في شوارع فلسطين التي مزقتها الحرب ، وسط أصداء إطلاق النار التي صمّت الآذان وصرخات صفارات الإنذار البعيدة، ظهرت أمل كمنارة للأمل, و حاولت الفرار الى عالمها السينفوني الخاص. عثرت على استوديو موسيقي مهجور مدسوسا بعيدا في زاوية منعزلة, لمحت فيه النوافذ المحطمة والجدران المتداعية إلى ماضي منسي، جذب انتباهها بيانو قديم محطم في الزاوية. ولكن شعرت بجاذبية حوله لا تقاوم . اقتربت أمل من البيانو وضغطت على مفتاحيه. فبدا اللحن الذي تدفق من أطراف أصابعها يمتلك حياة خاصة به. هدأ التوتر في جسدها، ونقلتها إلى عالم حيث كانت الحرب والحزن ذكريات بعيدة. رسمت الحانها صورا حية في ذاكرتها: أطفال يضحكون وسط الأنقاض، والمباني المدمرة تفسح المجال لهياكل جديدة نابضة بالحياة، والعلم الفلسطيني يلوح بفخر في مهب الريح. فنقلتها التهويدات الحلوة لطفولتها إلى وقت سلام ، قبل ان تمزق القنابل عالمها. وتحطيم الزجاج حطم سحرها الهش و اعادها الى واقع كل فلسطيني قد رأى الموت امام عينيه . وقلبها ينبض في كل مرة يرمي العدو انيابه الخبيثة, أصبحت موسيقاها منارة للضوء والمرونة. وجهه محفور بسنوات من الخبرة والحزن. قال العجوز بصوته الناعم والهادئ: عندي لك هدية ستملئ الغبطة في قلبك . علمها الموسيقي القديم كيفية توجيه مشاعرها إلى موسيقاها. قدمت أمل حفلات موسيقية سرية تحت الأرض, لتكون منارة أمل وسط الظلام. أصبح بيانو أمل سلاحا للمقاومة ، كانت شهادة على الروح التي لا تقهر للشعب الفلسطيني، تأكيدا على أنه في أحلك الليالي، يمكن للأمل ايجاد طريقة للتألق. اخترقت ألحانها الظلام، وموسيقاها دعوة إلى الرجاء. عندما وصلت الفوضى في الخارج إلى ذروتها ، ترددت ألحانها في الشوارع ، ملهمة الحياة في قلوب الذين طغت عليهم حياة الأسى, ولكن فرحها لم يدم طولا, بينما كانت أمل تؤدي عروضها في ساحة مزدحمة ، و موسيقاها ترتفع فوق قعقعة الأسلحة. عندما ضاعت أمل في أعماق السيمفونية الخامسة لبيتهوفن وقعت المأساة. ما أدى إلى تحطيم بيانو أمل إلى ألف قطعة. كانت الآلة النابضة بالحياة في يوم من الأيام في حالة خراب، وأحلامها تنهار حولها. لكن روح موسيقاها تركت علامة لا تمحى في قلوب شعبها. احتشدوا معا مصممين على إصلاح آلتها المحطمة وإعادة بناء أحلامهم المكسورة. أصبحت موسيقاها رمزا لمرونتهم، ورفضهم إسكاتهم بسبب الحرب والقمع . أدركت أمل القوة الحقيقية للموسيقى. وصلت رسالة فلسطين الحرة إلى ما وراء حدود وطنها الذي دمرته الحرب. مما ألهم عددا لا يحصى من الناس للانضمام إلى الكفاح من أجل العدالة والحرية. أصبحت موسيقى أمل شهادة على قوة التغيير الدائمة، جاء الناس من جميع مناحي الحياة لسماع مسرحيتها ، وانجذبت قلوبهم إلى المشاعر الجياشة التي تدفقت من البيانو. أعطت موسيقاها صوتا لمن لا صوت لهم، مما جلب الراحة للقوة المكسورة في قلوب المرهقين. ترددت ألحان أمل عبر الأنقاض، حاملة معها مستقبلا واعدا كمنارة للضوء ،