سوسيولوجيا الرابط الاجتماعي الشعبة: علم الاجتماع؛ المستوى المُستهدف: السنة الثالثة؛ وحدة التعليم الأساسية: المادة: سوسيولوجيا الرابط الاجتماعي 2 (السداسي السادس)؛ المشرف على المادة: أ. د. نابـتي علـي نحاول في هذا الجزء الثاني من مسار مقياس الرابط الاجتماعي الاشتغال على منطقة المغرب العربي، الجزائر تحديدا حيث تكون البداية بالتعريف بالعلامة مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمان بن خلدون، والتعرف على اهتماماته العلمية واسهاماته البحثية. ثم منهجه العلمي في الدراسة السوسيولوجية للمجتمع القبلي والمجتمع الحضري ببلاد المغرب الكبير حيث نسعى لاستكناه مدى أهمية مُقدَّمته في وضع الأسس الأولى لمفهوم الرابط الاجتماعي. ثم ننتقل إلى التعريف بإسهامات المفكرين الجزائريين في الاشتغال على مسالة الرابط الاجتماعي من خلال تنوع مداخله وأشكاله. والبداية تكون باستعراض أفكار المفكر مالك بن نبي لاسيما دراسته لشبكة العلاقات الاجتماعية ودورها الحاسم في صياغة ميلاد مجتمع. ثم ننتقل لاستعراض الأطروحات الجامعية لثلة من الأساتذة الباحثين في صدارتهم المفكران عدي الهواري ومصطفى بوتفنشت. وأخيرا نحاول التطرق إلى دور القيّم في تشكيل الرابط الاجتماعي، ونختم بعرض نظري وميداني للقيم في المجتمع الجزائري. محتوى المادة الدراسية: * طبيعة الرابط الاجتماعي والكونية المغاربية ويتكوّن هذا المحور من العناصر التالية: - الفكر الاجتماعي عند عبد الرحمان بن خلدون؛ - سوسيولوجيا الرابط الاجتماعي في الفكر الخلدوني؛ - مفهوم الرّابط الاجتماعي في فكر مالك بن نبي؛ 1. باللغة العربية: - محمد عابد الجابري، بيروت، - محمد عزيز لحبابي، ابن خلدون معاصرا، - الصغير عمار، الفكر العلمي عند ابن خلدون، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1988. العائلة الجزائرية: التطور والخصائص الحديثة، ط. 1999. - مُحسن عقون، بناء العائلة الجزائرية، - السعيد عواشرية، عدد 12، - حمدوش رشيد، - دينكن ميتشيل، معجم علم الاجتماع، 1993. هذا هو الرابط الخاص بصب البحوث في المنصة : https://e-learning. dz/mod/assign/view. المحاضرة (01) الفكر الاجتماعي عند عبد الرحمان بن خلدون أجمع كثير من الباحثين على أنّ ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع، حيث استطاع أن يسبق العلماء المؤسسين لعلم الاجتماع الغربي المعاصر، وفي صدارتهم أوغست كونت، فرديناند تونيز وهربرت سبنسر، وايميل دورخيم، ومن جهته، يرى عالم الحضارة البريطاني أرلوند تويبنيّ: « أنّ تفوّق ابن خلدون ظهر بشكل كبير في مُقدَّمته المشهورة فيما يظهر لقارئها من عمق في البحث، لا سيّما أنّه استطاع أن يكتب عن علم العمران البشري بطريقة لا يمكن التمييز بينها وبين فن التاريخ، أطلق ابن خلدون مصطلح العمران البشري في دلالة تتماهى مع التسمية الحديثة لعلم الاجتماع حيث يُعرّف بأنّه علم يختص بدراسة الحياة الاجتماعية والسلوك الإنساني داخل الجماعات الإنسانية، ومن أبرز المفاهيم الخاصة بعلم العمران البشري والتي تقود لعلم الاجتماع مفهوم العمران، وهو فنٌّ حديث الصنعة، ومفهوم الجاه الذي يظهر عند صاحب المال والسلطة والعصيبة وهي