لا كما يُرادُ لك أن تكُون. انفِصامٌ في شخصيةٍ لا تَملكُ استقلاليةَ القرار، باسمًا كُنتَ أو غاضبًا أو مُتوتّرًا. لا تَقبَلُ أن تكُونَ مغمورًا بزَيفِ الحياةِ اليَومية. ولا تَسبَح ضدّ تيّارِ نفسِك. ولا تُلقّن نفسَك ما لستَ به مُقتنِعًا. وما سوف يجعلُك بعد حينٍ تتخلّصُ منه، وأنت فيه تُبدِعُ وتَبتَكرُ وأنتَ مُرتاحُ البالِ والضّمير. إلا إذا كنتَ تفسحُ لنفسِك مجالاتِ حُريةِ الفكرِ والخلقِ والإبداع. ولا تستطيعُ الإبداعَ إلا إذا كنت أنتَ في ذاتك، تُبدِعُ بذاتِك لذاتِك. ويربطُ بين حالاتٍ وحالات، ثم يتَوصّلُ إلى خطوطٍ مُشترَكة، ويتَشكّلُ في حجمٍ مؤهّلٍ للتّسويق. وأصبح حجمًا مُجسّمًا مُجَسّدًا. وكلّ ما هو إبداعٌ يكونُ فكرا في العُمق الإنساني، ويُصبحُ الفكر متَجَسّدا في شكل مقال، وأنّ هذا المنتُوجَ قِطعةٌ منحوتةٌ في دَواخلِه، وأنّ الجماليةَ المنحُوتةَ في شكل فكرة، قد وصلت إلى المتلَقّي وهي رسالةٌ فنّيةٌ هادفة. ويعتزّ المُبدعُ بكونهِ هو قد أبدَع، ولا يَقبَلُ تنميطَ فكرِه ومشاعرِه وآلياتِه الذاتيةِ الابتِكارية. لا يَقبلُ أن يجعل من نفسِه آلةَ الفوطُوكوبي التي تَنقُلُ صُورًا لإنتاجاتِ غيرِه، والمرءُ المُتحرّرُ من الاستيلاءِ على المِلكيّة الفكرية والفنيّة والصناعية، لا يَسمحُ لنفسِه بحيازةِ ما لغيرِه، ولا بتحويلِ نفسِه إلى آليةٍ نَمَطِيّة فوطوكوبيّة يَستنسِخُ بها إبداعاتِ غيرِه، هذه عقليّةٌ قَطِيعيّةٌ لا تَجُوز في عالَمٍ عاقلٍ مُتخلّقٍ يتميّزُ بمُنافَسةِ حلباتِ السباق، لا بمحاولةِ الاستيلاءِ على حَلَبَةِ الغير. الفوزُ يكُون مُستَحَقّا عندما يلتزمُ بأخلاقياتِ السباق، ومن ثمةَ بالاحترام التام لحقوق الآخر. وفي "الأخلاقِ الإنتاجيّة" لا يَجُوزُ تغليبُ الغِشّ والعقليةِ التّنميطيّة، ولو على حسابِ ما يجبُ أن يكُونَ فيها: "أخلاقُ المُنافسَة". والأخلاقُ هي الأخرى من المفروضِ أن تتَشبّع بالأخلاق. وإنّ قوانينَ تُعارضُ الأخلاق، يتوَجّبُ تربيّةُ وتكوينُ الإنسانِ على أن يكُونَ إنسانًا، ولا تطوُّرَ يمكنُ أن ينجحَ في العالم، اللاّأخلاق تَستَمِدُّ قُوّتَها من تقاليدَ وعاداتٍ سلبيةٍ تُشكّلُ قُوّةً مُضادّة للتّطوّر. وإن خُرافاتٍ تطغَى على أيّ مُجتَمع، قد تتَحوّلُ إلى قُوةٍ لا تَقبلُ التّشكيكَ فيها، رغمَ ما قد يشُوبُها من قلّةِ الإثبات. ومهما كانت صلابةُ الإثبات، يجبُ التّأكّد من الطّريقة التي تُقدَّم بها الإثباتات، حتى وهي ليست تشويهًا وتحريضا وسبّا وقذفا. الطريقة من المفروضِ ألا تتَعارضَ مع احترامِ أخلاقياتِ التّخاطُب. وتبقى الحريةُ المُنبعِثةُ من أعماق الإنسان، مقياسًا لنُمُوّ ورُقِيّ المجتمع. يتأهّلُ المرءُ لاتّخاذِ أيّ قرار يراه مناسبًا، تسمحُ بإثراء النقاشِ العمومي، الحريةُ الحقيقيةُ لا تتَحوّلُ إلى جَبرٍ وضغط. وهي طريقٌ سالكةٌ إلى الإفادةِ والاستِفادة، وكلّ مواقعِ المسؤولية بحاجةٍ إلى نقدٍ بنّاء. النقدُ ضرورةٌ قُصوَى لتقويمِ مسؤولي القرار. ولا حريةَ بدون قُدرةٍ على تغييرٍ ذاتي.