بعد أن تعرفنا على مسلم -رحمه الله- وعلى صحيحه ننتقل إلى دراسة أحاديث منه، وتكلم الإمام النووي في هذه المقدمة عما جاء في حديث جبريل الذي سنذكره وشرحه، والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعًا يدل عليه قوله : {ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ} [آل عمران: 19]، وقوله: {ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ} [المائدة: 3]، وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التميمي الأصبهاني الشافعي -رحمه الله- في كتابه (التحرير في شرح صحيح مسلم) -ونتذكر هذا الكتاب وصاحبه؛ كما ينقل كثيرًا عن شرح عياض (إكمال المعلم): "الإيمان في اللغة: هو التصديق فإن عني به ذلك فلا يزيد ولا ينقص؛ قال: فالخلاف في هذا على التحقيق إنما هو أن المصدق بقلبه إذا لم يجمع إلى تصديقه العمل بمواجب الإيمان هل يسمى مؤمنًا مطلقًا أم لا والمختار عندنا أنه لا يسمى به، وقوله: {ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ} [مريم: 76]، وقوله تعالى: {ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ} [التوبة: 125]، وقوله: {ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ} [الأحزاب: 22]. فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان ومتى زادت زاد الإيمان كمالًا، قال عبد الرزاق: سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبيد الله بن عمر والأوزاعي ومعمر بن راشد وابن جريج وسفيان بن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أنه لو أقر وعمل على غير علم ومعرفة بربه لا يستحق اسم مؤمن ولو عرفه وعمل وجحد بلسانه وكذب ما عرف من التوحيد لا يستحق اسم مؤمن، أي: لهذا الاسم على الإطلاق مؤمن بقوله : {ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ} [الأنفال: 2- 4]، قال أبو عبيد: وهو قول مالك والثوري والأوزاعي ومن بعدهم من أرباب العلم والسنة الذين كانوا مصابيح الهدى وأئمة الدين من أهل الحجاز والعراق والشام وغيرهم. قال ابن بطال: هذا المعنى أراد البخاري -رحمه الله- إثباته في كتاب الإيمان وعليه بوب أبوابه كلها، وإنما أراد الرد على المرجئة في قولهم: إن الإيمان قول بلا عمل، وتبيين غلطهم وسوء اعتقادهم ومخالفتهم للكتاب والسنة ومذاهب الأئمة. قال الله تعالى: {ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ} [التوبة: 84]، وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة والحج والصوم لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم استسلامه وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله، قال: وهذا تحقيق وافر بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون وما حققناه من ذلك موافق لجماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو بن الصلاح، قالوا: وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة وأقاويل السلف وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون. وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهرًا حسنًا فالأظهر -والله أعلم- أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشبه ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، فهذا مما لا يمكن إنكاره ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر الصديق لا يساويه تصديق آحاد الناس، ولهذا قال البخاري في صحيحه: قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي  كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل. وأما إطلاق اسم الإيمان على الأعمال فمتفق عليه عند أهل الحق ودلائله في الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تشهر قال الله تعالى: {ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ} [البقرة:143]، واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا من الشكوك ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلًا إلا إذا عجز عن النطق لخلل في لسانه أو لعدم التمكن منه لمعاجلة المنية أو لغير ذلك، أما إذا أتى بالشهادتين فلا يشترط معهما أن يقول: وأنا بريء من كل دين خالف دين الإسلام إلا إذا كان من الكفار الذي يعتقدون اختصاص رسالة نبينا  إلى العرب، وأن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه فيعرف ذلك، قال الإمام النووي: فهذه جمل من المسائل المتعلقة بالإيمان قدمتها في صدر الكتاب تمهيدًا لكونها مما يكثر الاحتياج إليه ولكثرة تكررها وتردادها في الحديث فقدمتها لأحيل عليها إذا مررت بما يخرج عليها.