وهذه هي بعض وجوه الإعجاز ) : ۱ - اتساق عباراته ومعانيه وشمول أحكامه وأغراضه : القرآن الكريم متكون من أكثر من ستة آلاف آية ( ٦٢٢٦ آية ) في موضوعات مختلفة اعتقادية وتشريعية وخلقية ، ويتضمن نظريات كثيرة كونية واجتماعية ووجدانية فلا نجد معنى يعارض معنى ، ولا حكماً يناقض أو يهدم حكماً مع نزول القرآن في ثلاث وعشرين سنة كذلك لا نجد في عباراته اختلافاً في مستوى البلاغة ولا تفاوتاً في فصاحة التعبير ، وإنما كل ما جاء فيه في ميزان واحد من الجزالة والمطابقة لمقتضى الحال قال تعالى : أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً 8 كثيراً ) وقد كان البليغ من العرب يجيد موضوعاً واحداً ، وإذا أجاده فإنما يجيد بيتاً أو بيتين أو أبياتاً معدودة . وكانوا يقولون : امرؤ القيس إذا ركب ، وزهير إذا رغب . ولا فصيح لهم إلا معدود كما تثبت لنا معلقاتهم المشهورة . وكانت أغراضهم ضيقة فلم يتكلموا في الملأ الأعلى ، ولا في تطهير النفس وتنعم الأرواح ، وإنما كانوا يقولون في وصف عين نجلاء أو غارة شعواء أو جفنة مشرعة . أما القرآن فموضوعاته شاملة وأحكامه كاملة وبيانه واف بكل الأغراض التشريعية ثم إن أسلوب القرآن يتفق مع مقتضى الأحوال ، وإذا كان الموضوع مقرراً لعقيدة أو مسفهاً لعبادة أو مذكراً بقدرة الإله أو مهدداً باليوم الآخر أو مخوفاً من العذاب ، فيكون الأسلوب الخطابي المؤثر الذي يهز النفوس ، ويطلق التفكير . ۲ - انطباق آي القرآن على ما يكشفه العلم اليقيني : أشار القرآن إلى تقرير بعض النظريات العلمية في معرض الحديث عن خلق السموات والأرض ، وخلق الإنسان وحركات الكواكب ونظامها للاستدلال على وجود الله ووحدانيته وتذكير الناس بآلائه ونعمه ، فيفهم من الآيات تقرير سنة كونية ونواميس طبيعية ، ومصداق ذلك قوله تعالى : قل أرأيتم إن كان من عند غير الله الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد ، سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد . ولكن في ثنايا الآية ما قد يدل على ما ذكر ، مثل قوله تعالى في آيات منها : وأرسلنا الرياح لواقح ) لتلقيح أشجار الثمار ، أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي الدالة على نظرية السديم ، وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء ) الدالة على دوران الأرض ، أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها الدالة على كون الأرض بيضاوية ويكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل - الدالة على كروية الأرض ؛ لأن التكوير هو اللف على الجسم المستدير . ففي هذه الآيات إشارات إلى معان تتفق مع الاكتشافات الحديثة التي لم يكن يعلمها أحد من المسلمين . كل ذلك مع صلاحية الآية للتفسير عند ظهور خطأ نظرية وتصويب أخرى دون تكلف ولا بعد ۳ - إخباره بوقائع لا يعلمها إلا علام الغيوب : أخبر القرآن عن وقوع حوادث في المستقبل لا علم لأحد من الناس بها مثل قوله تعالى : آلم . غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) وقوله سبحانه : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) الآية . وفي القرآن قصص أمم بائدة ليست لها آثار ولا معالم تدل على أخبارها ، مما يدل على أن القرآن من عند الله تعالى . قال سبحانه : وتلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا . . وقال عز وجل : وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ، ولكن رحمة من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ) . - فصاحة الألفاظ وبلاغة التعبير وقوة التأثير : ليس في القرآن لفظ ينبو عن وعباراته في أعلى مستوى بلاغي ، ويتجلى هذا لمن له ذوق عربي في تشبيهـاتـه السمع أو يتنافر مع ما قبله أو ما بعده وأمثاله وحججه ومجادلاته في إثبات العقائد الصحيحة وإفحامه للمبطلين في كل معنى عبر عنه ، وإنك لتجد اللفظ في القرآن مسوقاً في آية ، فتجد فيه الاتساق والانسجام ، وهذا اللفظ بعينه يجيء في كلام البشرا ، فترى فيه النبو والضعف ؛ والثاني من وضع البشر الذي لا تواتيه القدرة