الرابط الذي يُؤدي إلى تماسك الجماعات البشرية، ومصطلح المواطنة، والبدواة، والحضر، حيث يستهدف الدارسون رصد الظواهر الاجتماعية المختلفة بُغية تناولها وفق مقاربات ترتكز على أسس البحث العلمي، بحثا عن قواعد وقوانين عامة، وبالتالي فموضوع علم الاجتماع، تشدها أواصر الدّم والقرابة بين أفراد النسب الواحد، والسلالة الواحدة بالتعبير الانثروبولوجي، يجعلهم يعيشون في علاقات اجتماعية دائمة، والعلاقات في المسجد، وفي مكان العمل، ومختلفة في ما بينهم، هذا ما يُعرف بالاجتماع البشري، لأن الفرد لا يمكنه أن يعيش منفردا، لحاجته إلى التعاون والتضامن، مع غيره من الأفراد، وما تعرض له كذلك فلاسفة الإغريق، والرومان والعرب، على أن الإنسان اجتماعي بطبعه، هذا دليل على أن الفرد، لا يمكنه العيش إلا في المجتمع وذلك لغريزة فطرية طبيعية، تدفعه للتجمع ضمانا بقائه، ولتلبية حاجاته الضرورية. وقد أثارت واقعة انفصال علم الاجتماع عن الفلسفة، جدلا طويلا، حيث لم يستسغ البعض هذه الاستقلالية المعرفية بدعوى استعصاء إخضاع الظواهر الاجتماعية لقوانين ثابتة على غرار العلوم الطبيعية والتجريبية عامة ذلك أنها تقع تحت طائلة الذاتية والآراء الشخصية، علاوة عن تداخلها مع عديد القضايا الفلسفية والدينية والماورائية. يمكن القول بأنّ جوانب عديدة من التفكير الاجتماعي عند علماء المسلمين من أمثال الفارابي وابن سينا وابن باجة، قد أوغلت في الفلسفة والدّين، مما أدى ببعض الدارسين إلى تصنيف اسهامات أولئك العلماء في حقول علم الاجتماع ضمن خانة " الطوباوية الاجتماعية " والدراسات الفلسفية الاجتماعية التي مهدت لظهور العلم. إلى أن حلّ القرن الرابع عشر الميلادي وظهر العلامة عبد الرحمان بن خلدون الذي وضع الأسس الأولى لعلم الاجتماع، وحدّد موضوعاته ومناهجه وفق قواعد علمية سليمة. ولقد كان العلامة عبد الرحمان بن خلدون (1332-1406م)، مؤسس علم الاجتماع، من السّباقين إلى وضع المنهج الملائم لدراسة الظواهر الاجتماعية معارضا ومنتقدا في الوقت ذاته الطرق المنهجية التي استخدمها السابقون عليه، والتي تراوح غلوّها بين " طوباوية فلسفية " واسترداد نمطي للحوادث التاريخية دون شرح وتحليل وتفسير لأسباب الحوادث والعلاقات العلية بينها، وهذا ما جعل ابن خلدون يعرض في دراساته الاجتماعية العلمية التي سماها المُقدَّمة حقيقة المجتمع الانساني وطبيعة الانسان وعلاقتها بتكوين الجماعة والنظام الاجتماعي مُتخذاً من قبائل المغرب الكبير والدول التي ظهرت فيه مُختبرا لدراساته. والحال هذه، فإنّ ابن خلدون لم يكتف بدراسة نمو وحركة وتطوّر المجتمع ورصد قوانين التحوّل والآلية الاجتماعية التي تحكم السياق التاريخي للمجتمع بل درس أيضا ثبات وسكون المجتمع خلال فترة زمنية مُعينة والعوامل التي تؤثر فيها، كما حلّل علاقة المناخ والبيئة الجغرافية بالنظم الاجتماعية السائدة في المجتمع. في المساق نذكر شهادة عالم الاجتماع دينكن ميتشيل الذي أشاد بسبق ابن خلدون في وضع أسس علم الاجتماع ومناهجه العلمية ناهيك عن جدة أفكاره، ومعظم النظريات والقوانين والأفكار الاجتماعية التي طرحها في فلسفته الاجتماعية والسياسية لا تزال صحيحة وقادرة على تفسير الظواهر