2ملخص فصل في الدلالة على أن القرآن معجزة قد ثبت في الفصل الأول أن نبوة النبي أساسها هو القرآن الكريم، -التيقن أن القرآن من عند الله : أ.ذكر العلماء أن الأصل في هذا هو أن تعلم أن القرآن المتلو المحفوظ المرسوم في المصاحف هو الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأنه الذي تلاه على من عاصروه ثلاثا وعشرين سنة. المتفقة في الكفر، ووقف أهل عصره من المؤمنين على جملته وتفصيله، وتظاهر بينهم حتى حفظه الرجال وتنقلت به الرحال، المحكمة أحكامه، ثم تناقله خلف عن سلف حتى انتهى إلينا وما وصفنا من حاله، فهذا هو الأصل. والدليل عليه من القرآن الكريم، حيث قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا على عبدنا فأتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادقين [البقرة: 23]، والحجة على وحدانيته، وبذلك يدحض قول من قال بعدم إمكانية دلالة القرآن على وحدانية الله وزعم أن ذلك لا سبيل إليه إلا من جهة العقل لأن القرآن كلام الله ولا يصح أن يعلم الكلام حتى يعلم المتكلم أولا، وليس الغرض تحقيق القول في هذا الفصل لأنه خارج عن مقصود كلامنا ولكن ذكرناه من جهة دلالة الآية عليه، فقد قال تعالى: (قُلْ لَئِن اجتمعت الْإِنْسَ وَالْجِنَّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بمثل هذا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لبعض ظهيراً [الإسراء: 88]، فالعرب لم تستجب للتحدي الذي أعلنهم الله عليهم فلم يأتوا بمثله وفي هذا أمران: التحدي إليه، والآخر لم يأتوا بمثله والدليل عليه النقل المتواتر الذي يقع به العلم اليقيني فلا إمكانية لجحود أحد الأمرين. اعتراضات على التحدي والإجابة عليها وأيضا الزعم أن القرآن ليس هو الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو شيء وضعه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما حيث وضعا المصحف والزعم أن فيه الزيادة والنقصان. -ضمان الله تعالى حفظ كتابه: لقد حفظ الله كتابه من التحريف والتغيير، وقول من قال أن ذلك يغني عن الرد عليه، فلو حصل التغيير في شعر شاعر لفضح فكيف بكلام الله تعالى، فهذا شعر امرؤ القيس وغيره لا يجوز أن يظهر ظهور القرآن في الحفظ والضبط والحاجة الماسة إليه، فلو زيد أو نقص فيه بيت أو لفظ لأنكره أرباب الشعر عليه، فكيف يكون التبديل في كلام رب البشر فهذا لا يقبله العقل بالإضافة أن القرآن يحتاجه البشر لإقامة أحكامه وتشريعاته، فالله تعالى يقول نقلا عنهم لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا (الأنفال: 31]، وأيضا قال تعالى: إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ (ص: 7]، ومنهم من يزعم أله مفترى لذلك لا يأتي بمثله، فلو جاز أن يكون بعضه مكتوما أو موضوعا جاز كله. هـ. وجعله دلالة على صدقه ونبوته، وتضمن أحكامه استباحة دمائهم وأموالهم وسبي ذراريهم، فكان ذلك يغنيهم عن تكلف القتال وتجنب الجدال والجلاء من الأوطان، وتضليل آبائه، والانخراط في سلك الأتباع بعد أن كان متبوعا، وتحكيم غيره في المال والدخول تحت تكاليف شاقة، فقد بذلوا السيف والمال لذلك فكيف لا يردون باللسان، فكيف يجوز أن لا يتوصلوا إلى الرد عليه وتكذيبه بأهون سعيهم ومألوف أمرهم ومعهود خطابهم مع بلوغهم الذروة في الفصاحة. و لو عارضوه لوهن أمره، وتكذيب قوله وتفريق جمعه وتشتيت أسبابه، وكان من صدق به يرجع على أعقابه، وقولهم : وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونَ﴾ [الحجر: 6] وقولهم : ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِنَّكَ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمَ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ﴾ [الفرقان: 4]، والآيات كثيرة تدل على أنهم كانوا متحيرين في أمرهم، يفزعون من هذه الأمور بتعليلات ومعاذير ومدافعة بما وقع بع التحدي، فلذلك طالبوا بمعجزات أخرى غير الفصاحة يريدون تعجيزه ليظهروا عليه بوجه من الوجوه، فكيف يجوز أن يقدروا على معارضته القريبة السهلة عليهم، فلو كانت المعارضة ممكنة لعارضوه وهم ما هم فيه من السليقة والبلاغة والفصاحة، وهو يتفوق عليهم فيعجزوا عن مباراته، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لذكر لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تسألون [الزخرف: 44]، إلى غيرها من الآيات التي تدعوهم إلى المباراة والتحدي وتفخيم شأن القرآن. ز. عدم معارضتهم يدل على أنه لا إمكانية للمعارضة فلم يحتجوا بكلام سابق أو نظم بديع أو قالوا هذا الكلام أفصح من الذي جئت به، وأنه لا نظير له ولو وجد لنقل إلينا كما نقلت إلينا أشعارهم وغيرها من صنوف الكلام، ولا تظهر على أحد إلا وهي من الله، فوجه الإعجاز فيها بالتحدي لإزالة الشبهة على الكل ويتضح للجميع أن العجز واقع عن المعارضة، فالبليغ إذا احتج عليه بالقرآن كان ذلك بلاغا في إيجاب الحجة، فالغالبية لما تفطنوا لإعجازه أسلموا لأن دعوة النبي لهم لم تكن تقليدا وإنما انقادوا إليه على بصيرة منهم فلم يقل لهم عودوا إلى البلغاء منكم، بل لما رأهم يعلمون إعجازه الزمهم حكمه فقبلوه وتمسكوا به، فمن كانت بصيرته أبصر كان إلى الحق أسبق، فمن المعلوم تفاوت الناس في إدراك القرآن ومعرفة وجه الدلالة منه، فالأعجمي لا يعلم أنه معجز إلا بعلمه عجز العربي، فمن علم إعجاز أهل الصنعة لزمته الحجة ومن كان في ذروة معرفة وجوه الخطابة علم إعجازه منذ سماعه له فعدم قول ذلك يفضي إلى القول أن النبي لم يعلم أنه معجز إلا عندما عرف عجز أهل اللسان عنه وهذا قول مردود، فالبليغ منهم يعرف خروج بلاغة القرآن عن مألوفهم، فالقرآن نزل من وجه نقض العادة التي ألفوها في الكلام، فهذا جبير بن مطعم أسلم لما سمع سورة الطور فخشي من العذاب، فالسماع طريق التأمل وعند التأمل يقع التسليم للحق، فقال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله ثُمَّ أبْلِغة مأمنة [التوبة: 6]، فمنهم من يشك في إثبات الصانع، ومنهم من يشك في التوحيد، فالرد على هذا الزعم أنه لو صح ذلك صح لكل من أمكنه نظم ربع بيت أو مصراع من بيت أن ينظم القصائد ويقول الأشعار ولصح لكل ناطق يتوفر في نظمه الكلام البديع أن ينظم الخطب البليغة العجيبة ولكن ذلك غير ممكن، فهذه وجوه امتناع مساواة كلام الناس به ظاهرالخطأ، فهو كقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكْرَ وَقَدَّر (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدْرَ (19) ثم قُتِلَ كَيْفَ قَدْرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَيَسر (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَر (23) فقال إن هذا إلا سِحْرٌ يُؤثر (24) إِنْ هَذَا إِلا قول البشر [المدثر : 18-[25 بطلان القول بالصرفة عن طريق أنه لو كانت المعارضة ممكنة لم يكن الكلام معجزا وإلما المنع يكون معجزا، فليس ذلك غريب من قولهم أن الكل قادرون على الإتيان بمثله، وأيضا الزعم أنه لا فرق بين كلام البشر وكلام الله تعالى أنه يصح الإعجاز في كل واحد منها على حد واحد، ي. انفردت اللغة العربية بالإعجاز، فالله وصف القرآن بأنه أنزل بلسان عربي مبين، فبين رفعه عن جعله فكثير من المسلمين عرفوا تلك الألسن المختلفة،