الشَّمسُ أَرْحَتْ أَشِعْتَهَا الحَمْراءَ، وَأَعْطَتِ الْأُفُقَ البَعِيدَ لَوْنًا بُرتُقاليًّا، وَالأمْواجُ الصغيرة تُداعِبُ جانبي البَتِّيلِ، وَجَمِيعُ البَحْارَةِ مُتَّكَرُونَ فِي أَوْضاع مُخْتَلِفَةٍ. في تِلْكَ اللَّحْظَةِ كُنْتُ أَتَّخِذُ مِنَ الصَّارِي مَسْندًا لِحِسْمِي بَعْدَ عَمَلِ طَوِيلِ: تَجْمِيعُ الحبالِ، تَنْظِيفُ السّطْحِ، تَصْفية باطِنِ البَرِّيلِ مِنَ المياه. العَمَلُ يَجري وَسَطَ صِياح التوحذَةِ الَّذي يُصِمُ الآذان : تحرّكوا بِسُرعةٍ تحرّكوا لانرى الراحة إلا في هذه الساعات التي يقلُّ فيها العَمَلُ، نَظَرْتُ إِلى الشَّراعِ، وَقَدِ احْتَضَنَ الرِّيحَ التي تَدْفَعُ بِالبَيلِ اتجاه الشمال. الحمولَةُ خَشَبٌ وحَوْزُ الهِنْدِ. الطقس رائع يزداد جمالًا بين حين وآخر. أَسْرابٌ مِنَ الطيور في استعراض بديع مُتَّحِهَةٌ إلى الجنوب. الأولاد. الديارُ الَّتِي رَحَلْتُ عَنْهَا مُنْذُ ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ، زوْجَتِي سَتَفْرَحُ، وَالصَّغَارُ سَيَفْرحونَ بالهدايا التي أَحْضَرْتُها مِن أَفْرِيقيا. أنْتَ . نهَضْتُ بِفَزَع بالغ. ! لا أدري ماذا أقولُ بالتَّأْكِيدِ سَنَصِلُ وَلَنْ تُؤَثَّرَ عَلينا العاصِفَةُ. أخَذْنا الاستعداد الكافي. جهزنا الشراعَ الصَّغِيرَ. تَفَحْصْنَا الدَّفَّةَ وَمَدَى قُوَّتِها . جَهَزْنَا البضائع الثَّقِيلَةَ الَّتِي يُمْكِنُ رَمْيُها للحفاظ على توازن البيل. أَحْضَرْنا المراسي الثَّقِيلَة مَعَ الحِبال. ساعَتَانِ مِنَ العَمَلِ العَنيف. والعُيونُ تُراقِبُ الأُفق البعيد. أقْبَلَ الليْلُ . بَدأَ الظَّلامُ يُغَطَّى المُحيط مِنْ حَوْلِنا . عَلَيْكُمُ الحَذَرَ والاستعداد لكثرة الجبال فى هَذهِ الأَماكن، الصَّمْتُ المُميتُ. سِلْسِلَةُ الأَحلام التي في ذِهْنِ كُلِّ مِنَّا اضْمَحَلَّتْ واخْتَفَتْ دَرَجَةُ الأَمَل قَلْت لَمْ يَعُدْ إِلَّا اليَأْسُ العُيونُ تُراقِبُ. الآذانُ تَرْصُدُ. ريح عاتية اقْتَلَعَتِ الأَقْمَشَةَ المُثْبَتَةَ في المُؤخّرة والمُسْتَخْدَمَةَ للظَّلالِ. تَطايَرَ عَددٌ كبيرٌ مِنَ الأَحْشابِ المَوجودَةِ عَلَى سَطْحِ المَرْكَبِ. وَمِياهُ الأَمواجِ تُغَطِّيهِ عَرْضًا وَطُولًا وَتَكَادُ تُغْرِقُهُ الصّباحُ يتعالى لِبدْلِ أَقْصى ما يُمكنُ مِنَ الجُهْدِ. أُنزِلَ الشراع الكبير. كُلَّنا يَعْمَلُ، والواقع يفْرِضُ عَلينا ذلِكَ. لَمْ نُعِرْهُ اهتمامًا نَتَأَلَّمُ . سَيْطَرَ الفَزَعُ السَّواعِدُ الضَّعِيفَةُ هَدَأَتِ الأمْواجُ الثَّائِرَةُ السَّاعَةُ تُشيرُ إلى مُنْتَصفِ اللَّيْلِ، أَنْبَعَثَتْ فينا روح الأَمَلِ. تَجَمَعْنا، تَجَمّعنا عِنْدَ التّوحذَةِ نُهَنتُهُ بِالسَّلامَةِ. خَرَجَ مِنْ غُرْفَةِ القيادة. نادى بإحضار المصباح. تَقَدَّمَ بِتَفَحُصِ البضاعَةِ. وَصَلْنَا وَهُو فِي حَالَةِ غَضَبٍ شَدِيدَةٍ قائلًا: مَن الَّذِي تَصَرَّفَ بحَماقَةٍ وَفَعَلَ ذَلِكَ؟ سَينالُ جَزَاءَهُ. شَعَرْتُ أَنَّ الْأَمْرَ يَعْنِي مَزِيدًا مِنَ الديون. وَبَلَغَ بِيَ الغَضَبُ حَدًّا كِدْتُ مَعَهُ أُحَطَّمُ . رَأْسَهُ . ضَغَطْتُ عَلى أَعْصابي نِهَايَتِي أَعْرِفُها . ولكن كُلُّ شَيْءٍ هَيِّنٌ في سَبيل أُولئِكَ الذين يرتقبون وصولي بعُيونِ الأَمَلِ. تَقَدَّمَ وَبِيدِهِ المِصْباحُ مشيرًا إليَّ : أَنتَ سَتَدفَعُ الثَّمَنَ، ظهيرة اليوم الأخير . اقْتَرَبَ البَتِّيلُ مِنَ الشَّاطِئ . شيوخ. نساء. تَجْمِيعُ حبال المراسي. أَنْزَلْنَا قَارِبَ النَّقْلِ. يَشُدُّني. الشَّوقُ يَدْفَعُنِي، وَضَعْتُ رِحْلِي عَلى الشَّاطِئِ، قَبْلَتُ أَوْلادِي، وكلمات النوخذة الحادة، لحظات الصمت الحاد مَعَ المَوْتِ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِم بِحُزْنٍ لَمْ يَشْعُرُوا بِهِ، قَرارُ النُّوخِذَةِ، مرت خمسة أيَّامٍ كَانَ الأَطْفَالُ وأُمُّهُم فِي سُرُورٍ عَظِيمٍ اجْتَمَعْنا على طَعَامِ العَشَاءِ: قرص مِنَ البيض، ولكِنْ مُنْذُ أيامٍ حِفْتُ مِنْ أفريقيا. أَوْ ؟! أرجوك ، الأَلَمُ يَعْصِرُ قَلْبِي ، بَلَعْتُ ريقي بِحُرْقَةٍ، وسادَ الصَّمْتُ، أرجوك لا تَرْحَلْ، أَسْتَحْلِفُكَ هَؤلاءِ الأَطْفَالُ. لَا عَلَيْكِ مِنْ إِنذاراتِهِ. ووسط بكاء بالغ وضَعَتْ وَحْبَةَ العَشاء في حقيبةِ السَّفَرِ ،