إن ما بيننا وبين مبدأ الإسلام لا يزيد عن عمر ستة وعشرين رجلا كل رجل يعيش خمسين سنة فهل يعد مثل ذلك دهرا طويلا بالنسبة إلى دين عام كدين الإسلام؟ إن زمنا كهذا لا يكفي - وقد تبين أنه لم يكف - الاهتداء الناس كافة بهديه. ولم تقم القيامة على الدين ولم تقم على شرههم وطمعهم ؟ قد وعد الله بأن يتم نوره وبأن يظهره على الدين كله، فسار في سبيل التمام والظهور على العقائد الباطلة أعواما، وساروا به إلى ما يرون ونرى ولن ينقضي العالم حتى يتم ذلك الوعد، ويتعاونا معا على تقديم العقل والوجدان، ويكشف ما مكنه فيه من أسرار العالمين، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا واعتبر بعد ذلك بقوله: فاقتصر على ذلك ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك، هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته، هنالك يلتقي (أي العقل مع الوجدان الصادق (القلب) ولم يكن الوجدان ليدابر العقل في سيره داخل حدود مملكته، إياك أن تعتقد ما يعتقده بعض السذج من أن فرقا بين العقل والوجدان (القلب) في الوجهة، كوجدانك أنك موجود، ووجدانك لسرورك وحزنك وغضبك ولذتك وألمك ونحو ذلك. والفرق بين البسائط والمركبات والوجدان لإدراك ما يحدث في النفس والذات من لذائذ وآلام، فهما عينان للنفس تنظر بهما، عين على القريب وأخرى تمد إلى البعيد، وهي في حاجة إلى كل منهما ولا تنتفع بإحداهما حتى يتم لها الانتفاع بالأخرى، والوجدان السليم من أشد أعوان العلم والدين الكامل علم وذوق، هيهات أن يقوم على الأخرى ولن يتخالف العقل والوجدان حتى يكون الإنسان الواحد إنسانين، قد يدرك عقلك الضرر في عمل ولكنك تعمله طوعا لوجدانك، فتقول إن هذا يدل على تخالف العقل والوجدان، عليك أن ترجع إلى نفسك فتتحقق من أحد الأمرين - إما أن يقينك ليس بيقين، وأنه صورة عرضت عليك من قول غيرك، لابد أن ينتهي أمر العالم إلى تأخي العلم والدين، ويأخذ العالمون بمعنى الحديث الذي صح معناه تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله)، وعند ذلك يكون الله قد أتم نوره ولو كره الكافرون وتبعهم الجامدون القانطون وليس بينك وبين ما أعدك به إلا الزمان الذي لابد منه في تنبيه الغافل وتعليم الجاهل وتوضيح المنهج،