على إحكام التعبير . ومن أراد التوسع في ذلك فليرجع إلى كتاب الكشاف للزمخشري ، ودلائل الإعجاز وأسرار البلاغة للجرجاني . وهناك بعض وجوه الإعجاز الأخرى ، ومثل شمول تشريعه وسموه الذي سيبحث في مبحث أحكام القرآن الآتي بيانه هذا . وقد هم بعض العرب الذين أضلهم الله بمعارضة القرآن فارتدوا على أعقابهم خاسرين ، ولم يأتوا بمعارضة تستحق الذكر ، إذ أن كلامهم في ذلك سخيف مضطرب مبتذل المعنى ، وإنما ليغرر به السذج والأتباع ، مثل مسيلمة الكذاب وعيهلة بن كعب وطليحة الأسدي . وحسبنا دليلاً على ذلك قول الوليد بن المغيرة ألد أعداء الرسول الله : « إن له الحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق ، وأما قوة تأثير القرآن على القلوب وسلطانه الروحي على النفوس فلا ينكره كل منصف ، ولا يمل سماعه كل عاقل ولا يسعه إلا أن يشهد بأنه كلام الله القديم الذي لا تبلى جدته ، فهو كما وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام : « حبل الله المتين ، عصمة لمن تمسك به ، ولا يخلق على كثرة الرد ) وقال ابن مسعود : « إذا أردتم العلم فأثيروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين. ٢-- الأحكام الجنائية : وهي التي تتعلق بما يصدر من المكلف من جرائم وما يستحقه عليها من عقوبة ، ويقصد بها حفظ حياة الناس وأموالهم وأعراضهم وحقوقهم وتحديد علاقة المجني عليه بالجاني وبالأمة . ٤ - أحكام المرافعات والإجراءات المدنية أو الجنائية : وهي التي تتعلق بالقضاء والشهادة واليمين ، ويقصد بها تنظيم الإجراءات لإقامة ميزان العدالة بين الناس ه ـ الأحكام الدستورية : وهي التي تتعلق بنظام الحكم وأصوله ، ويقصد بها تحديد علاقة الحاكم بالمحكوم ، وتقرير ما للأفراد والجماعات من حقوق ٦ - الأحكام الدولية : وهي التي تتعلق بمعاملة الدولة الإسلامية مع غيرهـا من الدول ، وهي القانون الدولي العام ، وبمعاملة غير المسلمين المواطنين في الدولة الإسلامية وهي القانون الدولي الخاص ويقصد بهذه الأحكام تحديد علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول في السلم والحرب ، وتحـديـد عـلاقـة المسلمين بغيرهم في بلاد الدولة الإسلامية (1) V - الأحكام الاقتصادية والمالية : وهي التي تتعلق بحقوق الأفراد المالية والتزاماتهم في نظام المال وحقوق الدولة وواجباتها وتنظيم موارد الخزينة ونفقاتها . ويقصد بها تنظيم العلاقات المالية بين الأغنياء والفقراء وبين الدولة والأفراد وهذه تشمل أموال الدولة العامة والخاصة كالغنائم والأنفال والعشور والخراج ومعادن الأرض وموارد الطبيعة ، وأموال الأسرة كالنفقات والمواريث والوصايا ، وأموال الأفراد كأرباح التجارة والإجارة والشركات وكل مرافق الاستغلال والإنتاج والعقوبات المالية كالكفارات والديات والفدية وبيان القرآن لهذه الأحكام : إما تفصيلي يعرض لأكثر الجزئيات كما في العبادات والأحوال الشخصية والمواريث ، والحكمة في ذلك أنها تتضمن معنى التعبد ، فلا تقبل التعديل ولا التطور بتطور أحوال الناس وإما بيان عام يعرض القواعد العامة والمبادىء الأساسية مع التعرض أحياناً لبعض الجزئيات . والحكمة في ذلك أن يترك أمر التفصيل لعلماء الأمة ليقرروا ما يتناسب مع تحقيق المصالح والحاجات وما تمليه ضرورة التطورات ومراعاة البيئات في كل عصر ومصر . وبهذا يتحقق خلود الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان . والأمثلة أن الله سبحانه وتعالى وضع قاعدة عامة في الأحكام المدنية وهي قوله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم البيع وحرم الربا وأباح بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) وأحل الرهن وترك بعدئذ تفصيل الأحكام للمجتهدين حسب حسـ المصالح وفي الأحكام الدستورية : وضع الله سبحانه وتعالى أساس الحكم الإسلامي بقوله : وشاورهم في الأمر ) ، وأمرهم شورى بينهم ) . وفي الأحكام الدولية : بين الحق عز وجل أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم. بقوله : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ،