لا يزال مفهوم العولمة غامضاً بالنسبة للكثيرين على الرغم مما كتب عنه، لكنه واضح كل الوضوح بالنسبة لتلك القوى التي تمارس من خلالها عولمة المجتمعات الأرضية (1) ومن الطبيعي أن يختلف الناس في فهمه وتحليل أبعاده، تحرك خيوطها في مجالات عديدق أيادي خفية يتجاوز نفوذها نفوذ الدولي والمنظمات الدولية الرسمية ) وكي ندرك ما ستفاجئنا به العولمة غداً فلا مناص من الوقوف قليلاً عند الفهوم، كما ينظر له المبشرون به في عقر داره معتبرينه حتمية تاريخية ولكن أحدث الدراسات تثبت أنه من صنع قوى عالمية ذات نظرة مستقبلية عرفت كيف تستغل ظروفاً دولية معينة لتفرض نظرتها إلى مستقبل "معولم". ومن يتأخر عن الولوج إلى بوابته الكبرى المحكمة الحراسة من طرف سلطة كونية جديدة تملي شروطها على جميع الأصقاع عبر قنوات المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية يهمش، إن عدم قدرة البشر اليوم على التحكم في القرارات والمعلومات بعد أن تنساب في شبكات الاتصال الإلكترونية جعل الظاهرة تبدو فيما تفرزه يومياً من نتائج إيجابية وسلبية، ومن يقف مترددا أمام بوابة العولمة يلفظ لفظ النواة. وأبادر هنا إلى التأكيد بأن العولمة ظاهرة إيجابية لأنها واقع فرض نفسه بكفاءة، وهي خطوة نوعية جديدة في تقدم المجتمع البشري رغم جوانبها السلبية التي تبدو في ثنايا هذا الكتاب الذي أضعه أمام القارئ العربي حتى لا تبقى الأمور معلقة في الهواء. فأنا أدرك بأن الشعوب المستضعفة تعاني الآن وسوف تعاني مستقبلاً من تبعات العولمة. ومن يستنكف فإنه يعيش على هامش الأحداث وينتهي به المطاف إلى مزبلة التاريخ. يخطئ بعض الناس حين يحصرون العولمة في مجالات الاقتصاد والإعلام. وليدة ظاهرة منطقية متسقة تتكامل فيها الجوانب المختلفة. فأسهم كل ذلك في القضاء على أيديولوجية التفوق الفاشستي الشوفيني لعنصر على آخر، وهي الأيديولوجية التي بررت بها الرأسمالية الكلاسيكية في مرحلتها الإمبريالية سياسة استعمار الشعوب تحت شعار "رسالة التمدين". التي تحتل بمفردها المرتبة السابعة في قائمة القوى الاقتصادية العالمية – بلغ الإنفاق اعد صاء على السجون ما يساوي المجموع الكلي لميزانية التعليم، وهناك ٢٨ مليون الله حركة ليبرالية وأيديولوجية توسعية ذكية. قد حصنوا أنفسهم في أبنية وأحياء سكنية محروسة. حيث يصبون جام حقدهم الأسود على المسلمين والعرب الذين يعملون في البلدان الأوروبية. أي أنهم قد ولدوا فوق الأرض الأوروبية، وتذكر بشعوب أهل الجنوب الذين لا يمكن أن ينصهروا البتة في مجتمعات أهل الشمال حسب أيديولوجية "التفوق العرقي" التي تتبناها قوى اليمين المتطرف واضعة أفكار ادولف هتلر وبنيتو موسوليني فوق أي اعتبار. لتغذي الصورة السلبية عن العرب والمسلمين، وما يلفت النظر في ظاهرة العولمة تزامن التنظير للسوق الكونية الموحدة، ولعصر الصورة الخارقة الجدران والعابرة الحدود مع التنظير لضرورة استعداد الغرب لنوع جديد من الصراع ضده الإسلام وأهله خاصة وأن العدو السابق المعسكر الشيوعي" النهار تماما في عام ١٩٩٠ بعد عملية "الغلاسنوست" التي قام بها غورباتشوف في روسيا. وبخاصة التعاون مع الحلف الأطلسي، فقد تعددت أوجه العدو، (1) 11 إذن لا يمكن القول أن العولمة تعني تتعلق عالم بلا حروب، فالواضح أن أي تهديد لمصالح الولايات المتحدة تجيب عليه الحكومة الأمريكية بإطلاق الصواريخ وإطلاق كلاب الحرب من عقالها. فمن يحاول حماية ثروته القومية يعاقب بقسوة حتى يرتدع رئيس صحيحاً إذن أن العولمة في 1 حقيقتها تقوم على كون الرأسمال لا وطن له". ولكنه في جميع الأحوال محدود بحدود المصالح القومية حتى لو كان الأمر يتعلق بـ "الشركات متعددة الجنسية". تعددت جنسية الشركات أم لم تتعدد. وقد لا تكون المصالح القومية" اليوم "قومية" بالمعنى القـ القدم (الكلاسيكي) للكلمة، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فالبحث عن الهوية والعمل على إحصائها مستمر، والنتيجة المالية التي تفرض نفسها هنا هي التالية: إن التعارض بين العولمة وسالة ا عامرة بعيشها الغرب نفسه، وبالتالي فمن الحالات الجسيم النظر إلى هذا التعارض على أنه فقط تعارض بين الغرب / "الشمال" بوصله مصدر العولمة للمستفيد منها، وتثار بالنسبة إلى التجليات الاقتصادية للعولمة "مشكلة . إذ أن لها امتداد في تاريخ الرأسمالية منذ نشوئها وتطورها والتحولات التي شهدتها في القرن التاسع عشر وبخاصة في النصف وأوائل القرن العشرين.