تتلخص أهمية والية عقبة تلك في أنه نجح في تأسيس عاصمة إسالمية في إفريقية هى القيروان حتى إن ابن األثير جعل موضوع تلك الحملة هو بناء القيروان فقط، استقرار اإلسالم في بالد المغرب لن يتم إال بتأسيس مقر دائم للجي وش اإلسالمية في قلب البالد تعسكر فيه، ألنه وجد أن ففكر في أن يكون للمسلمين مصرا في البالد على نحو ما قاموا به في كل البالد التي فتحوها مثل العراق ومصر، فإذا خرج منها رجع من كان أجاب منهم لدين هللا إلى الكفر، للمسلمين إلى آخر الدهر". إلى فتوح منظمة هدفها نشر اإلسالم، وشاور أصحابه ففضلوا أن تكون قريبة من البحر ليحوزوا فضل الجهاد والرباط معا، لكنه أشار عليهم قائال" :إني أخاف أن يطرقها صاحب القسطنطينية بغتة فيملكها، ولكن اجعلوا بينها وبين البحر ما ال يدركها إال وقد علم به، ويكون ما بينها وبين البحر ما يوجب القصر في الصالة، وهكذا بنيت القيروان في موضع استراتيجي، يمتاز ببعده عن البحر فال تتعرض لغزو بحري، المدن اإلسالمية في ذلك الوقت، فضال عن ذلك كانت تتمتع بظهير اقتصادي يتمثل في القرى التي تمدها بما تحتاجه، وما يدل على ازدهارها طيلة شرع عقبة ومن معه في تمهيد المكان للبناء، وكان واديا كثير الشجر تأوي إليه ال وحوش والسباع والهوام، خرج، مما عد من كراماته، وليس هذا أمر عجيب ألن الحيوانات تهرب من األماكن التي فيها حركة وجلبة وأمر عقبة الناس بالبناء والخطط وقطعها وركز رمحه وقال :هذا قيروانكم وبني المسجد ودار اإلمارة، وكانت المدينة بهذا الشكل عبارة عن قاعدة للجيش اإلسالمي، وبذلك كانت القيروان أول مدينة تبنى في إفريقية ومسجدها أول مسجد بني فيها، باعتباره أول مسجد البالد، واعتبار قبلته األنموذج الذي تقلده سائر محاريب المساجد فيما بعد، فلما سمع لكن لم تطل والية عقبة فقد أصدر الخليفة معاوية قرارا بعزله عن إفريقية في فترة تألقه بعد بناء القيروان، فكان جزاء غريبا بعد قيامه بهذا العمل خدمة لإلسالم والمسلمين" وهو خير وال وخير أمير " وولى بدال منه أبا المهاجر دينار مولى مسلمة بن مخلد األنصاري. هـ - والية أبي المهاجر دينار 62-55هـ683-675/م. فإنه من المحتمل أن يكون نتيجة لوشايات هام وهو الغنائم، هذه نظرة قاصرة ، وكان مسلمة بن مخلد والي مصر في مقدمة من سعى لعزل عقبة، أو ربما لخوف ساور الخليفة من عقبة أن يستقل بالمغرب خاصة بعد ما رأى من اهتمامه بإفريقية وشعبيته وتأسيسه القيروان، والشدة التي اتبعها عقبة في بعض المواقف، والتي لم يكن مسلمة يرضى عنها؛ والدليل على ذلك أن أبا المهاجر سار على سياسة مغايرة لها، وقيل أساء عزله ويبدو أنه كان مدفوعا في ذلك بضغط من مواله مسلمة الذي كان يحقد على عقبة لما ناله من وربما تلقى أيضا تعليمات منه بهجر القيروان وبناء مدينة أخرى، وأمر الناس بترك القيروان واعمار مدينته، مما دفع بعض المؤرخين المحدثين :إلى القول بأن ثقافة الهدم تجذرت في بنية عقل قادة الفتح نتيجة للصراعات الشخصية واألنانية وحب الذات، لكن ذلك يثير التساؤل ألن أبا المهاجر لم يكن لديه الوقت أو اإلمكانيات لبناء مدينة جديدة، كما أن التحاسد بين مسلمة وعقبة ال يمكن أن ويبدو أن أبا المهاجر نزل في مكان آخر غير القيروان