ينتسب الأعشى إلى قبيلة بكر بن وائل الكبيرة التي كانت تمتد فروعها وبطونها في شرقي الجزيرة من وادى الفرات إلى اليمامة . ومن أهم هذه الفروع والبطون شيبان ويشكر وجشم وعجل، ثم حنيفة وقيس بن ثعلبة وكانتا تنزلان في اليمامة، وتتشعب قيس شعباً أهمها مالك بن ضبيعة ومن عشائرهم بنو عبدان وبنوكعب، وربيعة ابن ضبيعة ومن بيوتاتهم بنو جحدر ، وسعد بن ضبيعة وإليهم ينتمى الأعشى . و تاريخ عشيرة بني سعد بن ضبيعة في العصر الجاهلي يندمج في تاريخ قبيلتها الكبيرة، فقد وقفت معها في حروب البسوس التي ظلت أربعين عاماً ، كما وقفت معها في يوم الكلاب ، ودخلت معها بعد هذا اليوم فيما دخلت فيه من الولاء للمناذرة وطالما نصرتهم في حروبهم مع الغساسنة . ولما طلب كسرى أبرويز النعمان بن المنذر احتمى هو وأسرته ببني شيبان إحدى قبائل بكر وخلف عند سيدهم هاني بن قبيصة الشيباني أولاده وسلاحه الذى يقال إنه بلغ نحو ألف درع . وقتل كسرى النعمان كما مر في غير هذا الموضع وولى على الحيرة إياس بن قبيصة الطائي ، فثارت شیبان وقبائل بكر ضده وأخذت جموعهما تغير على سواد العراق ، فاضطر كسرى أن ينازلها ، ودارت على جيوشه الدوائر في يوم ذي قار المشهور الذي انتصر فيه العرب على الفرس ، وقد اختلف المؤرخون في توقيت تاريخه (۱) . ولم تشترك قيس بن ثعلبة في هذه الحروب وحدها ، فقد أسهمت مع بني حنيفةلها شاعر مذكور في الجاهلية (1) إذا قيس كثيرة الشعر والشعراء ، وقد يكون ذلك بسبب بداوة قيس وكثرة الحروب التى عانتها ، يقول ابن سلام : ( وبالطائف شعر وليس بالكثير ، وإنما كان يكثر الشعر بالحروب التي تكون بين الأحياء . والذي قلل شعر قريش أنه لم يكن بينهم نائرة ولم يحاربوا ، وذلك الذي قتل شعر عمان (۲)) ونقول أيضاً إنه الذي قلل شعر حنيفة في اليمامة . وفي أثناء ذلك ينشد لها شعراؤها القصائد والأناشيد المخمسة ، فما الشعر فيها وازدهر ، وقد اشتهر فيها غير شاعر من مثل المرقش الأكبر والمرقش الأصغر والمتلمس وابن أخته طرقة والمسيب بن عكس ، وقد أنشدنا في غير هذا الموضع قطعة طرفة في المعلقة التي يصور فيها فتوته وأنه ينفق حياته في الكرم والحرب والنساء والخمر. ونجد هذه الروح في شعر المرقشين ، كما نجد عندهما غزلا خفيفاً رقيقاً ،حياتهعاش الأعشى في أواخر العصر الجاهلي ، وليس بين أيدينا شيء واضح عن نشأته ، فمات فيه جوعاً ، وكانا بتهاجيان :أبوك قتيل الجوع قيس بن جَنْدَلٍوهي أخت المسيب بن عكس،واسم الأعشى ميمون ، وإنما سمى الأعشى لضعف بصره ، ومن أجل ذلك كان يكنى بأبي بصير (۱) . وإذا كنا لا نعرف شيئاً واضحاً عن نشأته فإنه يتيين لنا من أخباره ومن اسمه ( صناجة (۲) العرب ) أنه انتقل بالشعر الجاهلي نقلة ، ويبالغون في ذلك حتى يجعلوا كسرىيستمع لبعض غنائه فيه (٣) ! !