تمهيد : فكرة الهداية القرآنية وموقعها عند المفسرين : لسنا في حاجة إلى أن نكرر القول في اتخاذ أصحاب هذا الاتجاه فكرة الهداية القرآنية محورًا لمحاولاتهم التفسيرية ، أو سوق الأدلة على ذلك من أفكارهم النظرية التي نصوا عليها غالبًا في بدء محاولاتهم وكرروا التنبيه عليها دائمًا (۱) ، أما ما نشعر أننا بحاجة إلى الوقوف أمامه فهو فكرة الهداية نفسها ، وطريقة القرآن نفسه ووسائله في تحقيق الهداية التي التزم بها المفسرون الهدائيون ، وبها قامت أركان علومه ومعارفه ، والهداية بلفظها وروح معناها توفيق ورحمة ويقين وإيمان وطمأنينة وسكينة وعلم وعمل ، وتحقيق لحكمة الله وسننه في الإفادة من حقائق هذا الكون العظيم ويبدو أن هذه الفكرة كانت آسرة وجذابة ، وأن التنبه لهداية القرآن العامة : في تجاه الأمم ، بجميع جوانب الحياة والكشف عنها هما وسيلتا الإصلاح والتجديد في صما أساس التقدم عندها منذ نزل القرآن الكريم ، « فآيات كتاب الله ارواح علوية هبطت إلى الأرض لتحيي القلوب الميتة بالإيمان ، فمن وهب لها قلبه وهبت له الهداية والنور ، ففيها تجمعت حقائق العلم وأفكار الفلسفة ولمسات الروح ، ثم ألقى بعض الضوء على جوانب هذه الفكرة حين قرر ) أن التفسير الذي نطلبه هو فهم الكتاب من حيث هو دين يرشد الناس إلى ما فيه سعادتهم في حياتهم الدنيا وحياتهم المقصد الأعلى وما وراءه تابع له أو وسيلة لتحصيله » إلى أن قال : الآخرة ، فإن هذا هو ه فالتفسير الذي يجب على الناس على أنه فرض كفاية هو ذهاب المفسر إلى فهم مراد القائل من القول ، وحكمة التشريع في العقائد والأخلاق والأحكام على الوجه الذي يجذب الأرواح ويسوقها إلى العمل والهداية المودعة في الكلام ليتحقق فيه معنى قوله : هُدًى وَرَحْمَةً ويتضح من سلوك مدرسة المنار أنها كانت تعنى بما تسميه أحوال البشر شيئًا واسعا ، آخذ بكل أسباب الحضارة وتراث العقل البشري في ضوء هذه الغاية النبيلة رأت المدرسة أن تناول القرآن الكريم ينبغي اجتماعي وثقافي جديد ، ومن هنا كان فضل رواد التجديد التفسيري وجهدهم بارزا في النهوض بالفكر الإسلامي إلى عصور ازدهاره السابقة والعودة بالقيم القرآنية إلى مكانها الفعلي من حياة الناس العملية بعد أن عاش المسلمون قرونا طويلة يحسبون القرآن وسيلة للعبادة والحياة الروحية فحسب ، وليس صراطا مستقيما إلى معالجة شؤون الحياة كلها ، فأكثر المسلمين قد هجروا القرآن وباتوا يجهلون أن فيه كل ما يحتاجون إليه من حياة روحية وأدبية وقوة سياسية وحربية وثورة وحضارة ، ويجهلون أن له تأثيرًا صالحاً في حياتهم المعيشية والمدنية والسياسية وقد حاول أصحاب الاتجاه الهدائي - وبخاصة التقليديون منهم – استخلاص وجوه الهداية والعظة حول محتويات السورة القرآنية ووضعها في مكان خاص بها قبل السورة القرآنية أو بعدها ومن المؤكد أن المفسر الحديث - وبخاصة صاحب الاتجاه الهدائي - قد أفاد كثيرًا من منهج القرآن الهدائي وأسلوبه الفريد الذي أحدث به ثورة إنسانية ما كانت لتحدث لا على قاعدة القرآن في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيرُوا