المقطع 16 من روايXO صمتت أسيل قليلا بعدما طلب خالد منها أن تحدد له نسبة مخزونه من الذكاء ثم نظرت إليه وتأملته كثيرًا، ثم أمسكت برأسه وأمسكت ثنية من جلده بين إن مخزونك الآن لا يتعدى ستمائة وخمسين وحدة. وقد يكون ستمانة فقط بعد استنزافك الكثير من الوحدات في تفكيرك. - وكم يتبق لامرأة الحاكم حتى تضع مولودها؟ - أعتقد أنه يتبقى شهران وعشرون يوما أكثر أو أقل بأيام. - هل سيستغرق حفره عشرين يوما فقط؟ وإن شئت أحضرت هؤلاء العمال من الغد. وطال صمته تلك المرة ثم نظر إلهم فوضع وجهها بين كفيه برقة - أريد أن أكون وحدي يا أسيل. عليك أن تعودي إلى المسكن مع يا من الآن. ثم نظر إلى إياد وشكره على تفكيره في إيجاد الحل له. والتي ظلت تتلفت وهي تسير مبتعدة عن خالد، وتنظر إليه حيث يجلس وكأنها لم ترد أن تفارقه حتى اختفى عن نظرها. بينما جلس هو على صخرة عريضة أمام السور. ينظر إليه ويفكر فيما أخبره به إياد ويتحدث إلى نفسه. إما البقاء في زيكولا أو العودة إلى بلده. ويسأل نفسه هل يجد ذلك السرداب حقا إن عبر هذا السور أم أنه سراب سيظل يطارده. - انت شايف إن فيه حل تاني ؟ . زي ما قلت قبل كده مبقاش فاضل غير المجازفة. ترجع بلدك ومعاك مية وحدة ذكاء بس. لو وافقت على اللي قاله إياد لازم تحس بلذة اللحظات دي. لأنها ممكن تكون آخر لحظات ذكاء تعيشها. وتذكر جده حين كان يبتسم ويداعبه صغيرًا. حتى كبر وعاد إليه يوما بعدما لم يجد وظيفة الذكي مبيختلفش عن الغبي كثير. يشعر كم اشتاق إلى جده، وإلى رؤيته ويعلم أنه لم يشغله عن التفكير به سوى سعيه للعودة إليه من جديد. وينظر إلى السور ويحدثه بصوت هامس أنت الحاجز الوحيد بيني وبين اللي بحهم. ثم نظر إلى البيت الذي يسكنه الخادم - وانت الحل الوحيد اللي هيخليني أشوف اللي بحهم. ثم أمسك برأسه ومرر شعره بين أصابعه وتحدث - أصعب قرار بحياتي. هتقرر إيه يا خالد؟ هتقرر ايه؟ وظل هكذا لا يتوقف عقله عن التفكير. وبدأ خيط النهار يظهر. فنهض واتجه إلى المسكن الذي يسكن به يامن وأسيل. وما إن وصله حتى دلف إلى غرفة يا من فوجده نائما، فلم يستيقظ فنكزه بيده حتى فتح عينيه. فنهض يامن وجلس على سريره فاتحا عينيه بصعوبة. سأعبر سور زيكولا من خلال النفق. لقد أخبرنا إياد أن حفر ذلك النفق سيستغرق عشرين يوما. وسيعطينا ذلك الخادم البيت حتى يوم زيكولا، هكذا تجار زيكولا سيطير خبر يوم زيكولا قبله بأيام. فيستعد كل من يريد العودة حتى يُفتح باب زيكولا فيدخلونها. فواصل خالد حديثه هذا ما أقصده. يتبقى على يوم زيكولا شهران وعشرون يوما. إن عملت هنا مقابل ست وحدات باليوم سأوفر حتى يوم زيكولا ربما ربعمائة وثمانين وحدة. سيكون لدي ما يقرب من ستمانة وحدة. أي أنني لن أختلف كثيرًا حين أخرج من النفق. وستنفعني كثيرا تلك الوحدات حين أصل إلي سرداب فوريك. ثم أكمل: إنك ذكي حقا يا خالد. فإنك ستبقى معنا شهرين آخريين. خشيت أن ترحل بعد عشرين يوما فقط. هذا إن وضعت زوجة الحاكم ذكرا. ربما تطول المدة إن وضعت أنثى. وانتظرنا يوم زيكولا في موعده الأساسي بعد خمسة شهور. - أردت أن أحدثك بعيدا عن أسيل لأنني لا أريد أن أسبب لها الكثير من التعب. وأخشى أن يؤثر ذلك على عملها كطبيبة