يُقال أنه في قديم الزمان كان هناك شيخ من مشايخ القبائل رزقه الله بأربعة أبناء جميعهم ذكور ، و حين شعر الشيخ أن أجله قريب أمر خادماً من خدمه أن يأتي بأربع صناديق و لها أقفال ، و من دون أن يراه أحد قام الشيخ بوضع الأشياء بداخل الصناديق ثم كتب أسم كل واحد من أبناءه على كل صندوق ، و بعد أن انتهى جمع أبناءه اليه و ابتدأ حديثه قائلاً : و قد قسمت بينكم بالعدل ، فإذا توفّاني الله فلتفتحوه و ليستقبل كلاً منكم ما قسمته له بالرضى ، فإن حصل بينكم اختلاف فعليكم الرجوع إلى الحاكم الفلاني – و ذكر لهم رجل من قضاة العرف و هو مشهور بحكمته – وأسأل الله لكم الهداية والسداد ، فأجتمع الأخوة الأربعة وقال أكبرهم : هلمّ بنا نفتح الصناديق المقفلة و لنرضى جميعنا بما قسمه لنا من النصيب . فحين فتحوها وجد كبيرهم في صندوقه ” السيف وخاتم الرئاسة والراية ” ، أما أخوه الثاني فكان من نصيبه ” الرمل والحجارة ” ، أما الثالث فكان له ” العظام” ، أما الرابع وهو أصغرهم فقد وجد “الذهب والفضة”. فطمع الأخوة الثلاثة في نصيب أصغرهم و اختلفوا فيما بينهم ، لكنهم تذكروا ما أوصاهم به والدهم ، و هو الرجوع إلى الحاكم المنشود ليحكم بينهم ، و بعد أن قطعوا ربع المسافة فإذا بثعبان صغير الحجم يعترض طريقهم فجأة ، ففتح الثعبان فمه و من شدة هيجانه كاد يسد الطريق عليهم ، فما كان من الأربعة سوى الهرب من الثعبان وقد أنجاهم الله منه ، أكملوا طريقهم و قطعوا ربعاً أخر من المسافة ، فإذا بهم يصادفون جملاً يعيش على أرض قاحلة ، و بعد مسافة قصيرة رأوا جملاً أخر يقبع في روضة خضراء تسر الناظرين ، فاستنكروا أمره ! و حين أقترب الإخوة الأربعة من الوصول شاهدوا طيراً يحلق حول السدرتين ، فإذا وقف على واحدة منها أخضرت فتيبس الأخرى ، وإذا تحول إلى السدرة اليابسة تصبح خضراء فتيبس الأخرى ، فامتلأت وجوههم بالدهشة وأكملوا طريقهم و هم من أمره حائرون !. وأخيراً وصلوا إلى القرية المنشودة والتي يقيم بها القاضي ، فسألوا عن مكان بيته ؟ فدلّوهم عليه ، فسألوه : إن كان القاضي موجود ؟ إنه أخي الأكبر ، فأشار بسبابته نحو البيت المجاور ، فتركوه و توجهوا نحو القاضي مندهشون ، و كانوا في داخلهم يتساءلون : كيف سيقضي بيننا وهو شيخُ كبير و فان ، فإذا كان هذا حال أخوه فكيف به هو ، ولكن أثناء سفرنا صادفنا على الطريق أربعة أشياء جعلتنا مندهشين حائرين. فقال الأكبر : في بداية سفرنا أعترض طريقنا ثعبان صغير ، أجاب القاضي : إن الجمل السمين يمثل الرجل الذي يرضى ويقتنع بما أعطاه الله ، فينتفع بما عنده فيجد راحته في دنياه . قال أحدهم : وجدنا طائراً يحلق حول سدرتان ، فأجاب : نعم يا أبنائي ، و هكذا هو الحال معه. فقال أحدهم : والأمر الرابع هو أننا حين وصلنا إلى القرية و سألنا عنك ، فدلنا على بيتك و حين أتيناك دُهشنا بحالك ! فقد أمدك الله بالعافية والصحة ، أجاب القاضي : إن السبب في حالة أخي و ضعفه هو وجود زوجة ذات لسان سليط و بذيء ، أما أنا فالحمد لله ، و قد رُزقت بزوجة صالحة ذات خُلق ودين ، فدخلت عليكم وأنا بكامل نشاطي و بالي مرتاح ، قال أحدهم : بقي الأمر الخامس وهي حاجتنا ، فنحن أبناء شيخ قبيلتنا – و ذكروا له أسم القبيلة – قبل أن يُسلم أبي روحه إلى الباري أعطى لكل واحد منا نصيبه من المال و وضعها في صناديق ذات أقفال و لا يجب فتحها إلا بعد موته ، و حين وافته المنيّة فتحناها و قد كُتب على كل صندوق أسم كل واحد منا . و في الثالث وجدنا العظام ، أما في الرابع فكان الذهب والفضة ، فحصل بيننا اختلاف وأوصانا أبي بالرجوع إليك لتحكم بيننا بما قدّر الله لك أن تراه مناسب ، فها نحن أمامك موجودون و نسأل الله لك التوفيق في العدل والإنصاف ، ونحن جاهزون وسنرضى بما ستحكمه بينما بإذن الله . فأجاب القاضي : والدكم كان رجلاً حكيماً و قد أعطى لكل واحد منكم ما هو جديرٌ به و أهلٌ له ، فمن كان له السيف والخاتم والراية فهو شيخ القبيلة من بعد والده ، وإليه مرجعكم في كل ما يتعلق بكم من شؤون حياتكم وعليكم السمع والطاعة لأوامره ، و من كان له العظام فإنه المسؤول عن رعية المواشي من بقر وغنم وإبل وخيل ، أما من كان من نصيبه الذهب والفضة فهو الحلقة الأضعف بينكم ، فلا تنسوه حين ينفذ ما بين يديه من المال ،