في الكتاب الأخير للتنافسية الدولية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية بسويسرا تم تصنيف حكومة الإمارات الحكومة الأكثر كفاءة عالميا. ولا أذيع سرّا عندما أقول إن السبب الرئيسي لتفوق أدائنا الحكومي هو أننا خلال سنوات طويلة لم نتعامل مع مؤسساتنا الحكومية على أنها جهات حكومية بل على أنها مؤسسات خاصة تنافس القطاع الخاص وتعمل بنفس عقليته، وتقاس أعمالها وخدماتها بنفس معاييره، بل ذهبنا أبعد من ذلك وبدأنا نقيس سعادة المتعاملين معنا ونصنف مراكز خدماتنا وفق أنظمة النجوم الفندقية المتعارف عليها عالميا. ولعلنا نناقش ذلك بشيء من التوسع في القمة الحكومية القادمة. ولكن شركات القطاع الخاص تمر بدورات في أعمالها، ثم يأتي من ينافسها ويطلق منتجات أفضل من منتجاتها، السؤال هو: هل يمكن تطبيق نفس التفكير على الحكومات؟ هل تشيخ الحكومات والدول وتتأخر مع مرور الزمن؟ هل تبدأ قوية وتكبر ثم يأتي من يزيحها من مراكزها فتتراجع ويقل نموها حتى تخرج من دائرة المنافسة؟ لا أعتقد أن أحدا يمكن أن يختلف معي في الإجابة: نعم الحكومات تشيخ، ولنسأل أنفسنا كيف استطاعت البقاء في المنافسة؟ وما هو السر في طول شبابها وتجدد طاقاتها؟ نسأل هذا السؤال حتى تبقى دولنا وشعوبنا أيضا ضمن سباق التنافس الدولي، أو لنقل لتبقى في سباق الحضارة الإنسانية وضمن تاريخ الأمم والشعوب التي تشكل العالم اليوم وتصوغ مستقبله. فقد خلقنا الله لعمارة هذه الأرض، وركب فينا سبحانه من الذكاء والقدرات الذهنية والدوافع النفسية ما يجعلنا صالحين ومؤهلين لهذه المهمة العظيمة، ولو لم يبتكر الإنسان الإنترنت أو الهاتف الذكي لما وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم. سرّ تجدد الحياة وتطور الحضارة وتقدم البشرية هو في كلمة واحدة: الابتكار! وأستغرب من بعض الحكومات التي تعتقد أنها استثناء من هذه القاعدة. أو شيئا دعائيا، الابتكار في الحكومات هو سر بقائها وتجددها، وهو سر نهضة شعوبها وتقدم دولها. وفي دراسة لجامعة أكسفورد تبين أن 47% من الوظائف الحالية في جميع المجالات الرئيسة ستختفي بسبب التقدم التقني والتكنولوجي، حيث ستحل الأجهزة محل البشر وذلك خلال عقد من الآن فقط! والسؤال هو: كيف نجهز أجيالنا وأبناءنا لذلك الوقت؟ وكيف نعد دولنا للمنافسة ليس الآن ولكن بعد عقد أو اثنين من اليوم؟ وإلا فإننا نخاطر كحكومات بأن تتأخر شعوبنا وتتأخر نهضتنا، أو بكلمة أخرى أن تشيخ دولنا. وعندما تشجع البيئة على الإبداع والابتكار تنطلق طاقات الناس نحو آفاق جديدة، ويصبح تحقيق أحلامهم وطموحاتهم ممكنا، وهذا أحد أسرار نجاح الدول التي تشجع شعوبها على الابتكار. الحكومات المبتكرة هي حكومات جاذبة للمواهب، فعالة في الأداء، الحكومات المبتكرة تطلق طاقات الشعوب،