وتدل أخباره وأشعاره على أنه كان كثير التنقل والأسفار البعيدة في أنحاء الجزيرة يمدح سادتها وأشرافها ، وفى ديوانه مديح للأسود بن المنذر وأخيه النعمان وإياس بن قبيصة الطائى والى الحيرة من بعده ، ويظهر أنه كان يقيم بها كثيراً . وفيه أيضاً مديح لقيس بن معد يكرب الكندى ولسلامة ذي فائش أحد أمراء اليمن ولبنى عبد المدان بن الديان سادة نجران والهوذة بن على سيد بني حنيفة . وكان يفد على سوق عكاظ ، ويمدح من يمر به في طريقه إليها من شيوخ العرب وأشرافهم (4) . فيقول (٥) :عُمانَ فَحِمْصَ فَأُورِيشَلِمْ وأرض النبيط وأرض العجموقد طُفْتُ للمال آفاقه أتيتُ النجاشي في أرضه فخشيعلى نفسه وعلى هداياه ، فقال له قد أجرتك ، فقال له الأعشى من الجن والإنس ؟ قال : نعم ، فقال : لا . وتنافرا منافرة حادة، اشترك فيها كثير من الشعراء فكان ہے علقمة مروان بن سراقة والحطيئة ومع عامر لبيد الشاعر المشهور ولما لم ينجر علقمة الأعشى من الموت أتى عامر بن الطفيل فقال له : أجرني قال : قد أجرتك ، قال : من الجن والإنس ؟ قال : نعم . قال : ومن الموت قال : نعم . قال : وكيف تجيرنى من الموت ؟ قال : إن مت وأنت في جوارى بعثت إلى أهلك الدية ،عامراً وهجا علقمة (1)والأعشى في شعره لا يعيش لمديح السادة والأشراف وأخذ نوالهم فحسب ، بل هو يعيش أيضاً لقبيلته ومنازعاتها الكثيرة مع بكر ضد الفرس ، وهو يعيش كذلك في منازعات قبيلته مع بني شيبان ، فيتعرض بالوعيد والتهديد ليزيد بن مسهر الشيباني ، على نحو ما تصور ذلك معلقته . فإذا حدثت منازعات صغرى بين عشيرته وأبناء عمومتهم من عشائر قيس بن ثعلبة ناصرها ذاكراً ما بينهم وبينها من أواصر الرحم ، على نحو ما نرى فى قصائده التي وجهها إلى بني جحدر وبني عبدان . وقد اصطدم عند الأخيرين بشاعرهم جهنام ، فتهاجيا طويلا . ويقال إنه لما سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم وانتصاراته وانتشار دعوته رغب في الوفود عليه ومديحه، وعلمت قريش بذلك فتعرضت له تمنعه، وكان مما قاله له أبو سفيان بن حرب : إنه ينهاك عن خلال ويحرمها عليك، وكلها باك رافق ولك موافق ، فعدل عن وجهته ، فأخذها وانطلق إلى بلده معرضاً عن الرسول ودعوته ، فلما كان بقاع منفوحة رمى به بعيره، وفى شعره نفسه ما يصور معالم هذه الوثنية ، إذ نراه كثير الحديث عن القيان مثل هريرة وقتيلة وجبيرة، بل إنه ليتحدث عن البغايا اللاتي يبعن أعراضهن (۱) ، ويقرنه ابن سلام في هذا الصدد بامرئ القيس فيقول : ( وكان من الشعراء من يتأله فى جاهليته ويتعفف في شعره ولا يستبهر بالفواحش . ومنهم من كان يتعهر ولا يبقى على نفسه ولا يتستر ، وقد تمدح في شعره كثيراً بالقمار كقوله مفتخراً بعشيرته (۳) :من شباب تراهم غير ميل وكهولاً مراجعاً أحلاما (4)ولقد تُصْلَقُ القِدَاحُ على الذ يب إذا كان يَسْرُهُنَّ غراما (٥)فهم يضربون قداح الميسر على النوق الضخمة التي يتأبى غيرهم أن يضربها عليها اعتزازاً بها . أما الخمر فهو أكبر شاعر تغنى بها في الجاهلية