والملابسات والمشكلات التي تجابه الانسان والمجتمع المُعاصر بالرغم من تبدّل المجتمع ومروره في المراحل الحضارية الناضجة والمتطوّرة. » اهتم ابن خلدون بمواضيع كثيرة أهمها الأدب والتربية والفلسفة والتصوف والتاريخ والسياسة والاجتماع الذي سماه علم العمران البشري الذي يدرس ما استطاع الانسان انجازه في البيئة الحضرية من معالم المدنية والتراث الحضاري وباقي الفنون الحياتية التي طورت المجتمع في مجالات مُختلفة. شكّلت دراسة الظاهرات الاجتماعية حيّزا كبيرا من كتاب المُقدّمة فجاءت تفسيراته لظواهر العمران البشري لاسيما ما له صلة بالتطور الاجتماعي مُتسلسلة ومنطقية ومنهجية. وإنما له قوانين تحكمه وتفسره لذلك ألح على بحث هذه القوانين أو الاجتهاد في استنباطها. وهذه الدراسة تُمثل موضوع علم مستقل هو علم الاجتماع. ويمكن أن نجمل الأفكار الرئيسة للفكر الاجتماعي عند ابن خلدون فيما يلي: أولا/ تأسيسه لعلم الاجتماع وفهم ظواهره : استنتج من قراءاته التدبرية للتاريخ عموما والتاريخ الاسلامي تحديدا أنّ الحوادث والظواهر الاجتماعية لا تسير حسب المصادفات إنما لها قوانين ثابتة لا تقل في ثباتها عن قوانين الظواهر الأخرى، وانطلاقا من هذه الجزئية جاء رفضه لكثير من الروايات التاريخية التي رأى بأنها لا تتسق مع هذه القوانين. كما دعا إلى إتباع طريقة دقيقة في تحقيق الأحداث التاريخية، تتمثل في البحث نظريا عما إذا كانت واقعة من الوقائع ممكنة في ذاتها، وأشار ابن خلدون إلى أصول نشأة الحياة الاجتماعية من خلال العوامل التالية: - ضرورة اقتصادية لأنّ الفرد لا يمكن أن يكتفي ذاتيا وإمّا ضرورة دفاعية في مواجهة عدو مشترك ممثلا في الحيوانات المتوحشة؛ فالإنسان يدفعه شعوره الفطري إلى الاستئناس بغيره من البشر. - الميل لتحقيق فكرة الاجتماع، فلا بد هنا من توفر جانب الارادة وإلا ساد العدوان وعمت الاضطرابات، فالإرادة الانسانية الفردية هي التي تعصم الفرد من عدوان الآخرين وتؤدي للاستقرار والسلام والأمن. تؤدي نشأة المجتمع إلى سيادة نوعيّن من الظواهر: الأول الظواهر الطبيعية، والثاني الظواهر الاجتماعية التي تتأثر بالأولى. ثانيا/ المنهجية التي وضعها ابن خلدون : والباحث يحتاج إلى عدد متنوع من مصادر المعارف العلمية التي تعينه على فهم وتحليل مجالات السياسة وطبائع الموجودات واختلاف الشعوب، والسِّير والأخلاق والعادات، وقياس ذلك كله على شعوب متفرقة والمقارنة بينها؛ - التعرف على طبائع العمران البشري : وهي قاعدة عامة أخرى، التزم ابن خلدون بتطبيقها فهي تعتمد على محاولة الاحاطة الواسعة بشتى العلوم، والتعمق فيها. وينخرط أفراده ضمن جماعات هادفة تجعل لنفسها هوية وثقافة. والعلاقات والتفاعلات بين أفراده ويؤسسون أنماط سلوكهم وعاداتهم أو طبائعهم الخاصة، ويندرج في هذا المساق ما يعتري المجتمع من تغيّرات أشار إليها ابن خلدون على أنها تبدلات وعدم استقرار في طبائع الأمم والشعوب، فتنتقل من حال إلى حال، وهذا التغيّر يصيب الأفراد والنظم والدول. ومقارنة ما عاصر بما عرفه من أخبار الأقوام السالفة، فيما يُعدّ منهجا الاستقراء والاستنباط خير مثال على ما وضعه ابن خلدون من أدوات يستعان بها في عملية البحث هذه.