فإن الحادثة نفسها ليست واضحة في الدلالة على كون مذهب عمر هو عدم قتل المرتد، ومن كانت حاله كذلك فإنه يقتل ولو كان مسلماً. ثم إن أنساً أكد لعمر بأن حكمهم القتل لأنهم ارتدوا، وإنما عقب عليه بأنه لو أمسك بهم لاستنابهم وحسبهم، وتعقيب عمر على قول أنس لا يشعر بأن أنساً قرر قولاً مخالفاً لرأيه، وإنما غاية ما يدل عليه هو أنه كان حريصاً على استتابتهم وإطالة مدتها لهم. بل هناك رواية أخرى للقصة فيها ما يدل على أن عمر أيد أنساً في حكمه، فإن أبوا استودعتهم السجن "(1). فإنهم استدلوا بموقف عمر في هذه الحادثة وغيرها على مشروعية الاستتابة ولم يعدوها مناقضة لعقوبة القتل، فإنه في سياق استدلاله على الاستتابة وتحديد مدتها يستدل بالأخبار المنقولة عن عمر، فقد روى عنه أنه قال: " المرتد يستتاب ثلاثة أيام، حديث عمر : ألا أدخلتموه بيتاً، وابن مسعود استتاب وقتل وحديث أنس يروي عن عمر : أدخلهم من الباب الذي خرجوا منه أحب إلي من كذا وكذا"(٢). ذلك قال معلقاً: " يعني استودعتهم السجن حتى يتوبوا، فإن لم يتوبوا قتلوا هذا لا يجوز غيره وفي سياق حديث البيهقي عن إطالة مدة الاستتابة قال:" قد روي في التأني به حد الردة - حديث آخر عن عمر رضي الله عنه بإسناد متصل (۱)، فإنه حين ذكر القول بالاستتابة، وبهذا المعنى الذي أكده عدد من كبار علماء المسلمين وفقهائهم تنسجم هذه الحادثة مع ما هو معروف عن عمر،