يمتاز العمل الهندسي بالتمازج الكبير الذي يحدثه مع المجتمع كله من حوله مهما كان المجال الذي يُصب فيه هذا العمل سواء كان معماريا او ميكانيكيا او كهربيا وهو يبدا وينتهى مستعينا خلال ذلك بمعظم فئات المجتمع الأخرى التي تشارك المهندس بطريق مباشر أو غير مباشر في إنجاز عمله من عمال و مقاولين واقتصاديين إلى قانونيين ومحاسبين . ولابد بطبيعة الحال أن يكون هناك إطار عام من العرف والقانون ينظم العلاقة بين المهندس من جهة وبين هذه الفئات التي تعمل معه بالإضافة إلى باقي أفراد المجتمع الذين يتناولون المنتجات الهندسية - من جهة أخرى ، ولقد بدا تطوّر العرف والقانون الهندسيين منذ كانت الهندسة ومنذ بدا المهندسون الأوائل يزاولون مهنتهم فقد تعامل فراعنة مصر القديمة مع المهندسين الذين قاموا بتصميم أهراماتهم ومعابدهم من خلال مجموعة من القواعد السلوكية التي يمكن اعتبارها القانون الأول المسئولية المهندس واذا كانت الأبواب السابقة من هذا المؤلف قد ألقت الضوء على اهمية مسئولية المهندس وخطورتها تجاه متابعة التطور العلمي والتكنيكي و تجاه محاولة نشره أيضا بشتى الطرق والوسائل ليخدم اكبر عدد ممكن من البشر ويسهم في دعم التقدم العلمى والتكنيكي ويطوّر في أجهزته وامكانياته الهندسية ليواصل بالتقدم مسيرته العظيمة من أجل خدمة الإنسانية ورفاهيتها فإن هذا الفصل ينفرد بشيء يسير من الاسهاب في تبیان تلك المسئولية ويمكننا أن نقسم مسئولية المهندس العامة إلى جانبين رئيسيين : أولهما مسئولية المهندس في حفظ العلم الهندسي الموجود لديه وتفهمه كاملاً والعمل الدائب من أجل تطبيقه في افضل الصور . والثاني هو مسئوليته في تنمية هذا العلم الهندسي وفيما يختص بالجانب الأول من المسئولية نجد العديد من القوانين والنعد الت. وضعتها المجتمعات لتحاسب على أساسها المهندسين عند 177 / 132 رق المجتمع ولنضرب مثالاً لخطوط الانتاج بالمصانع مهندس الانتاج مسئولاً عن حسن سير العمل بخط الانتاج فإذا حدث واختل نظام سير هذا العمل نتيجة لقصور في الإدراك الهندسي للمهندس أو نتيجة للاهمال والتقصير فى الاداء الواجب المتطلبات الانتاج يُصبح من حق المجتمع أن يحاسب المهندس ازاء قصوره او تقصيره ومثال آخر في مجال البناء والتشييد حين يقوم المهندس الإنشائي بعمل الحسابات والتصميمات الهيكل مبنى ثم يحدث أى خلل او انهبار به بعد فترة - قصرت أو طالت - نتيجة لخطأ فى الحسابات أو التصميمات التي اضطلع بوضعها وتظهر التحقيقات والتحليلات بعد ذلك أن الخطأ كان نتيجة قصور كبير في عمل المهندس ومستوى دقته ، فيصبح المجتمع عندئذ هو صاحب الحق الأكبر فى محاسبته ازاء الأرواح البريئة التي أزهقت والأموال التي أهدرت اما الجانب الثاني وهو مسئولية المهندس في تنمية العلم الهندسي الموجود لديه . فإن تعامل المجتمع مع المهندس في هذا يكون من خلال حوافز إيجابية يكافىء بها جهد الذين يبتكرون ويبدعون تصميمات جديدة تساهم في حل ما يواجهه المجتمع من مشاكل التنمية الاقتصادية . إلا أن القانون بوجه عام لا يتطرّق من قريب أو بعيد إلى الجانب حيث يترك للمجتمع عملية التقدير الإيجابي ، بينما ينص الثاني صراحة على الجزاء : كما يسأل عن الضرر الناشيء عن فعل يرتكبه » . أولا : المسئولية القانونية للمهندس وحيث أن مسئولية المهندس أمام القانون قد استوفت حقها من