مَا الرعد : ۱۱] ، ولا يكفي في الحمل عليهما مجرد البيان والإعلام والأمر والنهي على غرار ما يصنعه البشر من اللوائح والبيانات ، والقوانين والمنشورات ومن هنا لم يتوقف مؤمن بالقرآن للاستفهام عن طريقته في عرض محتوياته والتنقل بين موضوعاته وتكرارها بشكل لا يعرفه البشر في تنسيق مكتوباتهم وحسن تبويبها وتصنيفها لأنها الهداية ، والهداية وحدها التي تبتغى من وراء هذا العرض والتوجه المباشر للنفس الإنسانية، وليس في أسلوبه ومعناه ومحتواه إلا ما له أكبر الشأن في انقلاب الأفكار وتغيير ما في العقائد والأخلاق ، وليس تكرار المعنى الواحد فيه بصور متنوعة إلا من أجل تقريره في الأنفس ونقشه في الأذهان الأنفس من من عنه جاء به فالقرآن الكريم لم يأت على طريقة المنشئين والمؤلفين الذين يخصون كل طائفة الكلام بموضوع معين ويسمونها بابًا أو فصلا ، فكلما لاحت المناسبة لذكر شيء منها أو الاحتجاج عليه أو الدفاع يجذب إليه الأذهان ويسارق به خطرات القلوب مع مراعاة التناسق وحفظ الأسلوب البليغ ، فإذا تكرر المعنى الواحد فبعبارات متعددة ، يبينون سره فيما يقدم من خير للناس ، فالقرآن كتاب السماء الذي يتجه للخاصة والعامة على السواء ، حيث ينتقل من تشريع عادل إلى واعظ حان إلى مثل ناهض إلى قصة ذات عبرة كل ذلك دون أن يفقد في لحظة واحدة روحه العام الذي يجمع المعاني والصور و الأفكار ويغدي العقل الشعور ويمتع الحواس والودان فلو أن عقائد الإسلام اجمعت مرتبة في سور ثلاث أو أربع من القرآن ، ولو أن قواعده التشريعية وأحكامه مقاصد القرآن الشخصية والمالية والحربية والقانونية رتبت في سور خاصة بها ، ولو أن قصص النبيين والمرسلين سردت في سورها مرتبة . لو أن كل ما ذكر وما لم يذكر من مـ تقديم كل نوع منها واحده الفقد القرآن بذلك أعظم مزابا هويه المقصورة بالقصد الأول من التشريع وحكمة التنزيل وهو التعبد به ، واستفادة كل حافظ للكثير أو القليل من سوره من مسائل الإيمان والفضائل المنبثة في جميع السور ، مقاصده بعضها ببعض وتفريقها في السور بالمناسبات المختلفة وتكرارها الهداية وذلك التأثير كان القرآن كما جاء في معنى وصفه : لا تبلى جدته ولا تخلقه من كثرة الترديد من التلاوة والترتيل وكثير من المفكرين غير العرب يودون لو رتب لهم القرآن ترتيبا تاريخيا أو منطقيا أو موضوعيا على غرار كتبهم المقدسة أو الكتب العلمية البشرية ، ولكن للمرء أن يتساءل : هل يمكن أن يسمى نتيجة هذا التصرف قرآنًا ؟ وحقيقة لو كان في آيات القرآن هذا الترتيب المطلوب ما وافق ذلك طبيعة النفس الإنسانية التي تجيش بعواطف وإحساسات لا يمكن أن تكون منظمة تنظيما منطقيا ؛ لأن الملل ليس من صفات النفس وإن كان من أوضح صفات العقل الذي يعتمد في عمله على ما يرد إليه أشد ما تكون إحساسًا بالتعب والملل وهناك حقيقة أخرى تنكشف للإنسان وراء هذا الترتيب التوقيفي ، وهكذا يلمح أمام عينيه منظر الإسلام الكامل وتخطيطه الشامل مشرفًا متلألمًا بصفة مستمرة ، ولو وهكذا يلمح أمام تعاليم المرحلة الابتدائية جمع القرآن على الترتيب الذي نزل عليه لما كان هذا الترتيب مجديًا ومفهوما للعصور التي تلت عهد النبوة ، بدون أن يضاف إلى القرآن تاريخ نزوله وتاريخ الظروف التي نزل - فيها كل جزء من أجزائه كملحق للقرآن ، الأمر الذي كان ينافي الغرض الذي شاء الله مصحف وتلك النتيجة التي كشف عنها ترتيب القرآن التوقيفي تثير سؤالا مهما : لماذا يجمع النبي صلى الله عليه وسلم حسب ترتيب نزوله عليه ؟ وهل لم يكن هناك من هداية حققها ترتيب القرآن في ترتيبه التاريخي فلماذا عدل عنه إلى ذلك الترتيب الآخر ؟ والحق أن القرآن كان ينزل وفق الظروف التي سارت عليها الدعوة منذ بدئها حتى بلغت أوج الكمال ، فلم يكن من الحكمة أن يختار لتدوين الأجزاء المنزلة نفس الترتيب الدعوة وتطورها ، بل الأمر كان في حاجة إلى ترتيب جديد الذي كان ملئما مع سير يكون أكثر انسجاما وأشد تجانسًا وأدق ارتباطا مع الواقع الآتي بعد اكتمال الدعوة وتمام النعمة ؛ فلما اكتملت الدعوة وبلغت ما شاء الله أن تبلغه أصبح مخاطبوها الأولون مسؤولين عن متابعة الدعوة ومواصلة الحركة التي سلمها الرسول مع الله لهم بعد كمالها فكرة ومنهاجا وهكذا صار الأمر الأهم هو أن يدرك هؤلاء المؤمنون قبل غيرهم واجباتهم ومناهج حياتهم قبل أن يتقدموا بهداية الله إلى البشرية التي ترزح تحت نير الضلال والغواية . وهو كفيل بتحقيق الهداية لجميع الناس كما عرفنا من وثانيهما: ترتيب تاريخي وهو المعروف بترتيب النزول وقد ناسب هذا - لكي تتحقق للعرب الهداية التي نيطت بها الدعوة وقت نزول القرآن – أن تتنزل الآيات على الأسلوب الذي يلائم ظروف الدعوة ويناسب واقعها الذي من يثير العواطف بجانب مناشدته العقول نفس مواجهته لكل إلى تربية الأتباع وإصلاحهم ونفخ الحماس في نفوسهم، إلى تحويل الأعداء أصدقاء أوفياء ، إلى دحض حجة الجاحدين وقطع دابر نفوذهم وهكذا ساير ترتيب النزول حركات النفس الإنسانية وتفاعلها مع الدعوة الجديدة وراعى حاجتها من الوجهة التربوية الإلهية الخالصة ، وتدبر معانيه والاقتناع بمراميه والعمل بما تضمنه من أحكام ، وما يحققه من هداية وحكمة وبهذين الترتيبين أصبح القرآن الكريم وحده هو الكتاب الذي يعطيك من كل وجهة من وجهتي ترتيبه منهجًا عالميًا جامعًا محكما ؛ ودحض كامل لمنطق الإلحاد وهو في ترتيبه التوقيفي ( المصحفي ( أسلوب حياة وبناء حضارة ودستور للعالم كله محيط بكل صغيرة وكبيرة من حاجاته ومطالبه ، من حيث كان الترتيب النزولي هداية للمشركين ، وهو في كلا الحالين نبع لا يغيض للأسرار والعلوم ، فإذا ارتاد الدعاة مجاهل الإلحاد عاملوا أهلها على مقتضى ترتيب النزول ، فإذا ثاب الناس إلى الإيمان وضعوا بينهم وجهه الآخر ، وهو ترتيب المصحف ليكون أسلوب حياة ووسيلة بناء الجحفل جديد من جحافل الدعوة والانطلاق على وجه الأرض تحت راية الإيمان. ومن مبادئ علمهم بعدوهم ، وهنا ندرك أن فكرة الترتيب التاريخي لنزول الآيات ، وهي التي ينادي بها منهج التفسير الموضوعي كشرط أساسي – لا تحقق – إذا ما أخذت بمعناها العام في القرآن كله - الهداية التي يبغيها الاتجاه الهدائي ، نعني الهداية التي تتوجه إلى المؤمنين في واقع حياتهم ، إذا ما أريد بها معناها الخاص الذي ينصب على موضوع قرآني واحد بعينه ، فقد عرفنا نوعين من الهداية تترتب إحداهما على الترتيب التاريخي ولكنها تتوجه إلى الكافرين والمشركين ، على حين أن الهداية المقصودة من الاتجاه الهدائي والمترتبة على ترتيب القرآن التوقيفي هي التي تتوجه إلى المؤمنين بالقرآن ونؤكد على هذه النقطة حتى لا يلتبس علينا مفهوم الهداية عندما يتردد على لسان مفسر موضوعي ، وكما سنعرف بعد - لم يكد يتحقق لأية محاولة موضوعية، وكيف يصح إدراجها في الاتجاه الهدائي ، لقد اكتفوا بتبيين كلمة الله والهداية بها في موضوع بعينه ، وربما كان هذا عاملا مهما في جمع بعض المفسرين الهدائيين بين الطريقتين التقليدية والموضوعية معًا ، لأنه كتاب عقيدة يخاطب الضمير ، وخير ما يطلب من كتاب العقيدة في مجال العلم أن يحث على التفكير ، وكل هذا مكفول للمسلم في كتابه ، كما لم يكفل قط في كتاب من كتب الأديان . بحيث تلاشى تدريجيا خلال التفسير التطبيقي ، ففي القرآن عقائد ارتبطت البرهنة عليها بآيات الله الكونية ، وقامت حجة القرآن فيها على النظر في ملكوت الله وتعرف أسرار الكون ، ولذا يمكن عد اهتمام مدرسة المنار بالكشوف العلمية وقوانينها في تفسير الآيات من قبيل اهتمامها بسنن الله الكونية والاجتماعية ، على أساس أن ما تدل عليه هذه وتلك في النهاية محقق للهدف من الآيات وهو الهداية والعظة والعبرة وتطهير للأرواح ، فإذا عرض لشيء من الآيات الكونية - وكثيرًا ما عرض لها - فإنما باعتبارها مصدر هداية إلى عظمة الكون ، لنصل على ضوئها إلى تعظيم ! وحديث القرآن وإشاراته إلى آياته وعلومه في الأنفس والآفاق من الإعجاز العلمي الذي يقصد به هداية مخلوقاته إليه ، ويجعل التفكير السليم والنظر الصحيح إلى ايات خلقه وسيلة من وسائل الإيمان بالله . ويذهب الهدائيون إلى أبعد من ذلك ، حين يقررون أن الآيات الكونية في القرآن - بصفة خاصة – لم تفسر بعد ، وهي – وآيات النفس – بحاجة كبيرة إلى إعادة نظر وتفسير يكشف عما فيها من أسرار وحقائق علمية ناط الله بها كثيرا من الدين والدنيا ، قوله تعالى أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا من منافعنا في بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [ الورم : ۸] ولا يكتفي الهدائيون بالدعوة إلى درس آيات الكون في ضوء حقائق العلم ، حتى يمكن فهم وصف الله بهما للشمس والقمر في قوله تعالى : و هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءٌ وَالْقَمَرَ نُورًا ﴾ [يونس : ٥) ؛ إذ ليس من المعقول أن يخص الله الشمس بالضياء والقمر بالنور لغير حكمة كونية ترجع إلى طبيعة كل منهما . وسنعرف قريبا كيف صرح العلميون - تحت ضغط معارضة الهدائيين لاتجاههم - بأنه يهدف إلى تحقيق الهداية - وبخاصة لغير المؤمنين بالقرآن من علماء العصر الحاضر ومتعلميهم - عن طريق الإعجاز - العلمي والكشف عن أصول العلم وحقائقه في القرآن الكريم ويرجع السبب في ذلك إلى عوامل شتى ؛ أهمها وراثة العقيدة التي كانت