لا داعي لأن تكمل قراءة كلامي حتى نهايته إذا كنت تبحث عن حل سحري، لكن فقط انتبه من فضلك إلى الفقرة التالية، ثم بوسعك حينئذ أن تتوقف عن القراءة ولا تضيع وقتك. نعم أعرف أنك فقدت صديقاً في الثورة، وأن أصدقاءك الآخرين إما معتقلون وإما لاجئون، وربما أنت الآن هائم على وجهك في شوارع وأزقة أوروبا، أو ربما تبحث عن مركب تخاطر فيه بحياتك لتصل إلى حافة مدينة تقبلك كإنسان، نعم أعرف أنك محطم تماماً، وأنك تعتقد أن مستقبلك كله انتهى، بعد أن فقدت ماضيك بصراحة شديدة لو كنت مكانك لكنت مثلك تماماً فلنعترف بداية بأن آباءنا وأمهاتنا أنجبونا وأرضعونا، وألحقونا بالمدارس والجامعات، وأنهم فعلوا من أجلنا كل شيء بمقدورهم أن يفعلوه، باستثناء أمر واحد؛في الحقيقة لك عندي خبران: أحدهما جيد والآخر سيئ، فأما الجيد فهو أن كل ما تمر به الآن سينتهي، ستواجه عثرة جديدة ومشكلة أخرى، لكن أعدك بأنها ستكون مختلفة عما سبقها، ثم لا تلبث أن تواجه عثرة أخرى، تختلف العثرات وشدتها ومواقيتها باختلاف الناس،الحياة يا صاحبي ليست البتة مكاناً مناسباً لتسكن فيه وتستريح، أنت يا عزيزي ومهما كان معتقدك لست إلا في رحلة طويلة تنتهي بما يتفق عليه كل البشر،في هذه الرحلة ستمر بمسرات بلا شك. تتنفس بعمق وأما الخبر السيئ فهو أنك بعد فترة تضحك ملء شدقيك تجني ثمار نجاحاتك حتى تظن أنك وصلت إلى المستقر، ثم تنهض، ثم تواصل وهكذا. فما العمل؟أي محاولة للاستسلام للواقع الذي تعيشه لا تعني أن هذا الواقع المؤلم سيبقى كما هو، أنت الآن مخير بأن تغامر للخروج من هذه العثرة بأقل الخسائر أو أن تستسلم وتقبل بالأمر الواقع فتزيدلا تعتقد أبداً، لا، الخسارة تزيد الخسارة لا تتوقف أبداً إن أنت أعلنت لكن هذا لا يغير من أمرك شيئاً،ومرة أخرى ستزداد خسارتك، وستنحدر في عثرتك أكثر الحقيقة لا أعرف كيف تفكر حين تعلن استسلامك، هل تقصد أن تبلغ طاغية بلادك بأنه انتصر عليك فعلاً،لا شأن لك بالسياسة، أنت مواطن طبيعي إنسان عادي، لكن الظروف التي تمر بها بلادك هزمتك وأسقطتك، لقد ضاع مستقبلك ولا تعرف ماذا تفعل فآثرت السكون والبكاء، كل ما في الأمر أنك لست بقائد أو جندي، أنت مجرد أداة، أداة يفعل بها الآخرون ما يريدونه بصمتك، مجرد ريشة تحركها العواصف التيأنت لست بمؤمن على الإطلاق بأي دين؟ إذاً وقتك محدود، لن تعوضه في الآخرة، لأنها غير موجودة في نظرك فلماذا تستسلم لماذا تفقد شيئاً لا تستطيع تعويضه؟ أعرف أنك ستقول مللنا الشعارات،4)قوة الداخل، لا تعرف كم أحب هذا التعبير قوة ما بداخلك، أرني الآن ما هي قوتك، هل تتذكر حالك قبل رمضان هل تتذكر صعوبة صيام يوم واحد أو استحالة قيام ليلة واحدة؟ ثم يأتي الشهر الكريم وتُمضي ثلاثين يوماً على هذه الحالة. صياماً وقياماً، وتدرك أنك كنت تمتلك القوة على صيام النافلة حين تحججتالأمر نفسه ينطبق على أمور الدنيا، أنت تقدر، ربما لأنك لا تثق بنفسك ولا تؤمن بها في حين تطلب من الآخرين أن يؤمنوا بك، ربما لأنك تخشى الهزيمة، ربما لأنك تنتظر خروج المارد من المصباح ولا تريد أن تفهم أن المارد موجود فعلاً ولكن بداخلك وليس كثيرون منا لا يدركون قوة دواخلهم إلا عندما يكونون في موقف يواجهون فيه الموت فتخرج كل طاقاتهم الداخلية، يكتشفون ذلك متأخرين ربما.خذ واحدة أخرى، كالذي يمارس الحمية الغذائية ويزن نفسه كل يومليقنع نفسه بجدواها.حارب كأنك في قلب حريق تريد الفكاك منه، ماذا حققت،بخطوة، والرشد أحياناً ألا تفكر، امض فحسب.ستخبت قوتك من حين لآخر، ولن يمد أحد يد العون لك. لكن عليك أن تدرك مقتضياتأي معركة بالله عليك ؟ لقد تركت ورائي كل قصدت معركتك أنت التي تخوضها كإنسان لتحيا كإنسان،5) حدد فيها بشجاعة وذكاء مواطن الضعف لديك ومواطن القوة لا تقارن نفسك بالآخرين، ولكن ما عندك ليس عندهم النقص سمة الحياة، ليس منا من هو كامل، فلا تشغل نفسك بهذه المعادلة.عد إلى التاريخ وانظر كيف انتصرت جيوش صغيرة على جيوش أكبر منها عدداً وأكثر قوة وتسليحاً، هزموهم بالذكاء، بهذه الخريطة العظيمة التي أحدثك عنها، مواطن الضعف ومواطن القوة، كيف تستغل قوتكوكيف تقبل ضعفك وتتعامل معه.ألا يزعجك أن تكون ذكياً بما يكفي ثم تُهزم وتوصم بالغباء، ولم تستغل فيها نقاط قوتك وتدار عن خصمك نقاط ضعفك ؟6) هل تعرف ماذا يعني أن تفوض أمرك إلى الله، هل تعرف أنها ليست مجرد كلمات تتمتم بها، كن كذلك مع ربك، اجلس بينك وبين نفسك، كن صادقاً معها، احتي فنجاناً من القهوة على حسابي، أبلغه عز وجل أنك فوضت إليه أمرك، وأنك تطلب منه سبحانه ألا يكلك لنفسك طرفة عين،في معركتك. أي شيء،