يشهد واقعنا المعاصر تدهوراً أخلاقياً واسعاً، تجلى في انتشار المحرمات واستخفاف الناس بها. وليس هذا التدهور وليد الصدفة، بل نتج عن أسباب متعددة، أهمها ضعف التدين الذي يُضعف الشعور بالمسؤولية الفردية، وضعف البعد المفهومي المؤسس للأخلاق، ما يؤدي إلى قلب القيم، بالإضافة إلى مؤثرات خارجية سلبية. شهدت الأمة خلال القرن الماضي تغيرات جذرية على الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية. ساهم دخول النزعة المادية، متمثلة بالعلمانية والاشتراكية وغيرها من الأفكار، في إضعاف المفاهيم الإسلامية، وملأت فراغاً خلفه ضعف التدين، ما أدى إلى اضطراب بيئي قائم على أسس غير شرعية، مدعوماً بقوانين مستمدة من الغرب، ووسائل إعلامية واقتصادية واجتماعية. تختلف الأخلاق في الإسلام، المستمدة من الدين الإلهي، عن الأخلاق الوضعية التي تستمد شرعيتها من القانون، وتقاس بمدى منفعتها الدنيوية، وهي نسبية ومتغيرة. يُعد النظام الرأسمالي مثالا سلبيا على ذلك، فهو يقوم على التوسع في الحرية، فصل الدين عن الحياة، و تعظيم حق الفرد دون مراعاة للشرع أو الفطرة أو العقل. يرى الرأسماليون أن النظام الاقتصادي طبيعي، قابل للتغير، ولا تتدخل الدولة فيه، وكل ما يُرضي الأفراد مقبول. نتج عن ذلك مظاهر سلبية كالوحشية في الوصول لمصادر الطاقة، واستغلال الأيدي العاملة، واضطراب الحياة الأسرية، وضعف الرقابة، وتعزيز البعد الدنيوي على حساب الآخرة، وظهور الأنانية، والتفاوت الطبقي. تسخر وسائل الإعلام المختلفة لترويج هذه المنظومة الفكرية، عبر إعلانات تضخم الكماليات، وتلاعب بمشاعر المستهلك، باستخدام وسائل غير أخلاقية أحياناً. لذا، يتطلب الأمر إعادة النظر في محفزات الأخلاق، وإعادة بناء المفاهيم المؤسسة لها، وتقييم العوامل المؤثرة فيها، لاستعادة تاريخنا وأصالته، وشرعية الأخلاق وصفائها.