فنسب إليه بناء مدينة جديدة، وال صحة إلحراق أبي المهاجر للقيروان ألن تدمير مدينة كهذه يعتبر عمال إجراميا ال يمكن وأن األمر لم يزد على هجر القيروان واخالئها من العسكر واإلدارة، وقد يكون هذا التصرف نابعا من رغبة أبي المهاجر في التقرب إلى البربر واإلقامة في وهذه هى النظرة الذي يجب أن ننظر من خاللها ألعمال هؤالء القادة. وتفانيا في الدعوة إلى اإلسالم ورفع رايته عن عقبة، وربما تكون تجربة عقبة قبله مما أفاده وجعلته ينهج نهجا جديدا معتدال، وهو وقد نجح في سياسته ليس فقط في التفريق بين بل أيضا في إقامة نوع من التحالف بينه وبين إحدى قبائل البربر القوية وهي قبيلة أوربة في جبال أوراس، إذ اعتنق زعيمها" كسيلة بن لمزم "اإلسالم، كسيلة أن يجتاح المغرب األوسط( الجزائر )وأن يصل حتى مدينة تلمسان غربا. غزو قرطاجنة واصل أبو المهاجر سياسته في نشر اإلسالم فغزا قرطاجنة سنة 59هـ/ 678م وحاصرها ودار قتال شديد بين الفريقين حتى حجز وطلب البيزنطيون الصلح مع المسلمين وتعهدوا بأن يتنازلوا عن جزيرة" شريك "مقابل رفع فتحها. وأقام بها عاما واحدا حتى عزل، وعن أبي المهاجر قال ابن عبد الحكم: "أن أول من أقام بها( إفريقية )حين غزاها أبو المهاجر إذ أقام بها الشتاء والصيف واتخذها منزال"، وان كنا نرى أن فضل ذلك راجع إلى عقبة قبله. فالمؤرخون اهتموا بعقبة وتتبعوا بينما أغفلوا شأن أبي المهاجر إما نسيانا أو تناسيا، أو ربما ألن واليته وقعت بين واليتي عقبة، أو وبنيت المنازل، واتخذت مسجدا للجماعة، "فاعتذر له الخليفة ووعده برده إلى عمله لكنه لم يفعل، أو لم يمهله القدر ليوفي بوعده، إذ توفي عام 60 ه 679 /م. توفي الخليفة معاوية وآلت الخالفة البنه يزيد وراثة، الذي كان مقتنعا بعقبة ففصل إفريقية عن مصر، وعزل أبا المهاجر عام 62 ه 681 /م وأعاد عقبة إليها ثانية، وهنا يثار سؤال هو :متى رد يزيد عقبة إلفريقية هل بعد وفاة مسلمة والي مصر أم قبل وفاته؟ اختلف المؤرخون المحدثون في ذلك فذكر العالمة حسين مؤنس :أن يزيد انتظر حتى وفاة مسلمة ألن تولية عقبة كانت سنة 62 هـ/ 681 م أي بعد سنتين من خالفة يزيد فلما لم يعيده أول خالفته، عمله لتولى حماية أبي المهاجر أو الستغاث به على األقل، فأما وقد كان عقبة مطلق اليد يفعل بأبي المهاجر ما يشاء، وأنه خالفه فيما صنع معه، أن يحسن صحبة عقبة، وهذا يفسر تحامل عقبة على أبي المهاجر ومبادرته باالقتصاص منه بمجرد وصوله إلى إفريقية، ولم يكن مسلمة وقتئذ قادرا على حمايته من عقبة ألن والية إفريقية لم تكن تابعة له، ويبدو أن الخليفة لم يرده إلفريقية إال بعد وفاة مسلمة لمكانة ومركز مسلمة في الدولة األموية هذه المكانة التي حفظها له معاوية، وجمع له مصر فبمجرد موته رد يزيد عقبة إلفريقية، موقف عقبة من أبي المهاجر تجمع معظم الروايات على أن عقبة بدأ عمله باالقتصاص من أبي المهاجر، وغزا به وهو مكبل في الحديد وصادر أمواله، المهاجر باألموال والغنائم، فلم تذكر النصوص أنه كان حريصا على جمع المال، لتغيير سياسة أبي المهاجر وهي سياسة أثبتت نجاحا، إذ انتهت بضم زعيم أو ربة إلى اإلسالم، المهاجر أن يقنعه باالستمرار في اصطناع البربر، وقدم له كسيلة على أنه من زعمائهم، ولكن عقبة خالفه فاستخف بكسيلة وهو حديث عهد باإلسالم فذكر أنه أتى يوما"غنم للعسكر فذبح فأمر عقبة كسيلة أن يسلخ مع السالخين فقال له :أصلح هللا األمير هؤالء فتياني وغلماني يكفونني فنهره عقبة فقام كسيلة مغضبا فكان كلما دحس في الشاء مسح يده بلحيته مما علق بيده من بلل، فقال له الناس ما هذا الذي تصنع؟ فقال هذا جيد للشعر فسمعه شيخ من العرب فقال :إن البربري يتوعدكم، ودافع أبو المهاجر عنه وقال لعقبة :أصلح هللا األمير ما هذا الذي صنعت كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يستألف جبابرة العرب كاألقرع بن حابس وأنت تجيء إلى رجل هو خيار في قومه، توثق من الرجل فإني أخاف فتكه، فتهاون به عقبة، لكن يبدو أن هذا مبالغ فيه مما دفع بعض المؤرخين المحدثين :إلى القول بأن هذا األمر لو صدر عن عقبة كان دليل فساد في رأيه واستبداد وهي صفات ننزه عقبة عنها ونستبعد اتصافه بها، فيه أبو المهاجر فغضب كسيلة خاصة أنه شريف قومه، وما ي ؤيد ذلك أن كسيلة استطاع أن يفر من جيش عقبة دون أن يشعر به، ألنه لو كان مكبال في الحديد واهتم به عقبة ما استطاع أن يفر دون علمه وموقف أبي المهاجر طوال حملة عقبة مما يستدعي اإلعجاب فإن الروايات تؤكد إلحاحه في نصح عقبة ومن هذا يبدو أن عقبة عامل أبا المهاجر معاملة حسنة وأنه غزا معه مجاهدا حرا بدليل استشهادهما معا وسيفاهما في يديهما، وهذا يؤكد ما ذكرناه بداية من صعوبة البحث في فتح بالد المغرب لكثرة الروايات وتعارضها. ولذلك خطب في قومه قائال":إني ولست أدري أتروني واجعلها عزا لدينك، وذال على من كفر بك. عقبة في المغرب األوسط كان خروج عقبة من القيروان طلبا الشهادة في سبيل هللا، 1( متوجها غربا حتى وصل إلى باغاية وفيها التقى بجيش البيزنطيين وحلفائهم من البربر، وانتصر عليهم وجمع غنائم أكثرها من الخيل التي لم يروا أصلب وال أسرع منها، وزحف غربا حتى دخل بالد الزاب الفسيحة، والتقي بالبيزنطيين وانتصر عليهم ثانية، الزاب وذلوا إلى آخر الدهر"، فوجد نفسه أمام جموع كبيرة من البيزنطيين والبربر لم يعهد المسلمون لها مثيال من قبل لكن عقبة تمكن من إحراز 1( مدينة كبيرة بين بجانة وقسنطينة. هي أول بالد التمر ولها واد يجري إليها من جهة القبلة شربهم منه ومن أبار عذبة تسكنها قبائل مزاتة وضريسة وهم إباضية . واصل عقبة سيره غربا حتى وصل سبتة، وكان أميرها يسمى يوليان، وكان سياسيا محنكا فبادر بمهادنة عقبة وهاداه وسأله المسالمة، وأظهر تعاونا معه فدله على مواطن البربر جنوبا الذين يعبدون فدخل بالد صنهاجة ففتح وغنم كما فتح أغمات حتى وصل ومنها إلى ايغيران يطوف على ساحل المحيط فأدخل فرسه في الماء حتى بلغ صدر فرسه، ورفع مدافعا عن دينك مقاتال من كفر بك"، ورأى عقبة أن مهمته انتهت فع زم على العودة إلى القيروان ربما ألخبار مقلقة بلغته عنها ، تاركا وراءه نفوذا للبيزنطيين ال يزال قائما في الساحل، وبذلك يعتبر عقبة أول قائد مسلم يدخل المغرب األقصى ونشر اإلسالم فيه عن طريق بناء المساجد في كل منطقة حل بها، وترك فيها أحد الدعاة ليعلم الناس اإلسالم، وبالقرب من تازا ترك أحد أصحابه 1( وكان اسمه شاكر فسمى هذا