تكتسب قرارات المنظمات الدولیة أھمیتھا من السمة الأساسیة للمجتمع الدولي في وضعھالمعاصر وھي انتشار المنظمات الدولیة بكافة أنواعھا بحیث شملت بنشاطھا كافة مجالات الحیاة الدولیةبحیث تجاوزت في عددھا عدد الوحدات الإقلیمیة المتمتعة بوصف الدولة،في صورتھ الراھنة قانون الدول فحسب بل قانونھا وقانون المنظمات الدولیة خاصة بعد استقرار الرأيأخیراعلى الاعتراف لھذه الكائنات الجدیدة بالشخصیة القانونیة الدولیة.وبصرف النظر عن الخلاف الفقھي حول مدى اعتبار قرارات المنظمات الدولیة مصدرا لقواعد على خلفیة أن بعض الشراح یرى أن قرارات المنظمات الدولیة التي تتضمنأحكاما قانونیة یتولد عنھا التزامات دولیة تعتبر مصدرا جدیدا من مصادر القانون الدولي بینما ینكرآخرون ھذه الصفة على تلك القرارات بحجة أنھا صادرة عن أجھزة سیاسیة لحل منازعات ذات طابعسیاسي لا تصلح لخلق القواعد الدولیة فضلا أن المادة38من النظام الأساسي محكمة العدل الدولیة لمتشر إلیھا باعتبارھا أحد مصادر القانون الدوليكما أن مفاھیمھا تنقصھا الصیاغة القانونیة المطلوبة إذ یتضمن تعریفھا ومفھومھا عناصرمختلفة ومتعددة من قانونیة صرفة إلى سیاسیة بحتة مرورا ببقیة العوامل الاقتصادیة والاجتماعیة.كما أن وصف الإلزام المقترن بھا إنما ینبع من المعاھدة المنشئة للمنظمة وعلیھ فلا یعدو تطبیقھاأن یكون تطبیقا لتلك المعاھدة التي تعد مصدر صلاحیتھا لإنتاج آثارھا ومن ثم لا تعتبر مصدراكما لم تنص المادة21من النظام الأساسي للمحكمة الجنائیة الدولیة على اعتبارھا كمصدرللقانون الواجب التطبیق أمامھا وھو ما یدفع إلى التساؤل بإمكانیة التذرع بھذا السكوت لنفي صفةالمصدر عنھا كما وقع في مجال القانون الدولي العام ومد ذلك إلى القانون الدولي الجنائي ؟سبق وأن وضحنا بأن كل من المادتین38من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولیة والمادة21من النظامالأساسي للمحكمة الجنائیة الدولیة لم یوضعا لبیان مصادر القانون الدولي العام وكذا القانونالدولي الجنائي ومن ثم فسكوتھما على إغفال ذكر قرارات المنظمات الدولیة ضمن المصادر التي یستقيمنھا القانون واجب التطبیق أمام المحكمتین لا یعني بأي حال عدم اعتبار ھذه القرارات من ضمن ففي إطار القانون الدولي العام فإن الرأي المستقر ھو اعتبار قرارات المنظماتالدولیة والتي یمكن تعریفھا على أنھا الأعمال القانونیة الصادرة عن ھذه المنظمات بهدف منحالمخاطبین بھا بعض الحقوق وتحمیلھم بمجموعة من الالتزامات من بین مصادر القاعدة القانونیةوقد جاءت حجج المؤیدین لاعتبار قرارات المنظمات الدولیة كمصدر لقواعد القانون الدولي كردعلى حجج المعارضین حیث أنه من الرد على أن وصف الإلزام المقترن بھا إنما ینبع من المعاھدةالمنشئة للمنظمة وعلیھ فلا یعدو تطبیقھا أن یكون تطبیقا لتلك المعاھدة التي تعد مصѧدر صѧلاحیتھا لإنتѧاجآثارھا یرد الدكتور محمد سامي عبد الحمید إلى أنھ لیس ھناك ما یمنع من أن یعتمد أحد المصادر فيوجوده على مصدر آخر أعلى منھ دون أن یطعن ذلك في تمیز كل منھما عن الآخر،الاعتراف للمعاھدة بوصف المصدر إنما یرجع إلى القاعدة العرفیة القائلة بوجوب الوفاء بالعھد وعلىذلك لم یقل أحد بأن المعاھدات لیست بالمصدر المستقل للقاعدة الدولیة، وكذلك الأمر في الأنظمةالقانونیة الوطنیة حیث یتم الرجوع إلى النص على ذلك في الدستور ولم یتم إنكار صفة المصدر المستقلكماأن عدم نص المادة38من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولیة علیھا كمصدر بصدد تعدادمصادر القانون الدولي العام، فإن الأمر لم یكن مقصودا وأملتھ ظروف تاریخیة لازمت إعداد مشروعالنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولیة الدائمة حیث لم یتوقع واضعوا النص أن تكون مصدرا رسمیا منمصادر القانون الدولي في ظل سیطرة فكرة السیادة المطلقة، ولم تكن الدول تقبل بوجود مصدر خارج كما أن المنظمات الدولیة لم تكن قد انتشرت وتعددت ولم یكن لقراراتھاوقتھاأھمیة عددیة وعملیة كما أن عدم وجودھا ضمن المادة38/م یعیق المحكمة عن تطبیق قراراتصادرة عن إحدى المنظمات الدولیة في أكثر من حالة باعتبارھا مصدرا للقانون الدولي العام.