والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ: "الخوارجُ" منَ الكَلِماتِ التي كثُرَ تَردادُها في الآونةِ الأخيرةِ، وإطلاقُها على بعضِ الجماعاتِ والتنظيماتِ بحقٍّ وباطلٍ، فكانَ لا بُدَّ من وَقفةٍ نَتبيَّنُ بها صِفاتِ الخوارجِ كما ورَدَتْ في السُّنَّةِ النبويَّةِ حتى نُنزِّلَ كلَّ قومٍ منزلتَهم اللائقةَ بهم، حسبَ قُربِهم من هذه الأوصافِ وبُعدِهم عنها. ولم يأتِ في السُّنَّةِ النبويَّةِ تحذيرٌ من فِرقةٍ بعينِها من فِرَقِ هذه الأمَّةِ إلَّا الخوارجَ، وما ذلك إلَّا لضَرَرِهم الجَسيمِ على الأمَّةِ، إذْ ظاهِرُهم الصَّلاحُ والتَّقوى، ولأنَّ مَذهبَهم ليس قاصرًا على الآراءِ والأفكارِ، بل يتعدَّى ذلك إلى سَفْكِ الدِّماءِ. فمن صِفاتِهم الثابتةِ في السُّنَّةِ: 1- صِغارُ السِّنِّ: فهُم في غالبِهم شَبابٌ صِغارٌ، يَقِلُّ بينَهم وُجودُ الشُّيوخِ والكِبارِ من ذَوي الخِبرةِ والتَّجارِبِ، وقِصَرُ النَّظَرِ والإدراكِ، حُدَثاءُ الأَسْنانِ، والأحلامُ: الألبابُ والعقولُ، نقلَه عنه الحافظُ في الفتحِ. 3- الغُرورُ والتَّعالي: فالخوارجُ يُعرَفونَ بالكِبْرِ والتعالي على عِبادِ اللهِ، قال صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: (إِنَّ فيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدونَ ويَدْأَبونَ، ويَدفَعُهم غُرورُهم لادِّعاءِ العِلمِ، ومواجهةِ الأحداثِ الجِسامِ، وذِكرٍ، وبَذْلٍ، وتضحيةٍ، وهذا ممَّا يَدْعو للاغترارِ بهم، وقالَ: (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مع صَلاتِهِمْ، فكيف بغيرِ الصحابةِ؟! وهو عَلَيْهِمْ)، (يَتْلونَ كِتابَ اللَّهِ رَطْبًا، فلا يُجاوِزُ تَراقِيَهم لِيَصِلَ قُلوبَهمْ، بل المَطْلوبُ تَعقُّلُه، وتَدَبُّرُه بِوُقوعِه فِي القَلبِ". وقال شيخُ الإسلامِ: "وكانتِ البِدَعُ الأُولى مِثْلُ بِدْعةِ الخَوارِجِ إنَّما هي من سوءِ فَهْمِهم للقُرآنِ، لكنْ فَهِموا منه ما لم يَدُلَّ عليه" مجموعُ الفَتاوى. ذكرَه البُخاريُّ تعليقًا. قال ابنُ حَجَرٍ: "كان يُقالُ لهمُ القُرَّاءُ لشِدَّةِ اجْتِهادِهِمْ في التِّلاوةِ والعِبادةِ إلَّا أنَّهم كانوا يَتَأَوَّلونَ القُرآنَ على غَيْرِ المُرادِ منه، لا يُنازِعُ أحَدٌ في حَلاوتِه وبلاغتِه!! فهم أصحابُ مَنطِقٍ وجدَلٍ، يَدْعونَ لتحكيمِ الشريعةِ، ولكنَّ فِعالَهم على خلافِ ذلك!!. كما قال عنهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (يُحْسِنونَ الْقِيلَ، مثلِ: إنِ الحُكمُ إلَّا للهِ، ونظائرِه، كدُعائِهم إلى كتابِ اللهِ". 7- التَّكفيرُ واستباحةُ الدِّماءِ: وهذه هي الصفةُ الفارقةُ لهم عن غيرِهم؛ التكفيرُ بغيرِ حَقٍّ، واستباحةُ دِماءِ المخالِفينَ لهم، كما قال عنهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (يَقْتُلون أَهْلَ الإسلامِ ويَدَعونَ أَهْلَ الأَوْثانِ) متفَقٌ عليه. وهذا "من أَعْظَمِ ما ذَمَّ به النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الْخَوارِجَ" مجموعُ الفتاوى. استباحوا دِماءَهم". قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْميَةَ: "فإنَّهم يَسْتَحِلُّون دِماءَ أَهْلِ القِبْلةِ لاعْتِقادِهم أنَّهم مُرْتَدُّونَ أَكْثَرَ ممَّا يَسْتَحِلُّونَ مِن دِماءِ الْكُفَّارِ الذين لَيْسوا مُرْتَدِّينَ" مجموعُ الفتاوى. وقال: "وَيُكَفِّرونَ مَن خالَفَهم في بِدْعَتِهم، ويَسْتَحِلُّونَ دَمَهُ ومالَه، وهذه حالُ أَهْلِ الْبِدَعِ يَبْتَدِعونَ بِدْعةً ويُكَفِّرونَ مَن خالَفَهم فيها" مجموعُ الفتاوى. أو بالأمورِ التي يَسوغُ فيها الخِلافُ والاجتهادُ، أو دونَ التحقُّقِ من توفُّرِ الشروطِ وانتفاءِ الموانعِ، ولا يَعذُرونَ بجهلٍ، ولا تأويلٍ، ويُكفِّرونَ بلازمِ الأقوالِ ومآلاتِها، ويستحِلُّونَ دِماءَ مَن يُكفِّرونَهم دونَ قَضاءٍ ولا مُحاكَمةٍ ولا استتابةٍ. مِن شِدَّةِ سُرعَةِ خُروجِه لقُوَّة الرَّامي، لا يَعلَقُ من جَسَدِ الصَّيْدِ بِشَيْءٍ". عمدةُ القاري. وقد يكونُ هذا الشِّعارُ في الرايةِ، أو لونِ اللِّباسِ، أو غيرِ ذلك. كما أخبَرَ عنهمُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقولِه: (سِيماهُمُ التَّحْليقُ).