المكان برباط شاكر ووادعته هناك قبائل البربر مثل هسكورة وجزولة قرر عقبة العودة إلى القيروان فسلك طريق وادي سبو ووادي ملوية، وواصل سيره شرقا حتى وفي طبنة على بعد ثمانية أيام من القيروان أذن لمعظم ليتم فتح ما تركه من قالع، ووصل إلى تهوده( في الجزائر حاليا )ليفتحها ويتخذها قاعدة لقواته في منطقة األوراس، وكانت ويبدو أنه من الصعب تفسير قرار عقبة فهل كان عقبة نتيجة لشعوره بمؤامرة أراد نجاة جيشه الرئيس، ويتحمل هو ومجموعة بسيطة القيام بعملية فدائية الختراق الكمين؟، ورغبة الجند في العودة إلى القيروان؟. يدفع عقبة باإلسراع بإرسال كتائب من جيشه لحمايتها فيتفرغ هو بعد ذلك لمهاجمة عقبة، الحكم: أن عقبة لما تقدم إلى السوس خالفه رجل من العجم في ثالثين ألفا إلى عمر بن على وزهير بن قيس وهما في ستة آالف فهزمه هللا"، وقدم البيزنطيون العون لكسيلة فأخبروه بمكان عقبة وأخبار سيره وحاله، وهنا وجد عقبة نفسه أمام جيش كبير إذ كان كسيلة قد جمع أكثر من خمسين ألف مقاتل وقطع عليه خط الرجعة وكانت عملية متقنة، وفي هذا الموقف الصعب أدرك عقبة أن نهايته أوشكت أمام هذه الحشود المعادية، لكنه رغم ذلك قرر خوض المعركة التي دارت رحاها عند تظل مسلولة إلى النهاية وقاتلوا حتى قتلوا، واستشهد عقبة وأبا المهاجر وسيفاهما في يدهما ومازالت قبورهم معروفة بمدينة تهوده وأسر بعضهم ففداهم صاحب قفصة وبعث بهم إلى القيروان، هذه الغزوة الناجحة نهاية مأساوية رغم شدة الحماسة التي أظهرها عقبة ومن معه. في الحقيقة هناك غموض حول ما حدث في تهوده؛ هل سبقتها عملية استدراج من كسيلة والبيزنطيين، خاصة أن المعركة وقعت في وقت كانت الخالفة األموية في أزمة سياسية بعد موت يزيد بن معاوية، والصراع بين الشام والحجاز، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل ثانية عن مدى تأثير هذه الحوادث والتطورات على الجبهة األفريقية، على نتائج تهوده وعلى فتح بالد المغرب بصفة عامة، لذلك لم يكن مصادفة أن فتح المغرب من أصعب إذا ما قورن بغيره من الفتوح السابقة عليه أو المعاصرة له، إال أنها ومهدت الطريق أمام قادة المسلمين الذين سلكوا هذا الطريق فيما بعد، والتي أدت إلى ضياع قاعدة الفتح وتحالف البيزنطيين والبربر ثانية، واالستعداد لمشروع الفتح من جديد، وتقع المسئولية في خروج البالد من طنجة إلى برقة من المسلمين على بقية الجيش الذي آثر االنسحاب ولم انسحاب المسلمين من القيروان 64 هـ/ 683 م بلبل األفكار وزعزع الثقة في نفوس المسلمين، وكان على رأس هذا الفريق زهير بن قيس نائب عقبة على القيروان . وفريق آخر رأى االنسحاب إلى المشرق حتى ال يهلك المسلمون، وعلى رأسه التابعي الشهير حنش بن عبد هللا الصنعاني، أسرته وذويه فاضطر إلى اللحاق بهم، ولم يبق بالقيروان من المسلمين إال الشيوخ والنساء واألطفال، وجلس في لكن ليس معنى هذا أن المسلمين فقدوا كل شيء بل تركوا كثيرا من مسلمي البربر، فلم ينتقم منهم إنما الراجح أن يفسر ذلك بكثرة دخول البربر في اإلسالم، إضافة لصلة القرابة بين من أسلم من البربر وقبائلهم الضاربة حول فخاف كسيلة اضطراب األحوال إذا امتدت يده إليهم بسوء فاكتفى بخروج زهير منها. ز والية