والمقريزي هو أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد المعروف بتقى الدين المقريزي كان جده من كبار المحدثين ببعلبك في الشام وانتقل والده علي إلى والتي امتلأت حاراتها وشوارعها بعبق التاريخ والتي تزيد ساكنها وزائرها بالشوق دائماً إلى ماضيها الحافل وآثارها الباهرة وأتيح للمقريزي مشاهدة منشآت بعد على تخليد ذكر مدينته وما بها من عمران. ونشأة المقريزى فى أسرة اشتغالت بالعلم أي أنه شهد حوادث عصره من زاوية أبناء الفئة المتعلمة من الطبقة الوسطى. ذبول لدولة سلاطين المماليك ذات البطولات الشامخة السالفة وأمجاد ماضية ملات أعين التاريخ في الشرق والغرب. وشهد المقريزي فى فترة طفولته ومراهقته وشبابه حوادث ذلك العصر المتدهور من نافذته الفكرية المصرية البعيدة عن المؤثرات المملوكية, المماليك الذين جعلوا من السلاطين الأطفال وأشباه الأطفال وقتذاك ستاراً رقيقاً يعملون من ورائه لتحقيق مطامعهم الخاصة, وتلقى المقريزى تعليمه مثل كل أقرانه في ذلك العصر, التقليدية من علوم الدين وحفظ القرآن ومعرفة اللغة والنحو ودرس الفقه والتفسير غير أن نظرة عابرة على مؤلفاته تدل دلالة واضحة على مدى تأثره بالأحداث المضطربة التي تموج بها البلاد ومثله في ذلك مثل أستاذه ابن خلدون الذي رأى ما في بلاد المغرب والأندلس من تفكك وانحلال وفساد وفتن, تاريخه المسمى العبر وديوان المبتدأ والخبر ومقدمته المشهورة, تأليفها أساساً لدراسة تجارب الأمم. وكان تأثير ابن خلدون على تلميذه المقريزى واضحاً إذا نظرنا إلى مؤلفاته التي أخذت الصبغة الاقتصادية والاجتماعية. حلقات دراسية كما سبق أن ذكرنا ذلك وتعددت محاضراته في عدة أماكن. وصارت هذه المحاضرات نواة لمدرسة فكرية تخرج منها المقريزي وغيره من كما أن أوضاع مصر كان لها أثرها الواضح على فكر المقريزي, أن مصر عاشت فترة تموج بالفتن والحروب داخل محيط السلطة المملوكية, وتحزب هؤلاء المماليك وتعصبوا في عنصرية مقيتة بين الأتراك والجراكسة مرة, وبين المماليك المتوطنين والوافدين مرة أخرى. عن السلطة ولا يناله منها إلا مرها. الوظائف التي لا يصل إليها وقتذاك إلا أصحاب المؤهلات العالية والموهبة والمعرفة والتفوق في اللغة والأدب والتاريخ وتقويم البلدان والحساب. المقريزي نائباً من نواب الحكم أي قاضياً. وظيفة تدريس الحديث في المدرسة المؤيدية وهي أيضاً من الوظائف العلمية ثم انتقل إلى الوظائف ذات الصبغة الدينية والسياسية عندما عينه السلطان برقوق محتسباً للقاهرة والوجه البحرى. والتعليم إلى دائرة الإدارة والاختلاط بمختلف طبقات المجتمع ولاسيما أرباب الأسواق والمتاجر وأصحاب المهن والصناعات، وتوليه الحسبة شهادة على الأمانة والدقة في الإدارة وتطبيق الأحكام ضاق بمسؤولياتها التي شغلت وقته ليلاً ونهاراً، الجلوس في دكة المحتسب للفصل في شكاوى عامة الناس. - مؤلفاته: وفى نحو ذلك الوقت تزوج المقريزى وأنجب, ماتت في سن السادسة بالطاعون الذي اجتاح القاهرة وسائر البلاد المصرية سنة "إغاثة الأمة بكشف الغمة". ودفعه عمله بوظيفة الحسبة إلى تأليف كتابي "شذور العقود في ذكر النقود"، و "الأكيال والأوزان الشرعية". وعاد