تخلت السفينة عن كبريانها تدريجياً، وبدأت تنن عليهم تحت وطأة عاصفة حمراء داهمتهم بلا مقدمات. ترافقها أمواج شاهقة كالجبال، تقلب كل شيء على ظهر السفينة وتملأ قلوب البحارة بالخوف، ليحل محل السمر أحاديث الخطر الداهم والموت المتربص.في لحظة زاد الخطر وارتفعت الأيدي بالدعاء، تضرب السفينة بلا رحمة، تزداد علواً وتعمق في النفوس الإحساس بالياس. لم يجدوا سبيلاً سوى إلقاء جزء من الحمولات عسى أن تخف وطأة العاصفة، ازداد التأرجح والخوف تسلل إلى الأعماق. تمايلت السفينة حتى انقلبت رأساً على عقب، وجهاً لوجه أمام الأمواج والرياح، حيث صارت حياتهم معلقة بأمل وحيد،كان المشهد كما لو أنه حرب ضارية؛ اشتدت فيها المعركة بين الأمواج الهائلة والسفينة الصغيرة، التي بدت أمام قوة البحر ككائن ضعيف، كلّ واحد منهم على مسافة لا يعرف مصير الآخر، وفوق ذلك كانت الرغبة في التجمّع تشتعل في داخله. فالخوف في الوحدة يزيد من شدة الألم.مرت ساعات الصراع الطويلة، فتمسك بقطعة من الحطام أنقنتني من الغرق. وجد نفسه على شاطئ قرية بعيدة، بين يدي صياد رحيم مدَّ له طوق النجاة. أمضى معه أياماً يستعيدُ فيها عافيته، وعلى شفته كلمة امتنان لا تفيه حقه. ثم قرر العودة إلى موطنه، بعدما حمّله البحر قصصاً تبقى شاهدةً على تلك التجربة. كما لو كان الماضي ينبضُ من جديد، وتلك لقصة المؤلمة تعودُ تفاصيلها لتحيا بداخله.