ولا زالت سائدة في لأذهان بأن القرآن رسالة هداية وإرشاد لا شأن لها بأصول العلوم الكونية ، وأن حديثه الكائنات لا يحوي دقائق أو تفاصيل تتطلب علمًا خاصا لإيانتها ودركها وكان من الطبيعي أن تتسرب إلى أذهان المثقفين عامة بالعلم الحديث عقيدة الإفرنج بأن ن العلم والدين ضدان لا يجتمعان وعلى أية حال فلم يمنع هذا التحذير والتنبيه السابق من طغيان فكرة الهداية واستيلائها على أذهان المفسرين الذين انتحوا بفكرهم نحوا آخر ، خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتَيْكُمْ وَأَلْوَيَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ ت الْعَلِمِينَ )) وفي القرآن الكريم أمثلة أخرى لحقائق كونية يجهلها الناس أسلوب معجز ظاهره صالح لهداية عامتهم إلى الله وباطنه يهتدي به أهل العلم إذا أذن شكل الأرض وحركتها اليومية الله فانكشفت لهم تلك الحقائق ، وقوله : يُغْنِي اليلَ النَّهَارَ يَطْبُهُ حَثِيثًا ﴾ [الأعراف : ٥٤] ، وفي نصوص أخرى نرى ربط القرآن للإيمان بحسن النظر في الكون وطول التأمل في ملكوت الله - واضحًا ، وروح القرآن تتجلى في أحسن صورها عندما تفتح طريق البحث في أكبر مصدرين للمعرفة وهما الأنفس والآفاق ، وتحث المسلم على الاعتبار بهذه الآيات ، وألا يمر بها أصم وأعمى ، ومن ثم فلا دين بلا عقل وعلم . إذ ثبت أنه يحوي أصولها ويسبق الزمن في إيراد حقائقها - فإن أجدى وسائل أداء الأمانة . أمانة تبليغ الدعوة الإسلامية إلى العالم اليوم هو الكشف عن حقائق القرآن العلمية لا سيما في وقت قارب العالم أن يصل فيه إلى قمة العلم . وتشير الأدلة إلى إشراق عهد جديد أهم مما يميزه رجوع الناس جميعًا إلى الله والعودة إلى الدين . الدين الذي يدعو إلى العلم وقرر تطورات وكثير من هؤلاء وأولئك يعتنقون الإسلام كل يوم دون ضغط أو تبشير أو مساعدة من أي من المسلمين، فيا ترى كيف لو قام المسلمون بواجبهم الذي فرضه عليهم الإسلام فرضًا - وهو في هذا الوقت أكثر وجوبًا عنه غافلين من آيات الله هذا ما كان من دور فكرة الهداية عند مفسري الاتجاه العلمي ، إنها عندهم غاية يتوصلون إليها من الطريق الذي ارتضوه في سلوكهم إلى فهم كتاب الله ، وتكاد تكون فكرة الهداية هي نفس الغاية عند مفسرين آخرين، يعتمد أولا وبالذات على التأثير النفسي في نفوس المخاطبين ، ولذا يرى إمام الاتجاه الأدبي أن تفسير محمد عبده الذي يستفيض في النواحي بها الفهم الأدبي للقرآن الاجتماعية لا بد أن يأتي في مرتبة تالية لتفسير يرتكز أولا على الناحية النفسية التي يقوم ، وهو الفهم الذي يتقدم كل استفادة منه ، فكل هذا يجب أن يقوم على أساس وطيد من الدرس الأدبي المتصل بالخبرة النفسية فالمقصد الأول عند أصحاب الاتجاه الأدبي الذي يعلنون عنه « هو النظر في القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر وأثرها الأدبي الأعظم ، وغرضًا أبعد، يجب أن يسبق كل غرض وتقدم كل مقصد ، ثم لكل ذي غرض وصاحب مقصد بعد الوفاء بهذا الدرس يعمد إلى ذلك الكتاب ، فيأخذ منه ما يشاء ويرجع إليه فيما أحب من تشريع أو اعتقاد