أدب الرحلات هو النثر الأدبي الذي يتخذ من الرحلة موضوعاً، أو بمعنى آخر: الرحلة عندما تكتب في شكل أدبي نثري متميز، ومن خلال تصور بناء فني له ملامحه وسماته الفنية المستقلة. إذا كان المستشرقون الروس يرجعون هذا اللون من الكتابة إلى القرن العاشر الميلادي، فإن المكتبة العربية تؤكد أنه ظل ممتداً ومستمراً حتى وقتنا الراهن، واللغة التي يكتب بها، على أن يدونوا رحلاتهم ومشاهداتهم وما يلاحظونه في تنقلاتهم هنا وهناك، كل ذلك قد يسر الانتقال من أقصى الأرض، أضف إلى ذلك أنهم يستعينون في كتابتهم لرحلاتهم بالصور والمعلومات والوثائق، وهي بالتأكيد كتابات تختلف كثيراً عن تلك الكتابات التي تركها لنا أعلام الأدب ورواده. إن الذي يقرأ كتابات أستاذنا الدكتور حسين فوزي التي تدور حول الرحلة، والرحالة أحمد محمد حسنين باشا (في صحراء ليبيا). والرحالة الأديب أمين الريحاني (المغرب الأقصى). والقاص خيري شلبي (فلاح مصري في بلاد الفرنجة). ثم عرض الرحلة من خلال نصوص من كتب الرحلة ذاتها. إن دراسة أدب الرحلات تستلزم منا البحث في كل رحلة على حدة، وملامحه الذاتية التي تميزه عن غيره من فنون الأدب الأخرى التي قد تشترك معه في بعض الخصائص والسمات، فنحن عندما نتعامل مع هذا الأدب باعتباره شكلاً فنياً خاصاً، خير ألف مرة من التعامل معه باعتباره تسجيلاً جغرافياً، وهذا يتيح لنا فرصة استكناه أو سبر غور كل عمل، وجلاء ما يتميز به، كما يسمح بالمقارنة بين الأعمال المختلفة، بل إنه يكشف عن الاتجاهات المتباينة لأدب الرحلات وفقاً لما تتضمنه كل رحلة، فهناك رحلات ذات اتجاه ديني، ورابعة كتبت بقصد تدوين الرحلة في حد ذاتها . كما قال بذلك البحاثة الروس، وبالطبع هذا يتأتى من قبل كل من يتعرض للكتابة عن أدب الرحلات. يبدأ في تحديد رؤية الكاتب الرحالة، والأماكن التاريخية فيصفها وصفاً مطولاً ويستطرد في ذكر كل ما يتصل بها من تواريخ وأعلام ووقائع، وتأثير العوامل الطبيعية فيها؟ وهناك من الرحالة من كان يستهدف الاتصال بالسلطان أو الحاكم فيشغل به عمن عاداه، وهناك من كان يحرص على لقاء العلماء والأدباء وأهل الفكر والرأي في البلدان التي يمر بها في رحلته، وكان هذا يستغرق كل وقته فيعطيه مساحة أكبر داخل نص الرحلة. نظرته إليهم، ومعرفة وسائل معيشتهم، وما شابه ذلك. إذ ربما تكون الحقيقة جانباً هامشياً، وتترك الخيال كي يؤدي أهم الأدوار. فصاحب الرحلة، إذ كان يمليها أحياناً، أو يرويها لمن يقوم بإملائها أحياناً، وفي الحالين هناك كاتب للرحلة ليس هو صاحبها بطبيعة الحال، وكلنا يعلم أن السلطان أبا عنان سلطان فاس بالمغرب العربي وفر للرحالة ابن بطوطة محرراً أدبياً من كتاب ديوانه هو (ابن جزي) ليقوم بتدوين رحلة ابن بطوطة. واستخلاص خصائص أسلوبه إن كانت له بصمات واضحة، وذلك لتحديد سمات أسلوب صاحب الرحلة الأصلي، ولن يتأتى هذا إلا بدراسة نقدية لكتابات كل منهما في ميادين أخرى. وأخيراً وليس آخراً يأتي البناء الفني للرحلة أو ما نسميه معمارها الأدبي، فلكل رحلة بداية ونهاية،