البحث بالنسبة للشئون القانونية فسنقصر حديثنا هنا على المسئولية المدنية وتحديدها في أبسط صورها دون ما حاجة للإسهاب والتفصيل وسنتخذ من مسئولية كل من المهندس المعماري والمهندس المدني ) الإنشائي ( امام القانون موضعاً لدراستنا وتحليلنا وامثلتنا ومنهما يمكن التعرف على المسئولية المدنية لباقى تخصصات المهندسين الذكر انه عند بداية أى عمل هندسي يوقع المهندس عقدًا 177 / 133 مسئولاً عما يلى : ا - إنجاز العمل الذي التزم بالقيام به ثم تسليمه بعد إنجازه في موعده المحدد حسب الشروط . - إدارة العمل والإشراف على تنفيذه ومراجعة حسابات المقاول - ضمان سلامة العمل بعد تسليمه . 1 - واجبات المهندس وحقوقه نستعرض الآن بإيجاز ووضوح حقوق وواجبات المهندس المعماري لأنها مثال جيد في التعرف على حقوق وواجبات المهندسين بصفة عامة مع اختلاف ظروف العمل فالمهندس المعماري هو المسئول الأول عن أعماله لانه صاحب الفكرة العامة وواضع التصميم الشامل للمنشأ وهو دائما في مواجهة صريحة مع المسئوليات التالية : ا - أخطاء التصميم والحوادث الناجمة عن هذه الاخطاء . ۲ - دراسة ارض الموقع وفحصها من جميع الجوانب الفنية مثل دراسة التربة ومدى تحملها . الخ . ۲ - دراسة طبيعة وخواص المواد التي أشار باستخدامها وصلاحيتها للاستعمال في الغرض الذي خصصها له في تصميمه إلا انه لا يسأل عن مخالفات المقاول لذلك . الحوادث التي تنجم عند تنفيذ التصميم الذي وضعه وعليه أن يلفت نظر المقاول إذا كان تنفيذ تصميمه محتاجا لمهارة غير عادية و تستدعى اتخاذ احتياطات خاصة لحماية العمال والجمهور २ متابعة كل تعديل يطرا على البناء فالمهندس المعماري سيد العملية وله من النفوذ الأدبى والفنى ما يكفل له الدفاع عن فكرته والاعتراض على أية تعديلات يجريها المقاول او العميل فيها كما أن له تقديم المشورة والراى للقائمين بتنفيذ العمل ومباشرته بكامل صلاحياته ب - النصوص القانونية التي تحكم عمل المهندس : تضع المجتمعات القوانين لتحميها وتنظم العلاقات بين افرادها ويجب على الذين ينضوون تحت لوائها أن يكون لديهم حد أدنى من الإلمام بالقوانين والنظم فيها ، والمهندس بالذات عليه ان يلم بالقوانين الخاصة بعمله حتى يتفادي الوقوع في الاخطاء بسبب الجهل بالقانون حيث لا يعفيه الجهل من مسئوليته . وفيما يلى بعض النصوص القانونية التي تخص المهندس المعماري كمثال واضح يسهل تصوره : مادة ( ٦٥١ ) وتنص على : 134/177 المهندس المعماري والمقاول متضامنين ما يحدث خلال عشر ن تهدم كلى أو جزئي فيما شيداه من مبان او اقاماه من منشآت ثابتة اخرى وذلك ولو كان التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها أو كان رب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة ما لم يكن المتعاقدان في هذه الحالة قد ارادا ان تبقى هذه المنشآت مدة أقل من عشر سنوات » . ٢ - مادة ( ٦٥٢ ) وتنص على : إذا اقتصر المهندس المعمارى على وضع التصميم دون أن يكلف بالرقابة على التنفيذ لم يكن مسئولاً إلا عن العيوب التي انت من التصميم » - مادة ( ٦٥٣ ) وتنص على : يكون باطلاً كل شرط يقصد به إعفاء المهندس المعماري والمقاول من الضمان » . - مادة ( ٦٥٤ ) وتنص على : تسقط دعاوى الضمان المتقدمة بانقضاء ثلاث سنوات من وقته حصول التهدم أو انكشاف العيب » . ح - نماذج من المسئولية