الحكم الرشيد الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة بعد موضوع الاستقرار السياسي في الدولة من أهم الموضوعات التي تدخل في صميم اختصاصات الدراسات السياسية في وقتنا الحاضر، حيث أصبح هذا الموضوع مثار اهتمام المجتمع والرأي العام على المستوى الدولي عامة، نظرا لما مرت وتمر به الدول من أزمات متعددة ومتشابكة، وفي المقابل يعد الاستقرار السياسي أيضا من الموضوعات التي لها أثر وتداعيات سلبية في حالة عدم توفره ليس على التنمية فقط، المبحث الأول: مفهوم الاستقرار السياسي والتنمية البشرية وفي الوقت نفسه تعزز التنمية البشرية من فرص استمرار الاستقرار السياسي. لا يختلف مفهوم الاستقرار السياسي عن العديد من المفاهيم في العلوم الإنسانية والسياسية بشكل خاص من حيث غموضه وتعقده، ويتناول عدد كبير من الباحثين تحليل مفهوم التحول السياسي من خلال تضمين عنصرين له الأول يتمثل بالنظام اللافوضوي الذي يعني عدم اللجوء إلى استخدام العنف والقوة والإكراه والقطيعة مع النظام السياسي والثاني الاستمرارية التي تعرف الاستقرار بأنه الغياب النسبي للتغيير في مكونات النظام السياسي، وغياب أو نذرة أعمال العنف السياسي المتمثلة في أحداث الخطف والاغتيالات والحروب الأهلية والمظاهرات المسلحة وغيرها من أعمال العنف السياسية الأخرى. وينطوي الاستقرار السياسي على ثلاثة أبعاد رئيسية وتتجلى في: ومخرجات العملية السياسية والتي تتمثل في الممارسات والقرارات التي يتخذها النظام التلبية المطالب الشعبية المتمثلة في العدالة في توزيع الثروات والامتيازات وحفظ الأمن وكفالة الحريات العامة وإنجاز التنمية والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتوسيع مجال المشاركة السياسية. البعد المتعلق بشرعية النظام السياسي والذي يعرف بالبعد النفسي ويقوم على فكرة الرضا الجماهيري تجاه النظام الحاكم ومؤسساته السياسية، يتمتع به النظام السياسي من شرعية تقوم على عنصري الولاء والطاعة نتيجة اقتناع الجماهير بقدرة النظام على تلبية مطالبها وهو الاقتناع القائم على الثقة والقبول الطوعي. البعد المتعلق بالسلوك السياسي والذي يرتبط بالغياب النسبي المظاهر العنف السياسي الرسمي والشعبي كما يرتبط بالالتزام في القواعد والقوانين سواء من قبل الجماهير أو السلطة الحاكمة. وجود نظام مقبول من العلاقات بين قوى الأمة وأطرافها ويقابل ذلك الاضطراب حين تحتل علاقة الأطراف مع بعضها فيقع بينها العداء والنزاع والاحتراب . وينقسم الاستقرار لما تتطلبه الدولة والتنمية إلى : الاستقرار السياسي: ويعني استقرار القوانين والاستقرار الأمني وكل ما من شأنه أن يعود على الدولة بالنظام والدقة في العمل. الأمر الذي يؤثر تأثيرا مباشرا على كل أفراد الأسرة ويسبب في فوضى التفكير عند الأبناء، علاقات لا يشوبها الشك والربية بل الكون محمية بالقانون الذي ينظمها. والتي تلاشت وتلاشى مواطنوها بسبب عدم الاستقرار السياسي (كليبيا وسوريا واليمن والسودان وغيرها)، باستثناء المملكة المغربية التي تميزت باستقرار سياسي جد متقدم مقارنة بهذه الدول ودول المنطقة ككل، فملك المغرب يلعب دورا حاسما في الحفاظ على التوازن السياسي وفق الدستور المغربي إذ يعد أمير المؤمنين ورئيس الدولة، ويضم المغرب مشهدا حزبيا متنوعا الشيء الذي يسهم تنظيم الانتخابات الدورية والاعتراف بأدوار المعارضة في تعزيز نوع من الديناميكية السياسية، وفي نفس السياق اعتمدت البلاد مشاريع تنموية واستراتيجيات اقتصادية كمخطط المغرب الأخضر أو المعبر