أو أخلاق أو إصلاح اجتماعي أو غير ذلك ولكنهم في غمرة حماسهم للإعلاء من شأن هذا المقصد يفسحون المجال – كما نرى - المقاصد أخرى ربما كان الدرس الأدبي ممهدا وموطئًا لها ، ليست في رأيه وقفة يراد منها الفن للفن ، فهو يقول : بالهدف الاجتماعي - أو قل الهدي العام – الذي يرمي وإذا قال قائلون: إن الفن لا يلتزم الفضيلة موضعا له ، وإن الفن يرجى للفن وحده ، فما دام القرآن معجزة الإسلام الدائمة التي تتحدى البشر ، والحاجة إلى تبليغها دائمًا لا تنسخ ، فقد أكد هذا أن فهما أصيلا اليوم لطبيعة المعجزة القرآنية لا بد أن يتناول الآية من حيث تركيبها النفسي ، وعلى قدر ما يتاح هذه للمفسر من خبرة بالنفس الإنسانية يكون تفسيره للنص أدق وأعمق ، وهو من الناحية يكشف عن أسمى ما جاء به النص من معانٍ تسمو بها النفس الإنسانية ويرتفع بها أمرها ، وهو الأمر الذي يرتفع بمباحث الإعجاز القرآني إلى مستوى الإنسانية عامة ، الإنسانية لأنه ما من هاجس يعرض للنفس من ناحية الحقائق الدينية - إلا ويعرض له القرآن بالهداية وسداد التوجيه ، وما أكثر ما يفر المرء من نفسه ، وزلة كل ذي زلل ، ثم تكفل بإزاحتها كلها ، والوقوف أمام فنه وأسلوبه بالدرس والتحليل النفسي الساحر أعماق لكشف الإمكانات النفسية في خطاب القرآن التي كفلت نجاح الدعوة الإسلامية ، وما زالت موكلة بنجاحها على طول الزمان ، وعند هذه النقطة النفسية تلتقي ضروب التعابير الفنية ، وتحقيق هدفه النهائي من الهداية ككتاب دعوة دينية قبل كل شيء . الملاحظ دائما أن التعبير القرآني يؤلف بين الغرض الديني والغرض الفني فيما ومن يعرضه من الصور والمشاهد ، بل إنه يجعل الجمال الفني أداة مقصودة للتأثير الوجداني فيخاطب حاسة الوجدان الدينية بلغة الجمال الفنية ، والفن والدين صنوان في النفس وقرارة الحس ، ونبهوا إلى خطورة الاقتصار عليها أو الوقوع في أسر مفهومها الغريب عن فكرنا - كان لبعض آخر من الأصحاب الاتجاه الأدبي فضل التحذير من الانغلاق على فكرة الهداية ، والتزمت الأخذ بمبدأ العظة والإرشاد الذي قد يجرنا إلى التضييق على عقولنا أمام النص ، ولذلك يترسب في نفسه أن النص ما لم توجد فيه ألفاظ : ، وأن ويحتاج إلى يتصور معنی الاتجاه الإرشاد – في نفسه - ربما لا يكون وثيق الصلة ببعض معاني النص الهامة وتستمر مناقشة هذا الدارس ليكشف لنا عن تناقض بين تسمية هذا الاتجاه التفسيري ( الاجتماعي ) وواقع القضايا العملية التي يناقشها ، إنه التفسير الأدبي العام ه فكل نص ديني يعتبر بالضرورة رياضة روحية وموقفًا خاصا ، لكن المقصد الاجتماعي المقصد السائد منذ نهضة الدراسات القرآنية في العهد الحديث قد أهمل أشياء غير قليلة ، فقد ذاع في النفس لكنه في الوقت نفسه يبدو في معظم الأحيان أقل أن يحمل مسؤولية الموقف الأدبي القائم على صبغة روحية شاملة معين ورفض ضمني لمواقف أخرى ، الاجتهاد ونقض التقليد : الهداية القرآنية وهو ما وقفنا أمامه التي الضروري وهكذا يمكن القول - باعتبار ما - إن الاتجاهين الأدبي والعلمي في التفسير قد نشأ في أحضان الاتجاه الهدائي ،