وَضَعَتِ الْأُمُّ يَدَها الْيُسْرِى عَلَى كَتِفِ نورَةَ، تَلَقَّتْ نورَةُ الْمُصْحَفَ بِكِلْنا يَدَيْهَا ، أَسَرَهَا الْخَطُّ الْفَاتِنُ الَّذِي كُتِبَتْ بِهِ الْكَلِمَتانِ، مُنْذُ هَذِهِ اللَّحْظَةِ سَتَحْمِلُ نورَةُ مَعَها إِلى الْكُتَّابِ الْمُصْحَفَ الْكَبِيرَ الَّذِي أَحْضَرَهُ عَمَّهَا مِنَ الْحَجِّ . هَذَا الْمُصْحَفُ الْأَخْضَرُ الْمَهِيبُ بِهِ كُلُّ السُّوَرِ الَّتِي يَعْرِفُها الْكِبارُ وَيَحْفَظُها الْمُعَلِّمُ «سُرورٌ»، لَهَا وَحْدَها … دَخَلَتْ نورَةُ إِلَى الْكُتَّابِ؛ عَلَى يمين الْقاعَةِ الْواسِعَةِ الْمَفْرُوشَةِ بِالْحُصُرِ تَحَلَّقَتِ الْبَناتُ في حَلَقَاتٍ يَقْرَأْنَ بِأَصْواتٍ رَفِيعَةٍ، فِي الْوَسَطِ مُتَّكِيٌّ عَلَى عَصَاهُ. ظَلَّتْ نورَةُ واقِفَةً لِبُرْهَةٍ تَنْقُلُ بَصَرَها فِيهِمْ : تَخَيَّلَتْ نَفْسَها وَقَدْ خَتَمَتْ سُوَرَ مُصْحَفِهَا الْجَمِيلِ، فَيَعْلُو الصَّوْتُ مِنْ خَلْفِهِ: «آمين … آمين . يا رَبَّنَـا يــا قـاسِمَ الْأَرْزاقِ هَذا الصَّبِيُّ ارْزُقْهُ عِلْمَ الْأَثَرِ وَهَبْ لَهُ الْفِقْهَ كَذَا الْفَصاحَةُ يَدْعو إليها أَهْلَ الْبَلَدِ، وَسَتُوَزِّعُ أُمَّهَا الْحَلْوى عَلَى الْأَطْفَالِ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعُوا مِنَ التَّيْمِينَةِ….