الإنسان بطبيعته وفطرته الاجتماعية يهدف إلى أن يحيا وسط جماعته بحثاً عن سبل للعيش والاستقرار، ومن أجل تلبية حاجياته اليومية المتزايدة والمتكررة، سلك سبل التعاقد وفق أنماط وأشكال متعددة، عرفت الكثير من التطور من حيث قواعدها وأحكامها، وقد سايرت التشريعات بمختلف مشاربها ومدارسها -باعتبارها الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تحقق نوعا من التوازن بين المصلحة العامة، وبين المصلحة الخاصة لأفراد المجتمع- كل هذه التطورات، من خلال تقرير مبادئ وأحكام عامة وتفصيلية، تضبط العملية التعاقدية عبر جميع مراحلها، لضمان الوصول بها إلى مقاصدها المشروعة. ويقصد بالعقد لدى الغالب من التشريعات والفقه، توافق إرادتين أو أكثر من أجل إحداث أثر قانوني؛ وهو بهذا المعنى ذو شقين، شق يتعلق بتكوينه، وشق آخر يتعلق بتنفيذه، فإذا تحقق الشق الأول، وانعقد الاتفاق صحيحا نافذا لازما، بأن توفرت له أركانه وشروط انعقاده، ولم يتعلق به ما يجعله غير نافذ أو غير لازم، انتقل إلى شقه الثاني، ليرتب كامل آثاره القانونية؛ سواء كان المقصود منها إنشاء التزام، أن العقد بمجرد نشوئه صحيحا، تجعله واجب التنفيذ بالنسبة لطرفيه، بحيث لا يمكن الرجوع عنه أو تعديله إلا باتفاقهما معا، أو إذا نص القانون على ذلك لسبب من الأسباب التي يقررها، تظهر قاعدة نسبية آثار العقد من حيث الأشخاص، التي تقضي بأن هذه الآثار تنصرف أصالة في حق المتعاقدين، البحث في موضوع آثار العقد بالنسبة للأشخاص، نظرا لأهميته العملية بين الناس، باعتباره يمثل جزء من نظرية العقد جوهر نظرية الالتزام. وهذه الأهمية كرستها التشريعات الحديثة في قوانينها المدنية، من خلال تنظيم أحكام آثار العقد بالنسبة للأطراف المتعاقدة، وحتى الغير الخارج تماما عن العلاقة التعاقدية؛ وقد سعت هذه التشريعات من وراء هذا التنظيم القانوني، إلى وضع قواعد تضمن التنفيذ الأمثل للعقد، وتجنب أفراد المجتمع الخلافات المستقبلية، التي قد تثور بشأن تحديد دائرة الأشخاص الذين يتوجب عليهم تحمل آثاره.