ويعد ذلك الأمر هو المبدأ الأساسي أو السمة العامة التي حكمت علاقة السعودية بالقضية الفلسطينية، في هذا السياق حرصت المملكة منذ البداية على أن يكون العنصر الفلسطيني هو العنصر الرئيسي في المواجهة مع تزويده بالحد الأقصى عام 1968 من كل أنواع الدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي. فقد كانت تلك القضية سببًا لأول خلاف جدي بين السعودية وبريطانيا عام 1938، حيث أصدر الملك عبد العزيز آل سعود آنذاك بيانًا رسميًا شرح فيه موقف حكومته من قضية فلسطين مؤكدًا أن أهل فلسطين وكثيرًا من العرب موقنون أن الحكومة البريطانية مصممة على تقسيمهم، وفي ضوء ذلك أرسلت المملكة جيشها مع الجيوش العربية تؤازرها طلائع قوات الجهاد إلى فلسطين للدفاع عنها ضد العصابات الإسرائيلية عام 1948، كما أرسلت المملكة معونات عسكرية عاجلة إلى الشعب الفلسطيني شملت ألف بندقية وخمسمئة طلقة لكل منها، كما تم تعزيز القوات العسكرية النظامية بمتطوعين سعوديين للجهاد في فلسطين. وبعد قيام إسرائيل على الأراضي العربية المحتلة وسلسلة الحروب التي شنتها ضد الدول العربية لاسيما حرب 1967، أدركت القيادة السعودية استحالة استمرار الأسلوب الذي تعاملت به الدول العربية خصوصًا «دول المواجهة» مع القضية الفلسطينية منذ عام 1948، كما أدركت أن عام 1967 ليس عام 1956 الذي لعبت فيه الولايات المتحدة الدور المحوري في إخراج القوات الإسرائيلية من سيناء وغزة وعودتها إلى ما كانت عليه قبل حرب 1956، ولا انسحاب دون ترتيبات تعاقدية تؤدي إلى إحلال الصلح بمعنى السلام الكامل وبانفتاح كامل وتداخل كامل، وعلى ضوء هذا الإدراك تبنت المملكة - لاسيما بعد مبادرة السادات والوضع الفلسطيني الضعيف - الحوار مع الرئيس كارتر، في حوار متواصل مع الإدارة الأمريكية التي طلبت أن يلتزم الجانب الفلسطيني بالقرارين 242 و 338 الأمر الذي رفضته بعض العناصر الفلسطينية آنذاك. على جانب آخر لعبت المملكة دورًا مهمًا أثناء الأزمات التي مرت بها القضية الفلسطينية لاسيما تلك المتعلقة بمشاكل السياسة العربية، ولقد وصلت هذه الاختلافات والمشاكل أحيانًا إلى درجة كبيرة من الحدة والتأزم وأدت إلى وجود توتر كبير بين دول المواجهة أو بين إحداها وبين القيادة الفلسطينية وبالشكل الذي هدد بترك آثار سلبية كبيرة على القضية الفلسطينية، وإزاء ذلك كانت المملكة دائمًا تبذل مساعيها الحميدة لاحتواء هذه الاختلافات ولتلافي التوتر بين الأطراف المعنية. واستمرارًا للجهود السعودية المتعلقة بالقضية الفلسطينية أعلن «ولي العهد السعودي الأمير فهد بن عبد العزيز» في السابع من شهر أغسطس عام 1981 مشروعًا للسلام. الموقف السعودي أثناء حكم الملك فهد يعتبر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز قضية الشعب الفلسطيني القضية المركزية للعرب والمسلمين ولذلك فإنه جعل من دعم كفاح هذا الشعب ومساندة قضيته العادلة ركنًا ثابتًا في السياسة الخارجية السعودية حتى أن المملكة وظفت مكانتها السياسية والاقتصادية وعلاقاتها الدولية لخدمة فلسطين والوقوف بجانبها في كل المواقف والأحداث التي مرت بها قضيتها. كما أمر الملك فهد بإرسال مساعدات عاجلة إلى الشعب الفلسطيني، ب ـ الدعم السياسي والدبلوماسي: استمر الدعم السياسي والدبلوماسي السعودي للقضية الفلسطينية مع تولي الملك فهد بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في المملكة وحتى اليوم، وتحولت إلى أول خطة سلام عربية لحل الصراع العربي - الإسرائيلي. وهو ما بدا واضحًا خلال قمة القاهرة التي عقدت في أكتوبر عام 2000، الى جانب ذلك أكد الأمير عبدالله في كلمته امام قمة القاهرة أيضًا أن «القدس الشرقية قضية عربية إسلامية، غير قابلة للتنازل والمساومة ولا يمكن بأي حال من الأحوال التخلي عنها»، كما دعا الأمير عبدالله إلى التوقف عن إقامة أي علاقات مع إسرائيل وإلغاء ما قام منها في ظل عملية السلام، وربط أي استئناف لهذه العلاقات بإحراز إنجاز حقيقي «ليس فقط على المسار الفلسطيني بل مسارات هذه العملية كافة»، وقد أشارت بعض المصادر إلى أن السقف السياسي لقرارات قمة القاهرة الطارئة عام 2000 حددته كلمة ولي العهد السعودي الذي حمل فيها بشدة على إسرائيل، قد وضحت بصمات المملكة في القرار الصادر عن القمة الذي أكد قطع العلاقات الدبلوماسية فورًا مع أي دولة تنقل سفارتها لدى إسرائيل إلى القدس. غير أن تبني الإدارة الأمريكية لموقف الحكومة الإسرائيلية قد أدى إلى نشأة حالة من التوتر بين الرياض وواشنطن-على حسب قول بعض المصادر- حيث كانت العاصمة السعودية تنتظر تدخلاً أمريكيًا لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وهو ما لم يحدث، ثم توجيه مجموعة من الرسائل إلى الإدارة الأمريكية تعكس عدم رضا المملكة عن سياسات الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية بل التلميح بإمكانية تأثير ذلك بالسلب على العلاقات بين الجانبين. المبادرة