النظرية النقدية أو مدرسة فرانكفورت تعد النظرية النقدية من أهم النظريات التي انتعشت في فترة مابعد الحداثة بألمانيا، وإن كانت هذه النظرية قد تبلورت في فترة مبكرة، وتجسدت في عدة ميادين ومجالات معرفية، سيقومون بإغنائها نظريا وتطبيقيا. فقد تحولت النظرية عند مارتن جاي (M. حيث تم التركيز على الفلسفة أكثر من التركيز على التاريخ والاقتصاد كما كان في السابق. فقد استهدفت النظرية النقدية تقويض الثقافة البورجوازية الرأسمالية الاستهلاكية. فهدف النظرية النقدية هي تغيير المجتمع على جميع المستويات والأصعدة، والمؤالفة بين النظرية والممارسة، والجمع بين المعرفة والغاية، والتوفيق بين العقل النظري والعقل العملي، فقد كانت النظرية النقدية بمثابة تجديد نقدي للنظريات الماركسية والراديكالية. ويمكن التمييز بين فترتين في النظرية النقدية أو مدرسة فرانكفورت: فترة الريادة من الثلاثينيات إلى أواخر السبعينيات، وقد احتفظت النظرية النقدية الجديدة لمابعد الحداثة باهتمامها الخاص بفلسفة العلوم الاجتماعية، 1- مفهوم النظرية النقدية: يقصد بالنظرية النقدية تلك النظرية التي كان ينطلق منها رواد مدرسة فرانكفورت في انتقادهم للواقعية الساذجة المباشرة، فالنظرية النقدية تعني نقد النظام الهيجلي، وتهدف هذه النظرية إلى إقامة نظرية اجتماعية متعددة المصادر والمنطلقات، كالاستعانة بالماركسية، والاعتماد على البحوث التجريبية. فالنظرية النقدية هي تجاوز للنظرية الكانطية، ونقد للمجتمع بطريقة سلبية إيجابية. بل هو فعل إيجابي في منظور مدرسة فرانكفورت. ويرتبط مفهوم" النظرية النقدية" بعنوان كتاب هوركايمر: "النظرية التقليدية والنظرية النقدية" (1937م)، وقد جمع فيه صاحبه مجمل التصورات التي عرف بها أصحاب مدرسة فرانكفورت سواء النظرية منها أوالتطبيقية، فالنظرية النقدية هي تجاوز للنظريات الوضعية التي كانت ترفض التأملية الانعكاسية منهجا في التعامل مع الموضوع المرصود. فقد استهدفت النظرية النقدية تنوير الإنسان الملتزم تنويرا ذهنيا وفكريا، فالنظرية النقدية عند هوركايمر هي: "ما تعبر عنه الاتجاهات الوضعية في نظريتها للنشاط البشري على أنه شيء أو موضوع خارجي داخل إطار من الحتمية الميكانيكية، على حين ترفض النظرية النقدية النظر إلى الوقائع الاجتماعية على أنها أشياء، وتحاول في المقابل أن تطرح فكرا لا يفصل بين النظرية والممارسة. ومعه فلاسفة فرانكفورت، الماركسية على أنها العلم النقدي للمجتمع. فمهمة الفلسفة هي متابعة العملية النقدية، فإن هذه المثل حل بها الفساد في ظل هيمنة البورجوازية التي أدت إلى تحلل حقيقي للعقل. بدت الحاجة إلى نظرية نقدية جدلية تستطيع أن تتعقل اغتراب العقل بالذات". 3] ونفهم من هذا أن النظرية النقدية ظهرت كرد فعل على المثالية الألمانية، ومن هنا، وبالتالي، والبحث عن تجليات الاغتراب الذاتي والمكاني سواء في النصوص والخطابات أو في واقع الممارسة. وتهدف النظرية النقدية حسب هوركايمر إلى تحقيق مهام ثلاث: "أولها، إلى تحقيق الانفصال عن المثالية الألمانية، والمهمة الثانية للنظرية النقدية عنده، أو أنها تعكس أي مبدأ إطلاقي خارج صيرورة الواقع. فهي التصدي لمختلف الأشكال اللامعقولة التي حاولت المصالح الطبقية السائدة أن تلبسها للعقل، 4] فالنظرية النقدية هي التي تحقق المصلحة الاجتماعية، وتراعي التطور الاجتماعي التاريخي في إطار المادية التاريخية، والتصدي للأشكال الشكلية والتيارات اللامعقولة التي تخدم الأنظمة الحاكمة. وفي هذا الصدد، دون أن تضيع الاختلاف مع قراءاتها الكلاسكية، وهو ما جعلها في تعارض مع الميتافيزيقا والوضعية". فالنظرية النقدية نظرية تتجاوز الوضعية، تولي أهمية كبيرة للذات في تفاعلها مع الموضوع، ويعني هذا أن الإنسان له دور كبير في صنع التاريخ،