المغرب هو القطر العربي الوحيد الذي يملك منفذا مزدوجا يطل على محيطين عالميين، وقد تعزز هدا الوضع الاستراتيجي يوم أصبح مضيق جبل طارق ممرا حيويا بين أقطار المتوسط والعالم الجديد، وما لبث المغرب أن اضطلع-بفضل هدا الوضع الممتاز بمهمة الوساطة بين عالمين، حيث أصبح نقطة اتصال بين حضارتين ما فتئتا تتفاعلان مند قرون، ولعل هذه الميزة هي التي ساعدت على إشعاع حضارتنا فيما وراء البحار، حيث تجاوبت أصداؤها في العالم الجديد منذ القرن السادس عشر بعد أن اخترقت مجاهل بحر الظلمات، فالمغرب لم ينعزل عن العالم العصري، ولم يهمل كذلك تطور السياسة الأوربية والأمريكية، وأكيد العطف حركة تحرير شعوب ما وراء الأطلسي، وقد كان المغرب في طليعة الدول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ القرن السادس عشرة أمكن للحضارة المغربية التي كانت إلى ذلك التاريخ منحصرة في البحر المتوسط أن تدخل أمريكا الجنوبية بواسطة البرتغاليين، فقد تلقت البرازيل تأثير المدنية الأندلسية، فاتسمت جميع مظاهر الحياة الاجتماعية الأمريكية بطابع مغربي، وتقنعت المرأة البرازيلية على طريقة زميلتها المغربية، وكيفت أسلوب حياتها مثل المرأة الصقلية المسيحية تكييفا شبيها بما عهد في الأندلسيات والمغربيات، وأصبحت أشياء كثيرة في البرازيل صورة لما كان عليه مجتمعنا في العصور الوسطى من أناقة النساء الأرستقراطيات في الحواضر، واتخاذهن الطنافس الوثيرة للجلوس بدل المقاعد الخشبية إلى غير ذالك من طرائق الحياة الفردية ومناهج الفلاحة والغراسة فى البادية، فبالرغم من اختلاف الطقس، استخدم الفلاح الأمريكي أجهزة الفلاحة المغربية وأساليبها، وانتشر استخدام الطواحين الهوائية في مجموع أنحاء أمريكا الجنوبية مع جميع ما ينطوي عليه نظام الري عندنا (السواقي والآبار … إلخ)، وقد نقل المعمرون البرتغاليون إلى أمريكا جميع ما أنجزه المغاربة في القسم الجنوبي من الأندلس، من مصانع السكر والقطن إلى مزارع الحوامض ودودة القز (كانت 3060 قرية أندلسية تتعاطى تربية دودة القز)، على أن اللغة الإسبانية الأمريكية تنم عن الآثار التي تركتها حضارتنا في الميدان الثقافي والاقتصادي والاجتماعي بأمريكا، فالإصلاح الأمريكي في المياه والسقي والري معظمه عربي، وكثير من الأزهار والنباتات العطرية مازالت تحمل في إسبانيا وأمريكا أسماء عربية، أضف إلى ذلك ما يمس الحلي والمصوغات، كما أن الشبه وثيق بين المغرب وأمريكا الجنوبية في ميدان الهندسة المعمارية حيث لا تختلف في البلدين أساليب البناء في الكنائس والأديرة والمنازل والحمامات …، ويضيق المجال عن تعداد المناحي التي تجلت فيها آثار الحضارة المغربية الأندلسية بأمريكا، فحتى أساليب الطبخ وأسماء العائلات لا تختلف في أمريكا عنها في المغرب، ووحدة أصول العائلات العربية تفسر لنا نجاح الهجرة العربية إلى أمريكا لاسيما العناصر السورية واللبنانية التي أسهمت مع المغاربة منذ العصر الأموي في تكييف الحضارة الأندلسية.