قد كان للعرب ميل فطري لم ينقطع إلى الدماثة والمزاح. وهذا الاختيار لم يعرف إلا انحسارا قليلا على تعاقب الزمن . وكانت القرون الأربعة الأولى من الإسلام مثالا في التسامح وسعة الصدر. وإذا كان هناك من حجر فإن هذا الحجر أصاب المزاح الركيك المشاكس في غير موضعه, ولكنه لم يُصب المزاح المنبه البريء, ويصعب أن نجد أمثلة من المزاح الخالص أو من السخرية الخالصة التي تقصد منها الإساءة. والأخبار التي تبعث على الابتسام في الآثار الأدبية لهذا العصر هي في الغالب مزيج من جد وهزل ومن فكاهة وسخرية ومن خبث وغباء. ومؤلفو هذا العصر قد أطنبوا في الحديث عن شخصية الخطيب أو الواعظ وعن نفسيّة جمهوره وعن نوع العلاقات بينهما ولاسيما الجاحظ في كتابه البيان والتبيين « وقد قدم هؤلاء المؤلّفون فيما يتعلّق بالمزاح طائفة من الملاحظات المفيدة التي تتصل بالعناصر الثلاثة التي يمثلها المزح ونعني المازح و الممزوح والظروف الجامعة بينهما . على أنّ الدقة والمهارة في استخدام اللغة تمثلان القدرة الأساسية للمزاح الحق ويجب على المخاطب أن يكون قادرا على فهم ما في الكلام من تندر والتّفطّن إلى ما فيه من تلميح ومراوغة. وباختصار عليه أن يجد مفتاح الخطاب وإلا سيكون بإزاء لغة غامضة لا يمكنه فك شفراتها أو أنه سيسقط في سذاجة الاعتقاد أن اللغة عادية طبيعية لا غمز فيها سيما والسياق يأخذ هنا أهميته الكاملة بالنسبة إلى المخاطب وكذلك المكان الذي تجدنا فيه له دخل كبير في حساسيتنا وقد تساعدنا