المحور الأول: البحث الاجتماعي والقضايا النظرية والمفاهيم التصورية ذات الصلة: يطلعنا تاريخ العلم والمعرفة الانسانية أن العالم فرنسيس بيكون قد وصف المعرفة بانها قوة ؛ ولكن أية معرفة يقصدها؛ إنها المعرفة التي استمدت قوتها من توظيفها لمناهج البحث العلمي؛ فأخذت بها المجتمعات آنذاك؛ لتصيب نصيبها من تسخير الإمكانيات الطبيعية والبشرية بعد أن حللت وفسرت وفهمت من قبل نخبها ، فقدرت لنفسها سيطر ة على ما دونها من ا لمجتمعا ت ، هذا الدون في امتلاكه للقوة، مكنتها من إدارة مشكلاتها، ولتحقيق تقدمها وسيطرتها. وبتراكم هذه المعارف إلى جانب المناهج البحثية والتحليلية، بمرور السنين، وعلى شكل مجموعات من المعاني والمعتقدات والأحكام والمفاهيم والتفسيرات ا لمعدلة طورا بعد طور ، توصل الفكر الإنساني إلى أسلوب جديد لفهم ما يدور حوله، يتضمن الملاحظة وصياغة الفروض وإجراء التجارب وجمع البيانات وتحليلها وصياغة قوانين وتطوير نظريات تفسر الظواهر الطبيعية والوقائع الاجتماعية التي تم ملاحظاتها؛ فأطلق على هذه العمليات والتقنيات والطرق تسمية أو المنهج العلمي. ونظرا لارتباط البحث العلمي عموما والاجتماعي خصوصا بمفاهيم أخرى، كان من لزاما تتبع مسار تلك المفاهيم ومحاولة فهم تطورها وانفصالها عن أنماط عرفها الانسان وعرف بها خلال رحلة بحثه وتقصيه عن حقيقة مايدور حوله. حتى وإن كان المجال لا يسع للتوسع في الموضوع بشكل أعمق وأكثر تفصيلا مما هو مطلوب من الطالب. تطلعنا ادبيات البحث العلمي والمعرفة الانسانية عموما أن هذه الأخيرة تضرب بجذورها في البدايات الأولى لوجود النسان على الارض الذي جبل بطبيعته على الفضول و حب الاستطلاع والبحث وذلك بهدف التعرف على مختلف الظواهر التي تحيط به سعيا غلى فهمها وفهم نفسه والطبيعة البشرية بالدرجة الأولى . وفي هذا الشأن يقولkarl Jaspers كارل جاسبير "أن الحقيقة لا تهب نفسها لأحد من البشر، بل أن البشر جميعا يهبون أنفسهم وعقولهم ونشاطهم العقلي للحقيقة". ومن ثمة ، فالانسان عرف قبل أن يعلم savoir avant de connaitre ذلك أن الانسان إذ وجد نفسه أمام قوى الطبيعة ومحاطا بظواهرها وجد نفسة وبغريزته مجبرا على السعي للتعرف عليها للاستفادة منها في استمرارية حياته ضمان بقائه على الارض، فهو لم يكن يطلب علما وإلا لما استمرت الحياة البشرية على وجه الارض. إن الانسان الأول كان كل ما يرنو إليه هو البحث عما يؤمن له الحياة والاستمرار، وكانت بساطة الحياة ومحدودية مطالبها لا تتعدى إشباع الحاجات الاساسية من طعام وشراب وكساء ومأوى وأمن. وكما قيل" كانت المعرفة من اليد إلى الفم "وفي هذا الشأن قال john dewey 'إن المصدر الاساسي للمعرفة الانسانية هو الخبرة والنشاط الذاتي للفرد، فأي معرفة يكتسبها الانسان إنما هي ناشئة عن خبرته وعن تفاعله مع البيئة المحيطة به، وعن نشاطه وكفاحه من أجل البقاء وكذا الحصول على لقمة العيش والكساء والمأوى ، والتغلب على