تعريف الأخلاق] والطَّبع، والمروءة، والدِّين. تَصدُر عنها الأفعال بِسهُولة وُيسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة، "وفي التنزيل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4]، والجمع أخلاق، والطبعُ، والسجيةُ" (2). وأمَّا علم الأخلاق: والمعنى أننا إذا أطلقنا كلمة الأخلاق إنما نعني بها الحسن، وكذلك من الممكن أن نقول: الأخلاق الذميمة أو السيئة. ومن الواضح أن إضافة كلمة بعد كلمة الأخلاق نصف بها الأخلاق يجعلها حسب ذلك الوصف الحسن أو السيء، والإسلام يدعو إلى الأخلاق الكريمة، موضوع الأخلاق] وعلاقتهِ مع نفسهِ، وعلاقته مع غيرهِ من بني جنسه، وما يحيطُ به من حيوانٍ وجمادٍ. الفرق بين الأخلاق والصفات الإنسانية] كيف نميز بين الأخلاق، والسلوك الإنساني، فِطريَّةٌ كانت أو مكتسبة، فهل كل صفة مستقرة في النفس تُعدُّ من الأخلاق؟ لأنَّ منها غرائز لا صلة لها بالأخلاق، وبذلك يتميز الخُلُق الحسن عن الغريزة. فالأكل مثلا غريزة، لكن لو أنَّ إنسانَا أكلَ زائدًا عن حاجته الغريزية، صارَ فعله مذمومًا، وهو الطمع، وعكس ذلك أثر لخلق في النفس محمود، وهو القناعة. كذلك فإن مسألة حبّ البقاء ليست محلًا للمدح أو الذم في باب السلوك الأخلاقي، لكن الخوف الزائد عن حاجات هذه الغريزة أثر لخلق في النفس مذموم، وهو الجبن، أما الإقدامُ الذي لا يصلُ إلى حد التهور، فهو أثر لخلق في النفس محمود، وهو الشجاعة. وهكذا سائرُ الغرائزِ والدوافع النفسية التي لا تدخلُ في باب الأخلاق، إنَّما يميزها عن الأخلاق كون آثارها في السلوك أمورًا طبيعية ليست مما تُحمد إرادة الإنسان عليه أو تذم (1). أنواع السلوك الإرادي للإنسان] عند التأمل نلاحظُ أن كثيرًا من أنواع السلوك الإرادي للإنسان، ومن ذلك: 1 - الاستجابة للغريزة كما سبق بيانه. 2 - الآداب الشخصية أو الاجتماعية: كآداب الطعام والشراب والنظافة والنظام والأناقة وإصلاح مظهر الجسد احترامًا لأذواق الناس، 3 - التقاليد إلاجتماعية، فالسلوك نابعٌ من طاعة تقاليد المجتمع. لذا ينبغي التفريق بينهما فالخلق المحمود: صفة ثابتة في النفس فطرية أو مكتسبة، تدفع إلى سلوك إرادي محمود عند العقلاء. ويمكن أن نُميز الأخلاق الحميدة عن غيرها بأنها: كل سلوك فردي، مهما اختلفت أديانها ومذاهبها وعاداتها وتقاليدها. والخلق المذموم: صفة ثابتة في النفس، فطرية أو مكتسبة، تدفع إلى سلوك إرادي مذموم عند العقلاء. أو اجتماعي، تلتقي النفوس البشرية على استقباحه، فالإسلام له أركان خمسة، 1 - الصبر. 2 - العفة. 4 - العدل. فالصبر: يحمله على الاحتمال وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم والأناة والرفق، وعدم الطيش والعجلة. وتحمله على الحياء، وهو رأس كل خير، وتمنعه من الفحشاء، والبخل والكذب، والغيبة والنميمة. وتحمله على كظم الغيظ والحلم. وعلى خلق الشجاعة، 4 - الغضب. والنقص كمالًا. فيغضب في موضع الرضى، ويجهل في موضع الإقدام، والجشع، والعفة، والكرم، وغير ذلك. وهي سوء الأدب، كالكذب، والخسة، أقسام علم الأخلاق] والنظري هو المسمى بـ "فلسفة الأخلاق"، أو "علم الأخلاق النظري". وأما علم الأخلاق العملي فهو العمل الذي هو موضوع العلم العملي، كالصدق والعدل ونحوهما؛ ويمكن اعتبار القسم العملي "فنًا" أي: عِلماً تطبيقياً بالنسبة للقسم النظري. مصادر الأخلاق] المسلمون