ومن ثم باتت قرارات المنظمات الدولیة أو الكثیر منھا مصدرا رسمیا مكتوبا من مصادر القانون وھذا راجع إلى الازدھار الكبیر الذي عرفتھ ظاھرة التنظیم الدولي منذ الحرب العالمیة الأولىدفع إلى أن تساھم قرارات المنظمات الدولیة بقدر كبیر في إنشاء قواعد القانون الدولي العام وإن لم یردذكرھا ضمن المادة38من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولیة، ویستوي في مفھوم القرار حسب ھذاالرأي كل من القرار الملزم قانونا كما یشمل أیضا التوصیة متى قبلتھا الدول،ینزع عن ھذه الأخیرة صفة الإلزام القانونیة ویحتفظ بھا فقط لمجرد قیمة أدبية أو أنھا مجرد نصیحة أوونجد في الواقع أن قرارات المنظمات الدولیة تتمیز عن التوصیات الصادرة عنھا والتي یمكنتعریفھا على أنھا الأعمال القانونیة التي تقترح على المخاطبین بھا التصرف على نھج معین بصدد ومن ثم یبدوا الفارق بین التوصیات والقرارات حیث یكمن في الطابع الملزم للأولى وغیر إلا أنھ لا یمكن الاحتجاج بالطابع غیر الملزم للتوصیات للجزم بأنھا لا تعتبر مصدراللقانون الدولي العام لأنھا تكشف في أحیان كثیرة عن قواعد قانونیة دولیة مستقرة الأمر الذي یفرضاعتبارھا مصدرا ولو غیر مباشر لقواعد ھذا القانون، وفي إطار القانون الدولي الجنائي فإن العملالدولي یشیر إلى تمتع قرارات المنظمات الدولیة بأھمیة خاصة.فقد أنشأت المحكمة الجنائیة الدولیة لیوغسلافیا السابقة وكذلك المحكمة الجنائیة الدولیة لرواندا وكان لقرارات المجلس تأثیر كبیر في الأحكام الصادرة عن ھاتینالمحكمتین ونجد أن المادة13/ب من النظام الأساسي للمحكمة الجنائیةالدولیة تمنح مجلس الأمنمتصرفا طبقا للفصل السابع من میثاق الأمم المتحدة، السلطة في أن یحیل إلى المحكمة الحالات التيیبدوا فیھا أن جریمة دولیة أو أكثر من الجرائم الداخلة في نطاق اختصاص المحكمة قد ارتكبت.وعلى الرغم من ھذا الدور الھام الذي یضطلع بھ مجلس الأمن في إطار القانون الدولي الجنائيفإن المجلس لا یمكن أن یكون مشرعا جنائیا للجماعة الدولیة فھو لا یستطیع بقرار منھ خلق جرائم دولية وإنما قد یساھم بقراراتھ في الكشف عن القواعد القانونیة الحاكمة لجرائمموجودة بالفعل والإضافة إلیھا مننواح مختلفة، كما أن القرارات الصادرة عن الجمعیة العامة للأممالمتحدة تساھم دون الدخول ھنا في مناقشة مدى إلزامیتھا في تعریف الكثیر من الجرائم الدولیة وحسبناأن نشیر في ھذا الشأن إلى قراراھا رقم:3314الصادر في14دیسمبر1974والمتعلق بتعریفوالذي یساھم دون شك في إنشاء وتفسیر والكشف عن بعض القواعد القانونیة المنظمة لجریمةالعدوان كما أن قرارات بعض المنظمات الدولیة المتخصصة تساھم في تفسیر وتوضیح بل وخلقالقواعد القانونیة الحاكمة للجرائم الدولیة المتصلة بمجال تخصصھاوقرارات وتوصیات المنظمة الدولیة التي تلعب دورا كبیرا من حیث كونھا مصدرا لقواعدالقانون الدولي المستھدفة تأمین الملاحة الجویة الدولیة ومن ثم مصدرا للقواعد الدولیة المستھدفة تحقیق وإلى جانب منظمة الطیران الدولي التي تلعب دورا في إنشاء ھذهالقواعد وتجریم بعض الأفعال التي ترتكب على متن الطائرات وفي المطارات،منظمة الصحة العالمیة من خلال توصیاتھا التي تعتبر مصدرا لقواعد القانون الدولي المستھدفة مكافحة المخدرات، ومن ثم یرى بأن توصیاتھا تلعب دورا في مكافحة الجریمة ذات الطبیعة الدولية كونھ یعتبرجرائم المخدرات كجریمة ذات طبیعة دولیة.وقد تساھم المنظمات الدولیة في إنشاء قواعد القانون الدولي الجنائي من خلال إصدارھا لقراراتتلتزم بمقتضاھا باحترام بعض الالتزامات في مواجھة الدول والمنظمات الدولیة الأخرى التي تتعاملمعھا عند مباشرة اختصاصاتھا، وذلك شأن القرارات التي تتخذھا ھیئة الأمم المتحدة عند قیامھا بعملیاتحفظ السلام على أقالیم الدول والتي تتعھد بمقتضاھا بعدم إتیان مجموعة من الأفعال أثناء سیر ھذه