الصعوبات اليومية" عموما يمكن اختزال خصائص المعرفة لدى الانسان الأول أنها كانت معرفة: وسيلية أوي براغماتية )ارتبطت بالحاجة اولا( فكانت واقعية وتطبيقية قبل أن تصبح نظرية-اجتماعية أي أنه في الحياة الاجتماعية يتم اكتشاف الكائنات والانسان والعالم- تاريخية، من هنا تبدأ نقطة الانطلاقة في المراحل الأولى للتفكير الانساني والتي تمثلت في التفكير بالمصاعب التي تعترض سبيل الانسان، ويقول "ديوي" في هذا الموضع:" الناس في حالتهم الفطرية لا يفكرون عندما لا يكون امامهم متاعب يواجهونها ومصاعب يغالبونها لتغلبوا عليها. وبهذا تبلورت المعرفة من الاحكام والأفكار والتصورات التي تحكم عقول البشر، بل وتمكننا نت التنبؤ بمسيرة تطورها مستقبلا. فقد تعارف أن المعرفة في الاعم الأغلب هي مصطلح يشير إلى تحديد عناصر ما في موضع ما. " فما يميزها عن بقية مناشط العقل البشري هو ما إذا كانت يجب أن تتصف دائما بالصدق واليقين أم أن هناك ما قد يسمى معرفة كاذبة أو احتمالية. إن ذلك يثير تساؤلا كبيرا في أذهان الانسان هو مدى تطابق معرفتنا بموضوع ما مع حقيقته. وذلك نتيجة لنسبية المعايير التي نعتمدها في إصدار أحكامنا ، فالمعايير المتباينة من شخص إلى آخر تؤدي إلى تناقضات، والتي يستثمرها الريبيون )المشككون. فهي تستعمل التصورات في حين أن العلم يستعمل التصديقات، إذ أن العلم له شروط لا تتوفر في كل معرفة، فكل علم هو معرفة وليس كل معرفة علما. وما دامت المعرفة إنتاجا عقليا أي من العقل البشري، فإنها خاضعة إلى الطريقة التي يدرك بها العقل البشري المعلومات ، فالإنسان يدرك من خلال نسق من تحيزاته وتعصباته ، ومن خلال ميوله وخبراته الماضية. إن مايميز المعرفة عن العلم أنها أشمل وأعم المفاهيم التي من شأنها وصف لدى الانسان من خلفيات نظرية ومعرفية وأفكار وآراء ووجهات نظر وخبرات عملية يستطيع الاستفادة منها عند الحاجة. علاوة على أنها اي المعرفة، تعني قدرة الفرد والانسان على تحديد نوع العلاقات بين الاشياء والظواهر المكونة للعالم المحيط به من خلال تحليل المعلومات المستلمَة بواسطة حواسه بهدف فهمها ، أو بمعنى آخر فالمعرفة هي الخطوة المنظمة في محاولة الفرد معرفة العالم وهي تقوم على تحديد خطوات الادراك والفهم والمحاكاة العقلية ، فهي تلك الصور الذاتية للظواهر المحيطة والاشياء والعلاقات الموضوعية الخارجة عن وعي الانسان، وهي في نفس الوقت عملية أزلية متواصلة وغير متناهية لما هو أكثر دقة، وتختلف أنواع المعرفة، إذ أنها ليست واحدة بل وفقا للطرق التي تكتسب بها من قبل الافراد، والتي تتحدد نتيجة لطبيعة تلك الظوتهر ومدى تعقيدها، إضافة إلى الوسائل العقلية المستخدمة في اكتساب تلك المعرفة، لذلك فالمعرفة ترتبط لزوما بالتفكير، فكل معرفة لا يتم اكتسابها إلا من خلال فعل عقلي يطلق عليه اصطلاح التفكير ، وتتفاوت مستويات التفكير في ضوء الجهد العقلي المبذول والمعالجة المعرفية المستخدمة فيه لانجاز مهام