يستقون مصادر الأخلاق من القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، وليس للبشرية أيضاً بديل عن هذين المصدرين. وميراث زاخر من الأخلاق المستمدة من الشريعة الإسلامية الغراء مما يغني عن الأعراف أو التقاليد، وكل دولة تُربي شعبها على الأخلاق التي تريد، فما نعتبره نحن حسنًا قد يعتبره آخرون قبحاً، فنحن مثلًا نعتبر العفة في الفتى وفي الفتاة خلقاً كريماً، ينبغي أن يُربى وينمى ويحافظ عليها، وهذه العفة شذوذ عند العالم الأوربي والأمريكي، والحياء والستر عندنا خلق كريم، بينما هو في المجتمع الغربي كبت وتقييد ذميم. كذلك بعض الغرائز غير معترف بها عند (النظام الشيوعي)، فهو يرى أنها انحراف فطري، ينبغي أَن تُحارب، مثالُ ذلك المِلكيةُ الخاصة، فالنظامُ الشيوعي لا يعترفُ بهذه الغريزةِ، ويعتبرُها انحرافًا فطريًّا، ينبغي أن حارب، ولا مانع من أن يستغل الآخرين لتحقيق هذه الغاية. فالشعوبُ ليسوا بمنزلةِ واحدة في نظرتهم إلى الأخلاق، وأسبابُ اختلاف هذه النظرة عندهم تعودُ إلى الأهداف، فلا بد أن يصبغَ الشعب بصبغة معينة، فكلُّ حكومةِ ترى أن تُربي أبناءَها بأنواعٍ من التربية، ولذلك تضع مناهج التعليم، ومن خلال مناهج التعليم تصنع مناهج تربوية، فمواصفاتُ هذا المواطن ينبغي أن تكون بهذه الصفات؛ ولذا نجد بعض الدول تعتني بالمعلم لأنه مهندس الإنسان، فهو أغلى شيء عندهم أغلى من المال، ومقدم على كل شيءِ، وكل سلطةِ تريد أن تبني الناس بناء على مرادها وهواها تقوم بذلك" (1). وعلى الصعيد الشخصي إذا كان لك هدف معين فأنت تبني نفسك بما يتلاءم مع هذا الهدف، بمعنى أن تتخلق بأخلاق تتناسب مع الهدف الذي تريد الوصول إليه. وهدف الإسلام يختلف عن ذلك كله، فمن مراده أن يُعبد وحده لا شريك له. وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} [النحل: 36]. فهدفُ الإسلامِ هو تكوينُ الفرد الصالح، وهو عبارة عن أعمال يتربى عليها الإنسان، ودينه، ومع من يحيط به من بني البشر، بل جميع الخلق. فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه، وهَديه ولسانه وبصره ويده (1). أولًا: القرآن الكريم: والآيات في ذلك كثيرة: قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)}[النحل: 90]. وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} [الأعراف: 33]. ونظائر هذه الآيات كثيرة في كتاب الله تعالى، وكلها من مصادر الأخلاق. والرسول - صلى الله عليه وسلم - هو أول من تخلق بأخلاق القرآن الكريم وألزم نفسه بآداب القرآن، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كانَ خُلُقُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - القرآن (1). فصارَ امتثالُ أمرِ ربهِ خُلُقًا له وسجيَّةَ، صلوات اللهِ وسلامهُ عليه إلى يومِ الدينِ" (2). قال إبراهيم الحربي: ينبغي للرجل إذا سمع شيئًا من آداب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتمسك به (1). ولذا حرص الصحابة -رضوان الله عليهم- واهتموا وتابعوهم اهتماماً كبيرًا وتخلقوا بالأخلاق الحسنة مستندين في ذلك إلى ما جاء في كتاب الله -سبحانه وتعالى- وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فهم قدوتنا وسلفنا الصالح في الأخلاق. وكانت توجيهات القرآن تلاحقهم، وتزكي القلوب، كانوا أفضل الأمة، أبرها قلوبا، وأعمقها علماً،