حيث تتجلى دقة التقدير، بما يملأ القلب روعة ودهشة، وما في طياتها من حقائق بعيدة الآماد عميقة الأغوار. إن الشمس ليست هي أكبر ما في السماء من أجرام. فهنالك في هذا الفضاء الذي لا يعرف البشر له حدودا، منها الكثير أكبر من الشمس وأشد حرارة وضوءا. فالشعرى اليمانية أثقل من الشمس [ ص: 3448 ] بعشرين مرة، ونورها يعادل خمسين ضعف نور الشمس. والسماك الرامح حجمه ثمانون ضعف حجم الشمس ونوره ثمانية آلاف ضعف. وسهيل أقوى من الشمس بألفين وخمسمائة مرة . ولكن الشمس هي أهم نجم بالنسبة لنا نحن - سكان الكوكب الأرضي الصغير - ، الذي يعيش هو وسكانه جميعا على ضوء الشمس وحرارتها وجاذبيتها. وكذلك القمر وهو تابع صغير للأرض. وهو العامل الأهم في حركة الجزر والمد في البحار. وكذلك حجم القمر وبعده ودورته. كلها محسوبة حسابا كامل الدقة بالقياس إلى آثارهما في حياة الأرض. وبالقياس إلى وضعهما في الفضاء مع النجوم والكواكب الأخرى. ونتناول طرفا من الحساب الدقيق في علاقتهما بكوكبنا الأرضي وما عليه من حياة وأحياء. إن الشمس تبعد عن الأرض باثنين وتسعين ونصف مليون من الأميال. ولو كانت أقرب إلينا من هذا لاحترقت الأرض أو انصهرت أو استحالت بخارا يتصاعد في الفضاء! ولو كانت أبعد منا لأصاب التجمد والموت ما على الأرض من حياة! والذي يصل إلينا من حرارة الشمس لا يتجاوز جزءا من مليوني جزء من حرارتها. وهذا القدر الضئيل هو الذي يلائم حياتنا. ولو كانت الشعرى بضخامتها وإشعاعها هي التي في مكان الشمس منا لتبخرت الكرة الأرضية، وذهبت بددا! وكذلك القمر في حجمه وبعده عن الأرض. فلو كان أكبر من هذا لكان المد الذي يحدثه في بحار الأرض كافيا لغمرها بطوفان يعم كل ما عليها. وكذلك لو كان أقرب مما وضعه الله بحسابه الذي لا يخطئ مقدار شعرة! وجاذبية الشمس وجاذبية القمر للأرض لهما حسابهما في توازن وضعها، وضبط خطاها في هذا الفضاء الشاسع الرهيب، الذي تجري فيه مجموعتنا الشمسية كلها بسرعة عشرين ألف ميل في الساعة في اتجاه واحد نحو برج الجبار. وفي هذا الفضاء الشاسع الرهيب لا يختل مدار نجم بمقدار شعرة،