي أن هناك شروطا لدى المتلقي (التقوى) حتى تستقر الفكرة لديه ويتقبلها (هدي الرسالة). وبتعبير آخر، فإن القيمة تحتاج إلى صفاء القلب أولا.