عملية التفكير. وعليه، يمكن تقسيم التفكير إلى ثلاث مستويات: مستويات التفكير الدنيا) المنخفضة(: عملية التذكر وإعادة الصياغة[-]مستويات التفكير الوسيطة أو الراقية: مثل طرح الاسئلة والاستدلال والتحليل[- ]مستويات التفكير العليا: مثل اتخاذ القرار والتفكير الناقد والتفكير الابتكاري والتفكير الماوراء معرفي. لكننا نتساءل عن دواعي الانتقال من طور معرفي إلى آخر، ومتى تكون الحاجة إلى هذا الانتقال؟ هنا يجيب 'باشلار' الفذ:" إن الانتقال من طور معرفي إلى آخر يكون عندما يعترض تلك المعرفة عائق يحول دون تطوَرها، إذ يفرض عليها تجاوزه القيام بتغيير البنية المعرفية عبر أحداث منطقية" إن تغير الإطار المعرفي أو النموذج يكون عندما لا تستجيب المعرفة القائمة إلى الحاجات الآنية للفرد وكذا الجماعات والمجتمع، وعندما لا تجيب على التساؤلات المطروحة، وبذلك تصبح عائقا أمام المعرفة والتطور مما يستوجب تجاوزها. لابد من أن نعرج على مفهوم 'الروح العلمية' أو ' العقل العلمي' باللغة الاجنبية l’esprit Gaston BACHELARD « Dans l’œuvre de la وهنا نبدأ بمقولة شهيرة للعالم. لكن عبارة عن نشاط منتج للمعارف عن طريق البحوث . ' -بين المنهج والبحث العلمي: على اختلاف آرائهم يجد العلماء والباحثون أن المنهج العلمي والبحث العلمي مفهومان مترابطان ولكن لهما تعاريف مختلفة لم يتفق حولها العلماء. عموما يمكن القول أن المنهج العلمي يشير إلى الطريقة العامة التي يتبعها العلماء لاكتشاف المعرفة الجديدة وفهم الظواهر الطبيعية والظواهر الاجتماعية. يتضمن المنهج العلمي تحديد المشكلة، ووضع الفرضيات، وتصميم الدراسة، وجمع البيانات ، وتحليل البيانات، واستخلاص الاستنتاجات، وتوثيق النتائج. في حين يشير البحث العلمي إلى العملية الفعلية لتنفيذ هذا المنهج في إطار محدد، سواء كان ذلك في المجال العلمي، الطبي، الهندسي، أو أي مجال آخر. لذلك، يمكن اعتبار البحث العلمي كتطبيق عملي للمنهج العلمي في دراسة محددة تهدف إلى إثبات أو نفي فرضيات معينة أو لاكتشاف المزيد من المعرفة. في الختام، يمثل المنهج العلمي الإطار النظري العام، اصطلاحا المنهج ، فقد جاء ترجم ة للكلمة الأجنبية method أو الأسلوب أو الكيفية التي يصل بها الباحث أو العالم إلى نتائجه؛ فهو وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة . وقد حاول كل من بيكون وديكارت أن يكشفا المنهج المؤدي إلى البحث عن الحقيقة في العلوم، وبعد ذلك توالت الاهتمامات بالمنهج؛ هو "الوعي والاستكشاف الذي تتم عن طريقه المعرفة العقلية المباشرة والذي يعني اكتشاف ما في العقل من حقائق وهو مجموعة الاجراءات الذهنية التي يمثلها الباحث مقدما لعملية المعرفة التي سيقبل عليها من أجل التوصل إلى حقيقة ما" وعلى تعدد وكثرة التعاريف يمكن تبني التعريف الذي يقول أن البحث فهو "مجموعة الاجراءات الذهنية التي توضع موضع الفعل متجهة إلى المادة المستهدفة أو الموضوع المستهدف.