بعد أن أثبت أصحاب الاتجاه الاعتقادي وجود حقائق مطلقة يمكن الوصول إليها اختلفوا في الإجابة على السؤال التالي : ما هي وسيلتنا للوصول إلى تلك الحقائق؟ وما هي الأداة الموثوقة التي عن طريقها نصل إلى المعرفة؟ فجاءت إجاباتهم متنوعة متعددة، فمنهم من قال أن العقل هو وسيلتنا لتحصيل المعارف، ومنهم من قال بل الحس هو مصدر المعرفة لا العقل، ومنهم من جمع بين العقل والحس ومنهم من اعتمد على الحدس والتأمل الباطني، ۱) المذهب العقلي هو المذهب الذي يرى أن العقل هو مصدر المعرفة اليقيني، وأن الحقائق يتم إدراكها بالعقل وحده مستقلاً عن التجربة الحسية، وهذه القبليات هي نوع من المعرفة مستقل عن التجربة وحتى عن جميع الانطباعات الحسية (١)، وترجع جذور القول بالمعارف القبلية إلى أفلاطون، وكان سبب قوله بالقبليات تشكيك السوفسطائيين بوجود حقائق ثابتة والقول بأن المحسوسات في تغير مستمر، فسلم لهم أفلاطون بذلك، فقال أن النفس الإنسانية كانت موجودة في عالم المثل، ثم انتقلت إلى العالم المادي ونسيت ما شاهدته في ذلك العالم، فالمعرفة عنده عملية تذكر، وعلى هذا فهي معرفة قبلية، وتبعا لذلك فإن الإله عند أفلاطون لا يمكن أن يدرك بالحس بل بالعقل وحده لأن الإله هو مثال المثل، يقول: ولما كنا نستخدم الحواس منذ ولادتنا فلابد من حصول هذا العلم لنا قبل الميلاد، لابد أن يكون علمناً سابقاً بكل ما شاكلها من مفاهيم كالكبير في ذاته، ولابد أن نكون قد نسينا هذا العلم عند ميلادنا، ثم نعود لنتذكره عند رؤيتنا للأشياء الحسية وهذا هو الحل الممكن الوحيد لأن التجربة تظهرنا على أن كل البشر لا يدركون هذه المفاهيم التي أشرنا إليها، ولكنهم يصلون إليها بعد التجربة الحسية، فلابد أنهم يتذكرون علماً سابقاً لهم، فمن أين ستأتي إذن إلا من علم سابق لنا ولكنا نسيناه؟ ونتيجة هذا هو أنه لابد أن تكون أنفسنا قد وجدت قبل اتحادها مع البدن، ولابد أن تكون عند ذلك حائزة على وقد كان الهدف من إثبات القبليات أنها هي التي تضمن ثبات الحقيقة في ظل عالم المحسوسات المتغيرة، وأنها تشكل قاعدة تتلقى المدخلات الحسية الجزئية، وبالتالي فهذا يفسر بنظرهم تكون المعارف الكلية، ومن جهة أخرى تفسح لهم المجال لإثبات مجردات عن الحس موضوعياً كإثبات الله باعتباره لا يمكن أن يقع عليه الحس في وسيأتي بيان المشاكل الفلسفية التي ولدها القول فحاول أن يكشف عن السبيل الوحيد والصحيح للعثور على المعرفة اليقينية الصادقة، فابتكر منهج الشك الذي قوض به كل ما سبق أن سلم به، بدأ ديكارت بحثه في المعرفة بتبيين أصل الأفكار فقام