عليه حاليا بالجيل الأخضر، دون أن ننسى ما اعتمد عليه المغرب بقيادة الملك محمد السادس منذ توليه الحكم في نهج سياسة خارجية متوازنة خصوصا مع الاتحاد الأوروبي وأفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية الصديقة، وقد ظهرت اتجاهات مختلفة متمثلة في أربع مدارس قدمت مفاهيم وتعريفات للاستقرار السياسي وعدمه والمتمثلة في: 1 المدرسة السلوكية للاستقرار السياسي والنظام السياسي المستقر هو ذلك النظام الذي يسوده السلم وطاعة القانون والذي يحدث فيه التغيرات السياسية والاجتماعية، ولقد وجهت عدة انتقادات للمدرسة السلوكية في تعريفها للاستقرار السياسي أهمها أنها اعتمدت على متغير سلبي عندما تجعله مرادفا لغياب العنف السياسي. 2 المدرسة النظمية للاستقرار السياسي إذ تعبر هذه المؤسسات في ظاهرها أهداف عامة وفي باطنها أهداف خاصة تشمل على مصالح خاصة متعلقة بمجموعة من الوزراء مما يشير إلى التداخل السلبي بين مؤسسات الإنتاج ومكونات السلطة، - المدرسة البنائية الوظيفية للاستقرار السياسي تركز هذه المدرسة على دراسة الأبنية الحكومية وقدرة المؤسسات السياسية على التكيف مع المتغيرات في البيئة المحيطة والاستجابة لما تفرضه هذه البيئة من تحديات كما تشير المدرسة الوظيفية إلى فكرة التكامل بين الوظائف داخل الأبنية السياسية لمعالجة قضايا البيئة الخارجية حيث يؤدي هذا التعاون إلى تحقيق استقرار سياسي واجتماعي. لذلك فقد اهتم بالبحث عن الوظائف التي من شأنها جعل النظام السياسي يستقر ويحافظ على بقائه واستمراره وقدرته على إدارة التوتر في المجتمع وتزويده بالموارد اللازمة لاحتياجاته المادية، 4 مدرسة الربط بين الاستقرار السياسي والحكومي للاستقرار السياسي حيث يرى أنصارها أن الاستقرار ينطوي على عدد من الخصائص المميزة للأداء الحكومي والتي تتجسد في خمسة أبعاد هي: استمرارية الحكومة فترة طويلة من الزمن قدرة الحكومة على إصدار قوانين أو تعهدات إيجابية قدرة الحكومة على تخفيض العنف السياسي إلى أدنى حد ممكن قدرة الحكومة على اتخاذ القرارات التي تتناسب مع المطالب المقدمة إلى النظام السياسي قدرة الحكومة على تنفيذ قراراتها وتعليماتها. ان تطور مفهوم التنمية إلى تنمية مندمجة ومستدامة تشمل عملية مترابطة لكل مستويات النشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والبيئي، ومن هذا يظهر لنا حجم ما يمكن أن نسميه أزمة تنمية في العالم الثالث نتيجة لمعدلات البطالة المرتفعة، على أنها: "التنمية التي تلبي الاحتياجات الحالية الراهنة دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة في تلبية حاجياتهم. كما تركز الاستراتيجيات الحديثة المرتبطة بقياس الاستدامة على قياس الترابط بين مجموعة العلاقات والتي تشمل الاقتصاد واستخدام الطاقة والعوامل البيئية الاجتماعية في هيكل استدامي طويل المدى. حيث عرف التنمية البشرية هي تنمية الناس من أجل الناس بواسطة الناس بمعنى الاستثمار في قدرات البشر سواء في التعليم أو الصحة أو المهارات حتى يمكنهم العمل بشكل منتج وخلاق، وهي تشكل إطار العمل البيني في العالم والتي حددتها منظمة الأمم المتحدة في العديد من القضايا كالمساواة الاجتماعية الصحة العامة التعليم السكن الأمن البحار والمحيطات والمناطق الساحلية المياه العذبة البيئة التجارة وغيرها . ولا يجب اعتمادها على فئة قليلة ومورد واحد فبدون المشاركة والحريات الأساسية لا يمكن تصور قبول المجتمع بالالتزام الوافي بأهداف التنمية وبأعبانها والتضحيات المطلوبة في سبيلها، وهي