القانونية للمهندس ويبدو من الضروري أن نمر على مجموعة من النماذج توضح مدى جسامة المسئولية الملقاة على عاتق المهندس والأمثلة في هذا المجال كثيرة إذ أن كل عمل هندسي هو في حقيقة أمره مثال لمدى نجاح أو فشل المهندس في تحمل مسئولياته والنماذج التالية من واقع العمل الهندسي تتعرض لتحديد مسئولية كل من المهندس المدني والمهندس المعماري كما تناقش ايضاً مدى تداخل هذه المسئولية مع الأفراد والفئات التي ساهمت بجهدها مع المسئولين عن العمل : اذا استحال کشفه ۲ - مسئولية المهندس عن عيوب البناء التي تنشأ من تقلبات الجو : يكون المهندس مسئولاً عن ذلك حين تحدث العيوب نتيجة لتقلبات الجو العادية . اما تقلبات الجو غير العادية وغير المنتظرة أو المتوقعة فتعتبر من قبيل القوة القاهرة التي لا يسأل المهندس عن العيوب الناتجة بسببها - مسئولية المهندس عن العيوب التي تنشأ عن زيادة الارتفاع ومخالفة القوانين الخاصة بالتنظيم : دس مسئولاً عن العيوب التي ترجع إلى مخالفة الأصول 177 / 135 خالفة القوانين واللوائح التي تنظم اعمال البناء والإنشاء مسئولية المهندسين الاستشاريين والإنشائيين عن العيوب التي تظهر في البناء الذي أقيم أو المنشآت الثابتة : حينما يختار صاحب العمل مهندسا إستشاريا أو مهندسا إنشائياً أو غيرهما من المهندسين للتعاقد معهم فإن العلاقة بينه وبينهم تكون مباشرة ويسأل كل منهم أمامه عن خطئه ، أما إذا اضطلع المهندس المعماري بهذا الاختيار فإنه يسأل عن أخطائهم إلا إذا ثبت أن من اختارهم معروفون بالكفاية والخبرة ، وحين يتعدد المهندسون المعماريون يلتزم كل منهم بالضمان في حدود العمل الذي قام به . ثانيا : المسئولية الاجتماعية للمهندس بيد اننا نجد امامنا نوعا آخر من المسئولية الملقاة على عاتق المهندس بصفته عضوا في المجتمع . وهي بالضرورة أكبر في حجمها من المسئولية القانونية وتتطلب ضميرا هندسيا حيا يكفل لها سلامة التطبيق والاستمرار ، وتعتبر المسئولية الاجتماعية ترجمة حقيقية لدور المهندس في تنمية العلم الهندسي بما يلائم مجتمعه و ابعاد تطبيقاته الجديدة وهنا يكمن الفرق بينها وبين المسئولية القانونية. ا - طبيعة المسئولية الاجتماعية للمهندس تختلف المسئولية الاجتماعية للمهندس كثيرا عن مسئولياته القانونية وتتوقف طبيعة هذه المسئولية الاجتماعية على العناصر الأربعة التالية : 1 - الظروف العامة للمجتمع : فالمجتمعات النامية مثلاً تتطلب قدرًا كبيرًا من الاقتصاد في النفقات ومزيدا من التقشف كما ان الامكانيات والأجهزة والأدوات المتاحة للمهندسين في الدول المتقدمة تكنيكياً لا تتوافر لدى مهندسي الدول النامية إلا أن ذلك لا يعنى في حد ذاته وقوف المهندسين مكتوفى الأيدى ازاء امكانيات مجتمعهم المحدودة ، بل إنه يتطلب منهم العمل بصدق وحماس من اجل قطع مسافة التخلف الزمني في اقصر فترة ممكنة ، كما يقتضى أيضاً أن يعبى مهندسو الدول ١٠١١ ة مودهم من أجل استخدام المواد المحلية المتوافرة لديهم 177 / 136 وف التي تتيحها لهم طبيعة بلادهم وسف المسئولية الاجتماعية للمهندسين في البلدان المتقدمة عنها في النامية حيث تتطلب ادراكهم الكامل بطبيعة العمل الذي يقومون بتأديته ودرجة خطورته ومدى ما يمثله من ثقل في التأثير على المجتمع الدولي وهذا بالطبع قد يؤدى لاقناعهم بعدم المشاركة في صنع ٤ ظروف خاصة أخرى :