زهير بن قيس واسترجاع القيروان 69 هـ/ 689 م كانت أحوال الخالفة األموية مواتية بالنسبة لكسيلة ففي الوقت الذي انسحب فيه زهير من القيروان، الخالفة عبد الملك بن مروان ) 86 - 65 هـ/ 700 - 689م ) فاهتم المغرب رغم المشكالت التي تواجهه، فاستشار رجاله في أمر المغرب فأجمع رأيهم على تولية زهير باعتباره صاحب عقبة وأوالهم بدمه، عن أنه من المجاهدين فأمره بالسير إلى إفريقية وتحريرها من كسيلة، ولم يبخل عليه بالمال والرجال وأطلق يده في أموال مصر وأرسلهم إليه. وبلغ كسيلة ذلك فحشد جيشه وكان أضعاف جيش زهير، القي روان، وعدو خارجي وهو المسلمين، الجبل، ووقع اختياره على موضع جنوب القي روان يسمى "ممس "قريبا من جبل أوراس ويبدو أنه اختار هذا الموضع لحصانته ومنعته الشديدة؛ دابرهم من الدنيا وتكون لنا إفريقية إلى آخر الدهر، وان هزمونا كان الجبل منا قريبا والشعراء(الغابات ) فنرجو أال نهلك، " اقترب زهير من القيروان وعسكر خارجها حتى ال يحاصره واشتبك الجيشان في قتال عنيف انتهى بهزيمة كسيلة ومقتله مع عدد كبير من جنده، وتعتبر هذه الموقعة من المواقع الحاسمة في تاريخ فتح المغرب فبعدها"ذل البربر وفنيت فرسانهم ورجالهم، وخضدت شوكتهم، القالع والحصون وكسرت شوكة أوربة. استشهاد زهير بن قيس 69 هـ/ 689م لكنه فجأة قرر العودة إلى المشرق، خاصة بعد أن رأى إفريقية ملكا عظيما وأنه فإن إفريقية كانت أرض والزاهد الورع الذي يخاف الدنيا هو الذي يقيم في الثغور ويرابط على دار الحرب، اعتبر أن مهمته انتهت بالثأر من كسيلة، وهناك رأي أخر ذكر أنه أراد إنقاذ برقة من البيزنطيين الذين أغاروا عليها بعد رحيله عنها إلى القيروان، على أية حال التقي زهير بالبيزنطيين في" د رنة "بعد أن أغاروا على برقة وقتلوا ونهبوا وسبوا كثيرا من أهلها، وأخبر والروم يدخلونهم المراكب فنادي أصحابه بالنزول وكانوا أشراف العرب المجاهدين، ودارت بينه وبين البيزنطيين معركة في درنة استشهد فيها زهير ومعظم من معه سنة 69ه 689 /م، ليت وقف الفتح اإلسالمي مؤقتا لعدة سنوات للمرة الثانية، فقد كانت مصيبته مثل مصيبة عقبة قبله، وخلت البالد بعده من وال يسوس أمرها بسبب ظروف الخالفة األموية آنذاك. مرحلة إتمام الفتح واالستقرار ) 90 - 73 هـ/ 711 - 692م) ح حسان بن النعمان الغساني 86 - 73 هـ/ 706 - 692م. تغلبت الخالفة األموية على مشاكلها الداخلية بتخلص عبد الملك بن مروان من منافسه عبد هللا بن الزبير سنة 73 هـ/ 692م فكانت بالد المغرب من أولى اهتماماته، جيش كبير فجهز جيشا بلغت عدته نحو أربعين ألف مقاتل ترافقهم حملة بحرية، بداية هناك خالف بين المؤرخين حول تاريخ هذه الحملة ما بين عامى 73 هـ/ 692م أو 78 هـ/ 697م، والراجح أن هناك حملتان قام بهما حسان ال حملة واحدة إحداهما كانت سنة 73 هـ، ألن الخليفة عبد الملك فرغ من ثورة ابن الزبير عام 73 هـ، على خزانة مصر فيروي ابن عذارى :أن الخليفة عبد الملك قال لحسان" :إني أطلقت يدك في أموال مصر، فأعط من معك ومن ورد عليك. " بعد أن كلف حسان بهذا األمر سار بجيشه الذي لم يدخل إفريقية جيش مثله، حتى وصل إلى طرابلس فانضم إليه من أسلم من أهلها، ومنها أرسل طالئع إلى إفريقية