تعاني العربية للناطقين بها وبغيرها من فوضى لغوية في طريقة التعامل مع ضبط النصوص وقراءتها في ضوء غياب نظريات تدريس مناسبة للنظام الصرفي العربي، حادثة زياد بن أبيه وأبي الأسود حيث يروى أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى زياد بن أبيه عندما كان واليًا على البصرة أن يرسل إليه ابنه عبيد الله، فلما وصل عبيد الله عند معاوية وجد بأن معاوية يلحن في الكلام، فكتب معاوية إلى زياد لائماً له على وقوع ابنه في اللحن. فكلف زياد والي البصرة في عهد معاوية بن أبي سفيان أبا الأسود الدؤلي أن يضع طريقة لإصلاح القراءة ودار بين زياد وأبي الأسود حديث خشي فيه أبو الأسود أن يزيد على القرآن ما ليس فيه فحاججه زياد بأن عثمان قد كتب المصاحف قبل أن لم تكن مكتوبة. وكانت حركات أبي الأسود مختلفة عما نعهده الآن، فقد كانت حركات أبي الأسود تختلف في رسمها عن الحركات اليوم فقد رسمها بحبر أحمر، وقد وصلنا ما أخبر أبو الأسود كاتبه أن يفعل إذ قال له: “خذ صبغاً أحمر فإذا رأيتني فتحت شفتي بالحرف فانقط واحدة فوقه وإذا كسرت فانقط واحدة أسفله وإذا ضممت فاجعل النقط بين يدي الحرف (أي أمامه) فإذا اتبعت شيئاً من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين” وأخذ يملي القرآن بتأنٍ والكاتب يكتب حتى وصل إلى آخر المصحف. وكان أبو الأسود يدقق في كل صحيفة حال انتهاء الكاتب منها. و لم يضع أبو الأسود علامة للسكون إذ رأى أن إهمال الحركة يغني عن علامة السكون. وانتشرت طريقة أبي الأسود ولكنها لم تتداول إلا في المصاحف. وأضاف اللغويون على طريقة أبي الأسود علامةً للتنوين، ثم قام الفراهيدي: الخليل بن أحمد في العصر العباسي بتغيير رسم الحركات حتى يتمكن الناس من الكتابة بنفس لون الحبر إذ أن تنقيط الإعجام كان قد شاع في عصره بعد أن أضافه إلى الكتابة العربية تلميذا أبي الأسود نصر بن عاصم ويحيى بن يَعْمَر فكان من الضروري تغيير رسم الحركات؛ فعلى الرغم من ضبط الكتب المدرسية من الروضة إلى المرحلة الثانوية إلا أن ذلك لم يسعف الجيل من تمكينهم من قراءة النصوص المضبوطة وغير المضبوطة بشكل مقبول ومعقول. وتعالت الصيحات التي تصف المشكلة بشكل عام، ولعل تجربتنا في تعليم العربية للناطقين بغيرها تسعف في حل المشكلة، المذهب الثاني: مذهب الضبط الجزئي للنص، وهو مذهب لا يعتمد على قواعد بعينها في الضبط، تمكنهم من موضوع الضبط في القراءة، وأسوأ ما في أمر هذا المذهب أنه قد يتغير ضبط الكلمة الواحدة إذا تغير موقعها لأنه لا ضابط لها، وبالتالي يمكن القول بأنه مذهب لا قواعد له ولا أصول، يساعد الطالب في اكتساب مهارة القراءة الصحيحة. المذهب الثالث: وهو مذهب تبنى نظاماً في الضبط بشكل عام، • القسم الأول: وهو مذهب اعتمد على ضبط المفردات الجديدة في بداية كل وحدة تعليمية من الكتب التي يدرسها الطالب، فعلى سبيل المثال يُعلم الدارسون أن الحروف التي تسبق حروف العلة الثلاثة الألف والواو والياء تكون من جنسها، وفي حال كانت الكلمة على غير ذلك، تظهر هذه الكلمات كالآتي: نور، فيما تظهر كلمة بَيْت هكذا. ويتزامن هذا مع تقديم نظام الأوزان العشرة التي تعوّد الدارسين على القراءة الصحيحة والسليمة التي تعتمد على القواعد والقوانين التي تعلموها شكلاً ومعنى، فعندما يُعلم الدارسون صيغة صرفية يُدربون على قراءتها، فحين يتعلمون على سبيل المثال اسم الفاعل والمفعول، فإنه يُضبط في المرة الأولى فيعرفون كيف يقرؤون مكتوب ومحمول ومدروس ومقهور ومسجون إلخ. وهذا من المذاهب المحمودة التي أنتجت طلبة يُحسنون القراءة دون ضبط وتشكيل ليس لنصوص حديثة وحسب بل لنصوص كلاسيكية تفتقر إلى الضبط والإعجام في بعض الأحيان، خاصة إذا علمنا أنّ اللغة العربية لغة اشتقاقية تقوم على الميزان الصرفي الذي يمثل مصنع إنتاج المفردات بشكل عام وكيفية قراءتها ونطقها.