صلاح الدين الأيوبي تولی نور الدین محمود زنكي الحكم بعد وفاة أبيه (عماد الدين زنكي وكان أول ما فعله هو وضع خطة لتوحيد الجبهة كي يتمكن من الإطباق على الصليبيين من كل مكان . وأدرك نور الدين أن مصر مستهدفة من الصليبيين الذين حاولوا غزوها مرتين منتهزين فرصة ضعف الحكم الفاطمي وما وقع بها من اضطرابات وصراعات بين الوزيرين الفاطميين (شاور وضرغام) حتى أن أحدهما استعدي الصليبيين على الآخر وكانت النتيجة أن (أحرقت الفسطاط ، مما جعل نور الدين يرسل جيشاً لنجدة الخليفة (العاضد) آخر الفاطميين ضد الصليبيين ، وقد حاول نور الدين رد الاعتبار المنظومة الدولة الإسلامية بأنه تعصب لبني العباسي ورد لهم الخطبة بمصر وأعمالها وفي ذلك يقول ابن آياس في كتابه (بدائع الزهور في وقائع الدهور) : (إن الخليفة العاضد انتحر من شدة القهر بأن ابتلع فصا من الماس حين سمع باسمه يحذف من الخطبة بالمساجد . وكان الجيش الذي أرسله نور الدين إلى مصر يقوده أسد الدين شيركوه) وابن أخيه (صلاح الدين وتولى شيركوه الوزارة للخليفة العاضد ثم تولى الوزارة في مصر الخليفة العاضد صلاح الدين بعد وفاة عمه (شيركوه) ثم استطاع إلغاء الخلافة الفاطمية كما استقل بحكم مصر عن تبعية سيده نور الدين بل إنه بعد موته أخذ ممتلكاته في الشام وضمها لدولته الأيوبية وبذلك التوحيد لمصر والشام أصبح له قوة ردع كبيرة وأصبح الصليبيون بين فكي الأسد . وهكذا أعاد صلاح الدين للمنظومة (الجبهة الإسلامية وحدتها في اتجاه الجهاد (أي الحرب ضد الصليبيين لا حرب الأمراء المسلمين ضد بعضهم البعض) وهذا هو ما كان صلاح الدين قد نذر نفسه له وعاهد الله عليه ، وكان قد أبرم سنة ١١٧٨ م هدنة مع (بلدوين الرابع ملك بيت المقدس التزم فيها صلاح الدين بالمحافظة على حرية التجارة بين مصر والشام وكان طريق هذه التجارة يتعرض للأخطار من جراء القتال بين المسلمين والصليبيين خاصة في عهد (أرناط) أمير (الكرك) وهو فرنسي نقض هذه الهدنة وفرض الإتاوات على القوافل التي تمر عند "الكرك" الآن في الأردن) وهذا جعل العلاقات تتوتر بين المسلمين والصليبيين، بل إن (أرناط) قام بغارات إرهابية على البحر الأحمر وموانيه الإسلامية وقطع الطريق علي الحجاج المسلمين إلى الأراضي المقدسة ، وما كاد صلاح الدين يسمع بهذه الهجمات الإرهابية وكان وقتذاك في الشام حتى أرسل إلى شقيقه الملك العادل وهو نائبه في مصر بأمره بالتصدى لأرناط وتدمير سفته في البحر الأحمر ، وأوقف منها مركبين على قلعة القلزم قرب السويس حاليا لمنع أهلها من استقاء الماء ، فقتلوا وأسروا وأحرقوا في بحر القلزم نحو ست عشر مركباً ، وأخذوا بعيذاب مركباً يأتي بالحجاج من جدة، وأخذوا أطعمة كثيرة من الساحل كانت معدة الميرة الحرمين ، وأحدثوا حوادث لم يسمع في الإسلام بمثلها ، ولا وصل قبلهم رومي إلى ذلك الموضع ، وهو يخلف السلطان بالقاهرة ، فحرقها وأسر من فيها ، وتبع مراكب الفرنج ، فركب خيل العرب حتى أدرك من قر من الفرنج وأخذهم ، فضربت أعناقهم كلهم ، وعاد الأسطول ( من بحر الروم) وبعد ثلاث سنوات عندما طلعت شمس عام ١١٨٦ كان صلاح الدين قد أعد الخطة والتجهيزات المحاربة الصليبيين وسنحت له الفرصة بنقض (أرباط) للمعاهدات حين هاجم قافلة للمسلمين سنة ۱۱۸۷ وكانت هذه القافلة في طريقها من القاهرة إلى دمشق واستولى (أرناط) على كل ما فيها ، إلا أن (أرباط) رفض وأصر فاشتاط صلاح الدين غضبا وغيظاً وأقسم أن يقتل (أرباط) بيده . وبهذا انتهت الهدنة بين صلاح الدين وملك بيت المقدس وأعلن صلاح الدين الجهاد ضد قوات التحالف الغربية الصليبية فجاءته العسكر والأمراء من كل صوب وحدب في دولته الممتدة الأطراف ، واشتد القتال واستعر ، منهم ما بين قتيل وأسير ومن بينهم (جای لوزجنان) ملك بيت المقدس وأرناط وغيرهما من الأمراء الصليبيين ، وقد أطلق صلاح الدين سراح جاى لوزجنان) إلا أنه قتل (أرباط) ليفي بنذره وقسمه ثم توجه صلاح الدين بعد ذلك إلى (طبرية) واستولى عليها ثم فتح (عكا) و (الناصرة) و(قيسارية) و(حيفا) و (صفورية) و (نابلس) و (الشقيف) و (صيدا) و (بيروت) و (جبيل) و(الرملة) و (بيت لحم) و (الخليل) و(عسقلان) ، إلا أنهم أصابهم اليأس والخوف فطلبوا الصلح فأعطاهم صلاح الدين الأمان بشرط أن يغادر المدينة . كل رجل يستطيع دفع عشرة دنانير وكل امرأة تستطيع دفع خمسة دنانير وذلك في خلال أربعين يوما . وتركهم يغادرون المدينة بأمتعتهم وأموالهم بل ترك الفقراء يرحلون دون دفع الفدية المطلوبة ، أما النصارى الشرقيون من أهل المدينة فقد سمح لهم بالبقاء مع المسلمين فيها ولم يحاول صلاح الدين سفك دماء أحد أو هدم الكنائس بل تركها وعلى رأسها كنيسة القيامة ، واكتفى بإعادة المساجد التي حولوها هم إلى كنائس وخاصة المسجد الأقصى الذي كان الصليبيون قد حولوه إلى كنيسة وأسموها معبد سليمان . واقتتل الفريقان أشد قتال ، استشهد فيه جماعة من المسلمين ، فأعطوه بعد امتناع كثير من السلطان على أن يعطى كل رجل من الفرنج عن نفسه عشرة دنانير مصرية ، يوم الجمعة سابع عشرى رجب ، فأتوه رجالا وركبانا من كل جهة لزيارته ، حتى كان من الجمع ما لا ينحصر ، فأقيمت فيه الجمعة يوم الرابع من شعبان ،