وكان وهو أول بربري مسلم تسند إليه قيادة سرية من المسلمين، مما يدل على أن كثيرا من سكان ليبيا قد اطمأنت نفوسهم لإلسالم واطمأنوا للعرب كما اطمأن العرب لهم حيث تجهز منها للغزو، واتبع خطة عسكرية قوامها مقابلة أعدائه من البيزنطيين والبربر منفردين. دار ملك إفريقية، فخرج من القيروان بجيشه متوجها إلى قرطاجنة، وكان بها الحاكم العام إلفريقية البيزنطية وحاصرها حصارا شديدا، ودارت بينهما معارك عنيفة حتى فتحها هللا عليه، فدمرها ودك حصونها ألنها كانت تشكل خطرا دائما على الفتح اإلسالمي للبالد، وأخذ حسان يفتح المدن المختلفة مثل صطفورة وبنزرت وغيرها وكل منطقة تجمعت فيها قوات البيزنطيين والبربر حتى أزال أثرهم من البالد، وبذلك نجح حسان في القضاء على المقاومة البيزنطية، وال وبعدها كسرت شوكة البيزنطيين مما مكن المسلمين من االنطالق لتنفيذ خطتهم في الفتح باطمئنان وثبات، المسلمين قبل كانوا يتحاشونها لمناعتها وقربها من البحر. ثانيا :مع البربر أقام حسان بالقيروان ريثما تبرأ جراح جيشه، ثم تأهب لمواجهة المقاومة البربرية، وقد سبق للمسلمين أن أخضعوا البرانس وقتلوا كسيلة على يد زهير بن قيس، وبقى أمامهم إخضاع البتر في جبل والتي ادعت التنبؤ بالغيب وسيطرت على )1( األوراس، وكانوا قد تجمعوا تحت قيادة زعيمة تلقب بالكاهنة البربر عن طريق الدجل والشعوذة وأطاعوها طاعة عمياء، قبائل البربر وأكثرها جموعا وبطونا، وكانت تتمتع بنف وذ وسلطان قوي؛ حينما سأل عنها قالوا له":جميع من بإفريقية منها خائف ون، فإن قتلتها دان لك المغرب كله ولم يبق لك مضاد وال معاند. هزيمة حسان أمام الكاهنة توجه حسان بجيشه نحو الكاهنة فلما علمت بذلك سبقته إلى باغاية في جموع ال تحصى فأجلت وهدمتها ظنا أن حسان يريد التحصن بها، فاستهان بها لثقته بنفسه وكثرة جنده، فنزل بوادي مسكيانة )المعروف بوادي العذارى، على األرجح سنة 75 هـ/ 694م في قتال شديد أسفر عن هزيمة المسلمين، وأسرت الكاهنة ثمانين جنديا ولم تحتجز منهم غير"خالد بن يزيد العبسي" الذي أعجبت بشجاعته فتبنته، بزيت وجعلته على صدرها ودعت ولديها وقالت :كال معه على صدري ففعال فقالت :قد صرتم أخوة، شدة ما نزل بالمسلمين سمى ال وادي بوادي البالء، إلى برقة، فأقام في مكان سمى قصور حسان ولم يبق في طاعته سوى أنطابلس ولوبية ومراقية إلى حد كتب حسان إلى الخليفة عبد الملك بحاله فأمره باالنتظار في برقة حتى يأتيه أمره، وكان هذا هو وهكذا خرجت إفريقية من يد المسلمين للمرة الثالثة، وملكت الكاهنة المغرب كله بعد حسان لمدة خمس سنين. رأت الكاهنة بتفكيرها الخاطئ أن المسلمين إنما أتوا للمغرب طمعا في ثرواته وخيراته، على قومها بالقضاء على كل مظاهر العمران وقالت ":إن العرب إنما يطلبون المدائن والذهب والفضة. فما أرى لكم إال خراب إفريقية حتى ييأسوا منها ويقل طمعهم فيها، الشجر ويهدمون الحصون ويخربون القرى "يذكر أن إفريقية كانت ظال واحدا من طرابلس إلى طنجة، وقرى متصلة ومدنا منتظمة، وكان البيزنطيون بعد طردهم من قرطاجنة يرقبون الموقف عن كثب، وينتظرون فرصة يستردون بها نفوذهم، فانتهزوا فرصة انتصار الكاهنة، وأعدوا حملة بحرية قادها البطريق" يوحنا "أغارت على قرطاجنة وقتلت من بها من المسلمين وسلبوا ونهبوا كل ما وصلت إليه أيديهم. ظل حسان مقيما في برقة خمس سنوات منتظرا اإلمدادات من الخليفة، يزيد فكانت الكتب تردد بينهم سرا، وال شك أن حسان أفاد من األخبار التي زوده بها خالد في معرفة أحوال الكاهنة وخططها في الحرب، ولما تهيأت الظروف للخليفة أمده بالجيش واألموال وأمره بالمسير إلى إفريقية لقتال الكاهنة، يذكر بعض المؤرخين المحدثين :أن البعض اختلط عليهم أمر هذه الحملة فنسبوا هذا العدد الضخم إلى الحملة األولى التي قادها حسان ضد البيزنطيين، فلو أن حملة حسان األولى كانت تضم كل هذا العدد لما كان أن يهزم على أيدي رجال الكاهنة، ولو لم يكن جيش حسان الثاني يمثل هذا القدر وال شك أن ضخامة هذا الجيش كان جماعة من البربر استأمنوا إليه فلم يقبل أمانهم، إال أن يعطوه من قبائلهم اثني عشر ألفا يقاتلون مع فأجابوا وأسلموا على يديه"وفي طريقه" لقيه من النصارى ثالثمائة جل يستغيثون به من الكاهنة، فيما نزل بهم من خراب" وكان كلما مر بقوم يستغيثون به من الكاهنة فسر بذلك. وصلت األنباء للكاهنة بقرب وصول حسان بجيشه فتراجعت إلى داخل جبل األوراس، وطلبت من خالد بن يزيد أن يأخذ األمان البنيها من حسان، أما هي فقررت أن تقاتل حتى الموت فقبل حسان تأمينهما، ساحقة وسحق جيشها وقتلها، وبذلك- قضى حسان على كل أثر للمقاومة البربرية في المغرب األدنى واستقامت له البالد فاتجه إلى قرطاجنة للمرة الثانية لتطهيرها من البيزنطيين الذين اضطروا إلى الفرار بحرا واسترد حسان المدينة ثانية. ثالثا :أعمال حسان الحضارية استقر األمر للمسلمين بالمغرب وبذلك يمكن اعتبار حسان بن النعمان المتمم للفتح اإلسالمي لبالد المغرب فقد أقام بالقيروان"ال يغزو أحدا وال ينازعه فبدأ بتجديد مسجدها ونظم اإلدارة المالية والجيش ودون الدواوين، ووزع الفقهاء لتعليم الناس أمور الدين، اإلسالم بين البربر الذين أقبلوا على اعتناقه في حماس منقطع النظير، كانوا بعد ذلك جندا مخلصين حملوا وجند منهم حسان جندا كثيرا حتى أصبح البربر كثرة في جيشه، وبذلك يرجع له األولى كان في مقدمته أحد زعماء البربر من قبيلة لواتة وهو هالل بن ثروان اللواتي، أمن ابني الكاهنة جعلهما على رأس القوات البربرية التي كانت معه، وقسمهم فرقتين كل فرقة ستة آالف، كفر من البربر، وبذلك يمكن القول بأن حسان أول من أعطى المغرب طابعه اإلسالمي. رابعا :بناء مدينة تونس بعد أن استقام األمر لحسان في إفريقية فكر في تأمين حدود المسلمين من جهة البحر؛ ألنه كان يتوقع أي هجوم من قبل البيزنطيين، وشاور الخليفة عبد الملك في ذلك فوافقه وطلب من أخيه عبد العزيز والي مصر أن يرسل إلى حسان ألف قبطي ممن لهم معرفة بصناعة السفن بأسرهم للمشاركة في تأسيس المدينة الجديدة التي ستكون قاعدة بحرية إزاء الروم، اختياره على قرية تسمى ترشيش، وأقام بها دارا لصناعة السفن ومسجدا جامعا، وكان إنشاء فضال عن أن بناء تونس، تتويجا ألعمال حسان في المغرب وحق للشيخ األمين كما كان يلقب أن يعود إلى المشرق ليقدم حسابا عن أعماله فرجع إلى دمشق لكنه لن يعود إلمارته مرة أخرى، وتولى المغرب خلفا له. ط والية موسى بن نصير ) 90 - 86 هـ/ 709 - 705م) أما سبب عزل حسان فقيل لخالفه مع عبد العزيز بن مروان والي مصر( أخو الخليفة وولي العهد ) الذي كان يتمتع بسلطات مطلقة ومسئوال عن إفريقية ووالتها على المغانم التي قدم بها حسان من المغرب فصادرها عبد العزيز، فلما وصل حسان إلى دمشق شكا للخليفة ما صنع معه أخيه فهدأ الخليفة من غضبه وأبدى استعداده لرده إلى عمله فأبى حسان وقال ":ال أتولي لبني أمية أبدا. حيث إن األهواء واألغراض الشخصية كان لها دور في المغرب بنفسه كان أخوه عبد العزيز والي مصر يرى أن له الحق في اإلشراف على إفريقية، على اعتبار أنها تابعة لمصر، فكأن عزل حسان عن المغرب كان نتيجة للمنافسة بين األخوين، فقد كان عبد العزيز ولذلك ذكرت المصادر أن عبد العزيز هو الذي عزل حسان عن المغرب على أية حال تم اختيار موسى بن نصير أميرا على إفريقية خلفا لحسان، وكان موسى عامال على العراق مع بشر بن مروان، لوال تدخل عبد العزيز بن مروان الذي فداه بماله ثم سعي في توليته إفريقية، وأمده بجيش فلما قدم موسى إفريقية وتسلم مقاليد األمور من أبي صالح مولى حسان ونائبه على البالد خطب خطبة بين فيها سياسته؛ وهي سياسة تتضمن عزما أكيدا على إتمام الفتح واصطناع الحذر والبدء بالعدو القريب قبل البعيد، 1( بالقضاء على جيوب المقاومة في البالد فأرسل سرية إلى قلعة زغوان فارس وهزمهم وقتل أميرهم وافتتح قلعتهم فبلغ سبيهم يومئذ عشرة آالف رأس، القيروان في والية موسى بن نصير . ثم أرسل سراياه في نواحي إفريقية، فغنم وسبى يرى على مسيرة أيام ويرى السحاب دونه وكثيرا ما يمطر سفحه وال يمطر أعاله وقال الشاعر يخاطب حمامة أرسلها الحميرى : 294 وعين عليها رجال منها بعد أن قدموا إليه رهائن من خيارهم، ثم غزا ووصل إلى نهر ملوية وقتل وسبى كثيرا منهم، وأرسل حملة تأديبية إلى منطقة سجوما وعلى رأسها أبناء عقبة بن نافع( عياض وعثمان وأبو عبدة )وكان يسكنها طوائف من البربر الذين اشتركوا مع كسيلة في قتل عقبة في تهوده فانتقموا منهم، وكان المغرب قد فتح معظمه ولم يبق منه سوى المغرب األقصى، الغرب خوفا من المسلمين فتتبعهم موسى فغنم وسبى منهم كثيرا، وأحدثت غزوات موسى هزة كبرى بين فأقبلوا يستأمنون المسلمين على أنفسهم ويستسلمون لهم ودخلوا في طاعتهم، وأناب موسى طارق بن زياد على طنجة وترك معه سبعة عشر داعية لتعليم البربر اإلسالم فتم إسالم أهل المغرب األقصى على أيديهم. الغزو البحري لصناعة السفن على مقربة من طنجة، المتوسط بقيادة ابنه عبد هللا الذي غزا جزر البليار، وسردانيا عادت محملة بالغنائم واألسرى، بل أقدم على فتح شبه جزيرة أيبيريا بعد أن اطمأن على سالمة خطوط مواصالته مع المغرب، لموسى أن يتم على يديه إخضاع المغرب كله ولم تستعص عليه سوى سبتة لمناعتها، "يوليان "الذي سيلعب دورا كبيرا في تسهيل مهمة فتح األندلس. وال نقول استولوا عليه أو احتلوه ألن هذه األوصاف ليست لها خاصية الديمومة واالستمرار وهو ما كان للفتح اإلسالمي؛ بل نعني البالد، قليل إلى مرحلة تجعلهم في مصاف الفاتحين، جزيرة أيبيريا، ألن استيفاء هذا فقد كان هذا الفتح من الفتوح الحاسمة التي استتبعت معها نتائج بعيدة األثر في تاريخ الشرق والغرب،