اذا كانت الحياه الجديده التي عاشها المجتمع العربي في العصر العباسي الاول قد دفع الطائف زميل الشعراء نحو اليسار فرفعوا لواء الثورة على المجتمع وعبث بادابه وتقاليده عبثا شديدا ونشروا فيه شيئا من القلق الاجتماعي والاضطراب الخلقي فان ظروفا اهمها التراث الاسلامي والاداب والاسلاميه متمثله في القران الكريم والحديث النبوي الشريف مضاف اليه الاداب في الكتب السماويه السابقه القران ثم جهاد المتصوفه في البعض وعلماء الكلام من امثال الحسن البصري ووصل ابن عطاء ومالك بن دينار واخيرا تراث الفلسفي المتزن الوافد من بلاد الاغريق شمالا وفارس الهند شرقا كل اولئك قد اتى ثماره ناضجه من تلك الفتره فدفع طائفه من الشعراء نحو اليمين فاصلحوا ما افسده المفسدون بل تعجب حين تعرف ان اولئك الشعراء الذين ثاروا على المجتمع انفسهم احسنوا اليه من حيث لا يشعرون ويمكن ان نتبع تلك التيارات على النحو التالي النشاط الديني فالدين بطبيعته ضد الحركات الهدامه وهو دائما يقف بجانب العفو والتقاليد ما لم تحل حراما او تحرم حلالا ولذلك كانت مناوشات مستمره بين رجال الدين وبين تلك الطوائف الخارجه مع ان العلف السائره على المجتمع ومن ذلك ما كان بين بشار بن جهه والحسن البصري ومالك ابن دينار من جهه اخرى وقد سجل التاريخ الادب بعدما دار بين الفريقين من خصومه عابره حينا وطويله الامد احيانا فمن نماذج الاولى ما كان بين بشار من جهه والحسن البصري ومالك بن دينار من جهه اخرى ومن نماذجها ايضا ما كان بين ابي حنيفه محمد عجرد فقد تعرض الاول للثاني بالنصيحه والواظب والبسط لسانه فيه حين لم ينفع الوعض اما تلك التي طال عمدها فمن نماذجها ما كان بين المعتزله وبشار بن باد وكان اصطدامهم جزءا من سياستهم العامه التي قامت على التطبيق العملي لما يؤمنون به من امور نظريه وشملت تلك السياسه فيما شملت الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ويظهر ان بشار ابى ان يستسلم بل اخذ يدفع الضربات باعنف منها وقد كلفه ذلك كثيرا حين اضطر للخروج من البصره ولم يعد اليها الا بعد موت واصل هذه النماذج من الصدام المباشر بين ائمه المجنون والزنقه ورجال الدين هناك نوع اخر من التصادم لم يكن مباشرا ولكن اثاره على ايه حال لم تكن اقل من اثار تلك الحملات التي شنها المعتزله من الشعراء وحامل لواء تلك الحملات غير المباشره هو ابو العتاه هي الذي يقول عشقنا من اللدات كل محرم فاف علينا ما اغر و اجهل ولم تكن الحركه الاصلاحيه مختصره في على الشعراء اذ كانت المساجد بغداد عامره بالعباد والنساك واهل التقوى والصلاح وكان في كل ركن منها حلقه لواعظ يذكر بالله واليوم الاخر وما ينتظر الصالحين من النعيم والعاصي من العذاب والجحيم وكان من الوعظ من يقتحم قصر الخلافه ليعد الخلفاء على نحو ما هو معروف عن عمر بن عبيد في وعضه للمنصور وصالح بن عبد الجليل في بعضه للمهدي وابي السماكي في وعضه لهارون الرشيد وقد كثر قصاص الوعظ الذين كانوا يدفعون الناس الى العباده وارفض المتاع الدنيوي وسلوك السبيل الواضح الى نعيم الاخره كثره مفرطه وكان الى جانب القصاص الواعظ كثير من النساء يحيون حياه زهد خالصه كلها تبث وعباده وتقشف وانقباض عن الاستمتاع بالحياه وملذاتها وانصراف عن كل نعيم فيها انتظارا لما عند الله من النعيم الذي لا يزول امثال سفيان ابن عينية حيث كان يقول فكرك في رزق غد يكتب عليك خطيئه ان القارئ لنتائج هذه الفتره يرى تيارات مختلفه قد تلاقت لتكون مجموعه صالحه من الاداب والعادات والافكار انارت للناس سبيلهم وعصمتهم من التخبط والقلق والفوضى الخلقيه والاجتماعيه وهكذا كان قانون الحياه عاديا ومنصفا حيث ضرب رجالا برجال وشعرا بشعر وحفظ بذلك التوازن بين طبقات المجتمع المختلفه