المقريزى إلى التدريس مرة أخرى, للحديث بالمدرستين الإقبالية والأشرفية بدمشق مع وظيفة أخرى وهي نظر أوقاف ويبدو أنه كتب أول مؤلفاته الطويلة في هذه السنوات الدمشقية, "إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والحفدة والأخوال والأتباع", مشحون بصفحات متتالية من مؤلفات السابقين في تاريخ السيرة. أيضاً يرجع تأليفه لكتاب "النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم", كتاب مستمد من فكرة العصبية القبلية التي بنى عليها ابن خلدون معظم نظرياته في وبعد إقامة استمرت عشرة سنوات, "ضوء الساري في معرفة تميم الداري"، كلها كتب صغيرة ومرتبطة بالبلاد العربية والأماكن المقدسة وأخبارها. أن الكتاب المسمى "الإعلام بمن في أرض الحبشة من ملوك الإسلام" يرجع كذلك وبدأ المقريزي نشاطه العلمي في هذه المرحلة من حياته بكتاب تاريخ القاهرة وآثارها والذي سماه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" والمعروف باسم "الخطط المقريزية" لأنه تناول دراسة خطط وشوارع القاهرة وحاراتها, المهمة من قصور وجوامع ومساجد ومدارس وغيرها فضلاً عن أخبار المدن ثم اتجه إلى وضع خطة استهدفت كتابة تاريخ الدول المستقلة في مصر, دولة في مؤلف منفرد خاص بها. فيمن دخل مصر من الأعراب, الكتاب الذي غدا أساساً لجميع التواريخ المصرية في عصر الدولتين الأيوبية ومن الملاحظ أن المقريزى كتب المؤلفات السابقة لتكون كلها تتمة لكتاب من أخبار الدول الإسلامية في مصر في ذلك الكتاب الكبير. الكتب السابقة على جمع المادة التاريخية اللازمة لكتاب كبير آخر في التراجم والسير وهو الذي سماه "المقفى". ورجالها والواردين عليها منذ أقدم العصور التاريخية المعروفة لديه إلى ما قبل ومؤلفات المقريزى الكبرى والصغرى تربو على مائة كتاب ويتعجب الباحثون المعاصرن والمتأخرون والمحدثون أن ينسب كل هذا العدد الوافر من وثمة ملاحظة مهمة على مؤلفات المقريزى الصغيرة, بعض ملامح عصره وتلقى الأضواء على الجوانب الفكرية والاجتماعية والمقريزى يعرض فى كتبه الصغيرة مسائل قل أن يعرضها في كتبه من عيوب المجتمع نقاشاً حراً. وأعطى المقريزى عناية فائقة بتاريخ مصر على وجه الخصوص, من جوانب لم يفطن غيره من المؤرخين إلى الانتباه إليها أو على الأقل لم يتناولوها بمثل ما تناولها المقريزى من الدقة والاستقصاء والتوسع ولا ريب أنه اعتمد على جهود كثير من أسلافه ولكننا نلمس شخصية المقريزي في كل ما كتبه. فلا شك أن الفضل للمقريزى فى الجمع بين شتات المعلومات, تاريخية مستفيضة أصبحت قوام عمل تاریخی مستقل بذاته. المقريزى يعود أيضاً في أن مؤلفاته حفظت نبذأ نفسية عديدة نقلها عن مؤرخين ضاعت مؤلفاتهم لم تصلنا بعد أن أخذ منها واستفاد بها. وتحتل مجموعة كبيرة من مؤلفات المقريزى مكانة بارزة ومهمة في المكتبة محمد مصطفى زيادة . تناول فى باقى الأجزاء تاريخ مصر ودولة سلاطين المماليك في توسع واستفاضة. ولم يقم بالربط بين سنة أخرى, . خطط المقريزى وكتاب "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" أو "الخطط المقريزية" هو أعظم ما ترك المقريزى بلا ريب وقد اختصه المقريزى لدراسة تاريخ وآثار القاهرة وما حولها من مدائن قديمة. والعسكر أى مدينة مصر ثم القاهرة وبين مواقعها الجغرافية, وحاراتها وعطفاتها وذكر جوامعها ومساجدها وما بنى فيها من زوايا وربط مع ذكر بداية تأسيسه وذكر من قام بالبناء وتاريخه وما آل إليه هذا الصرح أو إن كتاب "الخطط" أكد أن المقريزى كان رجلاً مثابراً على البحث والاطلاع فذكر في صدره فقيدت بخطى في الأعوام الكثيرة, فأردت أن ألخص منها أنباء ما بديار مصر من الآثار الباقية عن الأمم والقرون الخالية وما بقي بفسطاط مصر من المعاهد غير ما كاد يفنيه البلى والقدم, ولم يبق إلا أن يمحو رسمها الفناء والعدم وأذكر ما بمدينة القاهرة من آثار القصور الزاهرة, مع التعريف بحال من أسس ذلك من أعيان الأماثل والتنويه بذكر الذي شادها من سراة الأعاظم الأفاضل". وهناك أدلة تشير إلى أنه كتب أجزاء بعد فترة المحن والغلاء التي وقعت في مصر سنة 806هـ حسبما أشار في عدة مواضع بالكتاب, ثم ذكر في موضع آخر أثناء كلامه عن مدينة مدين قائلاً: "وكان بأرض مدين عدة مدائن كثير قد باد أهلها خربت، أنه ذكر في أخبار بعض مساجد القاهرة التي أنشئت أو جددت في عصره فقال: "وتجدد في آخر سويقة أمير الجيوش بالقاهرة جامع أنشأه الفقير المعتقد محمد الغمري, وأقيمت به الجمعة في يوم الجمعة رابع ذى الحجة سنه ثلاث وأربعين وثمانمائة قبل أن يكمل". وعرض الأحكام الدولة وعوائدها منذ عصر الولاة في مصر ومروراً بالدولة الفاطمية ثم الدولة الأيوبية مع شيء من الاستفاضة عن عصر سلاطين المماليك. كما تدوين أخبار باقى الأقاليم والمدن المصرية التاريخية مثل الإسكندرية والفرما ودمياط والمنصورة وقفط وقوص والأشمونين والفيوم وغيرها. وأثبت المقريزى في خططه مقدرته كمؤرخ مبدع فاهتم بتدوين التاريخ السياسي والاقتصادي والفكرى والاجتماعي لمصر في العصور الوسطى, جلياً في كتاب المقريزى المسمى "إغاثة الأمة بكشف الغمة" إذ تناول فيه المقريزى الظواهر والعوامل التي أدت إلى خراب مصر وإفقار المجتمع المصرى, وسار في هذا الكتاب على نهج ابن خلدون في الشرح والتعليل. واهتم المقريزى فى خططه برسم صورة المجتمع المصرى في عهد الخلفاء الفاطميين ثم سلاطين بنى أيوب ومن بعدهم المماليك, أثوابه المختلفة زاهية ، وتناول وصف الحفلات الرسمية والعامة والمواكب السلطانية إذا خرج الحاكم للصلاة أو للرياضة أو للحرب. الشئون العامة للبلاد من أمور تشريعية وحربية ومالية سواء في عهد الخلفاء الفاطميين أو السلاطين الأيوبيين والمماليك من بعدهم. وبلغت قيمة كتاب الخطط ذروتها فيما تناوله المقريزى من كتابات عن حياة مثل عادات الناس وتقاليدهم وأحوالهم في المعاملات, وفي ملبسهم ومأكلهم وفى أفراحهم وأحزانهم وفى اللهو والرياضة, بخواص الشعب المصرى وطبقاته الاجتماعية. - أصالة الخطط وقد تعرض كتاب الخطط المقريزية للطعن في أصالته, الدين السخاوى بحملة ضارية على المقريزى واتهمه بسرقة "الخطط". له عدة محاسن عاد فقال: لكنه" قليل المعرفة بالمتقدمين, ثم فجر السخاوى مفاجأته فقال عن المقريزى وكتابه الخطط: "وهو مفيد - ذكر السخاوى هذه التهمة في كتابه "الإعلان" بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ" فقال: "وكذا جمع خططها أي المقريزي لمصر والقاهرة وهو مفيد. يقصد ابن حجر العسقلاني إنه أي -المقريزى ظفر به مسودة لجاره الشهاب أحمد بن عبد الله بن الحسن الأوحدى بل كان بيض بعضه فأخذها, وقبل الرد على هذا الاتهام لابد من التعريف بالأوحدي البطل الأسطوري أنه برع فى القرآن والأدب واهتم بالتاريخ, وذكره المقريزى في كتاب درر" العقود الفريدة, وللرد على اتهام السخاوى للمقريزى بسرقة خططه عن الأوحدى نبدأ بالتعرف على مصادر المقريزى التي اعتمد عليها في كتابة خططه. المقريزي في مقدمة كتابه إلى المنهج الذي اتبعه فقال: "وأما أي أنحاء التعاليم التي في العلوم والرواية عمن أدركت من شيخة العلم وجلة الناس, فأما النقل من دواوين العلماء التي صنفوها في أنواع العلوم, كل نقل إلى الكتاب الذى نقلته منه لأخلص من عهدته, .... وأما الرواية عمن أدركت من الجلة والمشايخ فإني في الغالب والأكثر ثم ذكر المؤرخين الذين كتبوا في خطط مصر قبله, من منهج في تدوين كتابه فلا يكاد ينقل رواية أو واقعة أو وصفاً إلا أسنده إلى وابن يونس والمسعودى وابن وصيف شاه ورجع في أخبار الفسطاط الأولى إلى وأبدع ما في "الخطط" وهو الجزء الخاص بالدولة الفاطمية, ابن زولاق والمسبحي وابن المأمون والجواني, والقاهرة رجع إلى القاضي الفاضل وابن عبد الظاهر وابن المتوج. المقريزي مادته تباعاً من سلسلة متصلة من المصادر المعاصرة, فإذا كان هذا هو حال المقريزى ومنهجه في الفترة المبكرة لتاريخ مصر حتى قبيل وفاته وهذه الفترة التي عاشها المقريزى امتدت بين سنتي 766-845هـ, وهي تشغل حيزاً كبيراً من مادة "الخطط". وقد عاصر المقريزى عشرة سلاطين من المماليك متعاقبين على حكم مصر, وأدرك مرحلتين كبيرتين في تطور مصر والقاهرة من ناحية العمران والمجتمع الأولى: أواخر القرن الثامن الهجري حيث كانت مصر والقاهرة تسترد عافيتها بعد ما أصابها من وباء والثانية بعد المحن التي توالت عليها بين سنتي 806 و 812هـ بسبب الوباء والغلاء, ومعنى ذلك أنه ليس من الممكن عقلاً أن يكون المقريزى قد نقل عن الأوحدى شيئاً يتعلق بأحوال هذه الفترة, فإذا أضفنا إلى ذلك أن المقريزى يقتبس من أسلافه كتاب الخطط والتواريخ وغيرهم بطريق الإسناد فقرات تعد بالمئات, فإن ما تبقى مما يمكن أن يكون موضعا للاتهام جزءاً يسيراً جداً, ولكن إذا رجعنا إلى رأى ابن حجر في صديقه المقريزي فقال عنه: "وله أي المقريزي النظم الفائق والنثر العابق, وقال عنه أيضاً: "رفيقي الإمام الأوحد المطلع تقى الدين المقريزي. وإذا طالعنا مؤلفات السخاوى ومنها الضوء اللامع" و"التبر المسبوك" و " الإعلان بالتوبيخ لعرفنا أنه كان ناقدا لاذعا فانتقص من أقدار كبار علماء عصره. وأدى أسلوب السخاوى الجارح إلى إثارة العداوة والبغضاء بينه وبين طائفة كبيرة من الأعلام ودخل مع كثير منهم في معارك قلمية ملتهبة. وكانت خصومته لجلال الدين السيوطى حادة وعنيقة فاضطرم الجدل بينهما حينا وتبادلا مر الحملات والتهم ونسب كل منهما الآخر إلى الاختلاس والنقل. وهكذا فإن اتهام السخاوى للمقريزى بسرقة "المواعظ والاعتبار" أمر مرفوض واتهام باطل ترده الحقائق المادية.