المسائل التي وقعت في زمن النبوة: فهذه مسائل منصوص على حكمها وفي الغالب تكون النصوص الدالة على ذلك ظاهرة في المعنى، ومنها ما هو قابل لاختلاف المجتهدين في فهم دلالة النصوص على تلك المسائل. وهذا هو القسم الثاني، وهي المسائل التي اجتهد فيها الصحابة رضوان الله عليهم. واجتهاد الصحابة في هذه المسائل كان مبنياً إما على دلالة نص في إدخال مثلاً المسألة في عام، ونحو ذلك من القواعد العامة. وكذلك مثل أنواع من البيوع لم تكن معروفة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما أُحدثت بعد ذلك، وأمثال هذا كثير مما فيه الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم. هذا الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم غالبه مسائل اجتهاد، وقليل منه مسائل خلاف، ويُلحق به ما كان فيها نص، فاجتهد في المسألة ففهم من الدليل كذا وفهم آخر من الدليل شيئاً آخر مثل: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} هنا هل القرء هو الطهر أم هو الحيضة؟ هذه تدخل في مسائل الاجتهاد الذي لا تثريب على المجتهدين فيما اجتهدا فيه. وإنه ليس ثم أصناف ربوية، لكن النسيئة (التأجيل) أما التفاضل بين نوعين مختلفين مما هو معروف بربا الفضل فإن هذا لا يعده ربا، كذلك إباحته مثلاً في زمن طويل كثير من عمره رضي الله عنه نكاح المتعة وظنه أنّ هذا ليس بمنسوخ ونحو ذلك، وغير هذا من المسائل التي جاء فيها دليل واضح، لأن المجتهد من المجتهدين من الصحابة فمن بعدهم قد يجتهد ويغيب عنه النص يغيب عنه الدليل أو يكون له فهم ولكنه معارض بفهم الأكثرين، قالوا وعليه فإن المقالة المشهورة (لا إنكار في مسائل الخلاف)، من الأثر حظٌ من الدليل. بل من مسائل الخلاف، لكنه أخطأ في هذا الأمر، هذه الأقوال أيضاً كثرت في زمن التابعين وزمن التابعين كانت الحاجات تزيد في وقائع جديدة وكثرت الفتوى بناء على ما استجد من الواقع على نحو ما ذكرت من استدلالهم بالكتاب، ومن المتقرر أن المسألة إذا كانت بعينها في زمن الصحابة، فإن إحداث قول زائد على أقوال الصحابة يعد هذا من الخلاف الضعيف، يعني إذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم في مسألة على قولين، فإن هذا يعد ضعفاً يعني يعدّ من الخلاف الضعيف عند أكثر أهل العلم، أنواع الكتب التي دونت في القرن الثالث الهجري: وكتب للنظر وللرأي. كتب الأثر: وهو العلم الذي نقل فيه هؤلاء الأئمة أقوال من سبقهم في الأحكام، وهذا لما صُنف صار أئمة الأثر والحديث يدورون في المسائل حول أقوال المتقدمين من الصحابة والتابعين، ويعنى بكتب الرأي الكتب التي تعتمد في الأحكام على الأقيسة، إيّاكم وكتب الرأي، وهذا لا شك أنه ليس بطريق سويّ، وذلك لأن أولاً من حيث التأصيل أولئك جعلوا القياس أصحّ من الحديث، ويقولون القياس دليله قطعي، القاعدة دليلها قطعي، طبعاً القياس حينما نقوله هو أعم من خصوص ما عليه الاصطلاح الأخير، يعنى بالقياس ما يدخل فيه تحقيق المناط، يعني القواعد التي تدخل في العبادات والمعاملات، فيستدلون بأدلة قطعية على القواعد، فإذا أتى دليل يخالف القاعدة يقولون هذا حديث آحاد فلا نقدمه على الأقيسة، يقدمون القياس على الحديث المتصل إذا كان لا يوافق القواعد، وهم لهم أصولهم فالحنفية مثلاً عندهم أصول الفقه التي تخالف أصول أئمة الفقه الذين هم من أهل الحديث مالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم أجمعين في أنحاء كثيرة في أبواب كثيرة، مثلاً عندهم أنّ العام أقوى من الخاص، فعندهم أن دلالة العام على أفراده قطعية إذا كان الدليل قطعياً. وأما دلالة الخاص على ما اشتمل عليه من الفرد يعني من المسألة الخاصة فهذه دلالتها ظنية فيجعلون العام مقدماً على الخاص، ولا يحكمون للخاص على العام. وهكذا في التقييد والإطلاق هكذا في مسائل شتى مثلاً عندهم الحديث المرسل مقدم على المسند فالحديث المرسل مثلاً عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، عن إبراهيم النخعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، فإذا أتى حديث مرسل وحديث متصل في المسألة نفسها، وهذا طبعاً أنتج أقوالاً أكثر من الأقوال التي كانت موجودة في زمن الصحابة والتابعين،