في نفس الوقت عملية تكاملية مستمرة هدفها تأمين متطلبات الواقع دون إهمال تبعات ذلك المستقبل، واليوم يجدر بالتنمية أن تتصف بالشمول لتعم جميع الجوانب لكي تكون متوازنة ومنسجمة، ولنجاح هذا المشروع لابد من توافر ركائزه الرئيسية والمتجلية أساسا في الحكم الرشيد والاستقرار السياسي. والتي تهدف إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة وتقوية قدرات الفئات الهشة. كما ركز على تحسين البنية التحتية في المناطق القروية بما في ذلك الطرق والمياه الصالحة للشرب والكهرباء. المبحث الثاني: الحكم الرشيد والاستقرار السياسي والتنمية وضع وتنفيذ السياسات العامة. وطبيعة السياسيات العامة في المجال الاقتصادي والاجتماعي وتأثيرها على المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة وعلاقتهما بالطبع مع الاقتصاديات الخارجية والمجتمعات الأخرى من جهة ثانية . فنقول إن الحكم الرشيد في حد ذاته هو مشروع مجتمع بأكمله يساهم في بنائه أجهزة الدولة الرسمية من قيادات سياسية منتخبة وكوادر إدارية، وذلك من خلال الهيئة المشرفة على تحديد وصياغة السياسات العامة في البلاد عن طريق وضعها نظام تشريع القاوانين، حيث يصبح بامتلاكها لهذه الوسيلة الشرعية وضع أطر تنظيمية تسمح بالمشاركة الشعبية المفتوحة، وتحديد مقاييس عقلانيته في مجال التعليم والإسكان والبيئة وتوزيع الموارد بعدالة، وهذا ما يجعل أي موطن أو بلد يحقق استقرارا سياسيا معقولا لان كل مطالب المجتمع محققة بصدق وأمانة. وعلى السلطات المحلية كذلك أن تعمل على إشراك المواطنين عبر اللقاءات الدورية وعبر تأثير الجمهور المعني بمشاريع التنمية في لجان متابعة وإشراف ومراقبة لهذه المشاريع، فقد تكون هذه المتغيرات في حد ذاتها مصدر الاستقرار السياسي كما يمكن أن تكون سببا لعدم الاستقرار، ويمكن القول أن هذه المتغيرات في ظل ظروف وأوضاع معينة قد تكون من عوامل تدعيم الاستقرار السياسي والحفاظ عليه، ويهدف مفهوم الديمقراطية التشاركية إلى إشراك المواطنين والمواطنات في عملية صنع القرار من خلال الآليات القانونية والمؤسساتية التي تتيح لهم التعبير عن أرائهم والمشاركة في السياسات العامة بشكل مباشر، حيث يتيح الدستور للمواطنين والمواطنات تقديم عرائض للسلطات العمومية بشأن القضايا التي تهمهم . توسیع دور المجتمع المدني والذي يعد كشريك أساسي في إعادة وتتبع وتقييم السياسات العمومية. بسبب ضعف أحد مكوناته أو بسبب الجونه إلى سلوك يتعارض مع ميول المواطنين ورغباتهم، إذ أن الشرعية تفرض وجود اتفاق واسع بين ما يطلبه المواطن وما تقوم به السلطات الحاكمة من أداء الوظائف الموكولة إليها، كما أن جل الدراسات أثبتت أن وجود علاقة وثيقة بين الاستقرار السياسي وتجسيد مبدأ حرية التعبير والصحافة واحترام حقوق الإنسان ونهج مبادئ الحكم الرشيد، ويحتقر مضامين الديمقراطية السياسية فإن ماله الأخير هو ممارسة كل أشكال القمع والاستبداد والعنف من أجل استقرار حكمه وسلطته، ويمكن أن يختل الاستقرار السياسي أيضا بتنازع المصالح وعدم القدرة على فصل السلط وغياب مقومات وضمانات دولة القانون. إلا أن رشادة القرارات وعقلانياتها تؤدي بلا شك إلى ضرورة الاعتراف السلمي بالدور الفعال للحكومة ومدى التوافق والانسجام بين المتطلبات المجتمعية وأداء السلطة السياسية. من خلال كل ما تم التطرق إليه يمكن التوصل إلى أن الحكم الرشيد بمختلف مكانيزماته يهدف إلى تحقيق دولة القانون والشفافية والمشاركة في تسيير الشؤون العامة وتحقيق الجودة السياسية.