يشكل كتاب البخلاء للجاحظ، ومسرحية البخيل لموليير ظاهرتين من ظواهر الفكر العربي في المجتمع العباسي، والفكر الغربي في المجتمع الفرنسي. حيث تعكسان لنا أنماط الحياة في كلا المجتمعين، بعد أن ابتعدت عنها تلك السهولة التي كانت تطبعها وتميزها. ولقد لعب العامل الاقتصادي الدور الأهم في ذلك التغيير، بعد أن غدت العراق مركزاً للتجارة وللحياة الاقتصادية النابضة من الهند والصين شرقاً، الأمر الذي جنب الأضواء، وحوّل الأذهان عن التفكير في جميع القيم باتجاه القيمة المادية التي طغت على ما سواها. ونفقات الحروب الطويلة، فاستقل ذوو الأقلام بعلاج هذه المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حتى غدت حركتهم حركة تمهيد للثورة الفرنسية"(22). وبطبيعة الحال، فقد قاد هذا الوضع الاقتصادي إلى خلخلة في المجتمع العربي، وكذلك في المجتمع الفرنسي الأمر الذي أدى إلى انشطار كل من المجتمعين ليفرز فئة كادحة تعيش في ضائقة خانقة، وكان الحال أسوأ في المجتمع الفرنسي الذي دخله الغرور بفعل كثير من التأثيرات، مما أدى إلى تمزق أصاب التركيب الاجتماعي فيه وقسمه إلى طبقات متناحرة. هذه الأوضاع في كلا المجتمعين، ساقت إلى حالة خلقية متزعزعة قادت إلى الشك والريبة في كل القيم،