السعودية الجديدة ومؤتمر قمة بيروت في تحرك جديد للدبلوماسية السعودية وفي محاولة لتخفيف الضغط على الفلسطينيين وفي نفس الوقت الإعلان أمام الرأي العام العالمي والقوى الدولية أن العرب يرغبون في السلام تحدث الأمير عبدالله عن مبادرة سعودية مفادها الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة مقابل التطبيع العربي مع إسرائيل، وقد تجلت الخبرة السعودية في الحديث عن الإطار العام لهذه المبادرة من خلال الكاتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان الذي يعد أحد أكثر الصحافيين الأمريكيين تأثيرًا في الولايات المتحدة، وكتاباته تكاد تصل لكل مدينة أمريكية، وهو كاتب مؤثر وتقرأه النخبة السياسية الأمريكية والجمهور الواسع. وقد أشارت بعض المصادر إلى أن أهمية هذه المبادرة نبعت من كونها صدرت عن المملكة العربية وهي الدولة التي لها ثقل عربي وإسلامي كبير، كما أنها دولة لا تقيم أي علاقات رسمية مع إسرائيل، وفي محاولة لحشد التأييد العربي الشامل للمبادرة السعودية دعا الأمير عبدالله أثناء إلقاء كلمته أمام قمة بيروت الأخيرة أن تتقدم الجامعة العربية بمشروع عربي جماعي واضح إلى مجلس الأمن يقوم على أمرين أساسيين هما العلاقات الطبيعية والأمن لإسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين. وقد نجح الأمير عبدالله أثناء قمة بيروت في دفع الدول العربية إلى الالتفاف حول مبادرة سلام موحدة رحبت بها دول العالم إدراكًا منها لأهميتها، إذ أنها لم تكتف بتأكيد تمسك العرب بخيار السلام الاستراتيجي بل أوضحت هذا الخيار وجعلته ملموسًا ومحددًا، كما أن الأمير عبدالله دفع الدول العربية إلى توحيد كلمتها وتحمل مسئوليتها والتعاطي بواقعية مع الخطر الإسرائيلي المتعدد الجوانب مع قضية الشعب الفلسطيني من خلال تبني مبادرة مهمة يستطيع العرب الاستناد إليها بقوة لمطالبة الدول الكبرى بالعمل فعليَا لإحياء عملية السلام وتطبيق قرارات الشرعية الدولية. في ضوء تلك الجهود السعودية خرجت القمة بمبادرة سلام عربية شملت مطالبة إسرائيل بالآتي: 1ـ الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السورية وخط الرابع من يونيو 1967 والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان. 3ـ قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية. عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي: 1ـ اعتبار النزاع العربي-الإسرائيلي منتهيًا والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة. وضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة. السعودية والأحداث الراهنة في فلسطين إزاء الأحداث الراهنة في الأراضي الفلسطينية أكد ولي العهد السعودي الأمير عبدالله عقب انتهاء زيارته لدمشق بعد انتهاء أعمال قمة بيروت أن المملكة لن تتوانى عن الدفاع عن الفلسطينيين وعلى رأسهم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي وصفه الأمير عبدالله ب«أخي المجاهد». كما أصدرت كل من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بيانًا يطالبون فيه إسرائيل بالانسحاب الفوري من الأراضي الفلسطينية. بالإضافة إلى هذه الجهود السياسية والدبلوماسية عمدت المملكة عبر سفيرها في واشنطن الأمير بندر بن عبد العزيز إلى مخاطبة الرأي العام الأمريكي من أجل توضيح الحقائق أمامه إزاء ما يحدث في فلسطين، لكنه في الوقت نفسه أكد على تعاطفه مع الشعب الفلسطيني وغضب القيادة الفلسطينية بسبب «العدوان الإسرائيلي الإرهابي ضدهم». إلى جانب ذلك كان الأمير حريصًا على التفرقة بين حق المقاومة المشروعة لمواجهة المحتل والمغتصب للأرض الذي ينطبق تمامًا على الفلسطينيين وبين الإرهاب، بايقاف العنف في حين تقوم القوات الاسرائيلية بتدمير منشآته الامنية وتقتل وتحتجز ضباط الأمن التابعين له. وفي محاولة لإقناع الرأي العام الأمريكي بأن مصالح الولايات المتحدة باتت في خطر، حذر الأمير بندر من أن مصالح الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم باتت ضحية الاحتلال الإسرائيلي، من جهة أخرى أكد الأمير أن سياسة إسرائيل التي تعتمد على العنف في التعامل مع ثلاثة ملايين فلسطيني-ما بين مسلم ومسيحي- تهدد بشكل خطير مدى نجاح الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة ضد «الإرهاب» العالمي، وفي هذا السياق أكد السفير السعودي أن مواجهة مثل هذا الأمر إنما يكون من خلال إعطاء الأولوية لموقف موحد تجاه الإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. من جهة أخرى حرص السفير على تفنيد ما يروجه البعض من أن ما تفعله إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ أحداث 11 سبتمبر هو نفس ما فعلته الولايات المتحدة في أفغانستان، وبناء على القوانين الدولية فإن الولايات المتحدة محقة في الدفاع عن نفسها بعد الهجمات على مدينتي نيويورك وواشنطن، اذ انها هي من يمارس الارهاب ضد الشعب الفلسطيني.