زيكولا الأولى. سأصبح في عداد أغبياء زيكولا وفقرائهم. وإن فكرت ربما ستكون قراراتي غبية. أخشى أن يكون تفكيري بغباء سيسبب الكثير من المتاعب. ولهذا سأحملك مسئوليتي بعد اليوم. فإن فعلت ذلك فلن أنساه طوال عمري. واقترب منه أريد أن أخبرك بشيء آخر. وأخشى أن أكون غبيًا فتبتعد عني. أن أفعله تجاهها أيضا فرد يامن ولهذا فكرت أن أخذها معي إلى أرضي. وقررت أن أخبرها بذلك حين أجد الطريق ممهدا لعودتي إلى بلدي. سأتركك وقتها تخبرني ماذا أفعل. استيقظت أسيل فوجدت خالدًا ويامنا في انتظارها فسألت خالدًا على الفور: لقد قررت أن أجازف وأفعل ما أخبرنا به إياد. وسأعمل كي أسترجع جزءا كبيرًا من ذكائي حتى عودتي. فسألته وبدا الحزن على وجهها: - ألم تجد حلا آخر ؟ . فيز خالد رأسه نافيا، ولماذا لا تنتظر حتى تعمل أولًا فيزيد مخزونك. ثم تحفر نفقك قبلها بأيام. كما فعلت حين اشتريت كتابك؟ ولكنني أصبحت أعلم جيدًا طبيعة أهل زيكولا . سيطلب من يحفرون النفق الكثير من الأجر. ربما يطلبون ضعف الثلاثمائة وحدة أو ضعفين. أريدك فقط أن تكوني معي. ولم يكد يكمل جملته حتى وجدوا إياد يدخل إليهم فابتسم يامن ولذا أردت أن أوفر القليل من الوقت. وسأترك لك المسئولية لمتابعة ذلك النفق، ثم تحرك خطوات إلى الخارج، وعاد ومعه فتى ملابسه بالية ثم أشار إلى خالد وحدث الفتي إنه من يريد أن يستأجر بيت سيدك. حسنًا، بل اليوم السابق له حتى. يوم يفتح باب زيكولا. وربما يقتلني إن علم أنني من أدخلتكم بيته. سيأتون بعد قليل. سيأتون بعد أن يرحل. بعدها نظر خالد إلى الفتى حسنًا. أستأجر منك البيت حتى يوم فتح باب زيكولا مقابل مانتي وحدة. وهذا مفتاح بيت سيدي. فنظرت إليه أسيل في لهفة. فلم يرد، وخرج إياد وعاد مجددا، وتحدث إليه: - لقد أتى زعيم العمال الذين سيحفرون النفق. ولكنه يريد أن يأخذ الثلاثمائة وحدة دفعة واحدة. - لا . ثم تحدث إلى إياد: فرد إياد: نعم. فابتسم إليها خالد: إنني قوي. - حسنًا. وأنت ستواصل عملك. وقد أكدوا لي ذلك. وبعد أن تغادره - متى تشاء سأجعلهم يملأون جزءه القريب من البيت بالصخور مجددًا ثم يعيدون أرضية البيت كما كانت. فخرج إياد. وعاد ومعه رجل ضخم شعره ، مجعد وشاربه كثيف وشفتاه غلیظتان، ثم نطق بصوته الغليظ فتحدث إليه خالد إننا نعلم كيف نصون السر جيدا. وهم ليغادر قائلا: وسترى كم نحن بارعون. ثم غادر ومعه إياد الذي أخذ المفتاح الحديدي معه. أما خالد فأمسك رأسه من جديد، وتزايدت ضربات قلبه وتسارعت أنفاسه وزاد شحوبه للغاية، وشحبت شفتاه واحمرت عيناه ونهض من مكانه، وسار مترنحا بين أرجاء المكان، ونظر إلى يا من وأسيل في ذهول وترنح مجددًا، عليك أن تصمد. ستعود إلى بلدك. ثروتك. وخالد ما زال يتحرك ويهذي ولا يدري بشيء من حوله، وينظر إلى ذراعه التي أصبحت صفراء شاحبة، الباب، وما إن تحرك خطوات نحوه حتى سقط على الأرض، وظل جسده ينتفض وضمت أسيل رأسه إلى صدرها ورجلاه تنتفضان بقوة، وأغمض عينيه. كنت أعلم أن ذلك سيصيبه. ولكنني لم أعلم أنني لن أستطيع أن أراه هكذا. وأكملت إن مخزونه الآن لا يزيد عن مانة وحدة. سأتركه ينام حتى الغد، لابد وأن تعمل من الغد. لقد أصبح هدفي الآن أن يستعيد خالد ذكاءه قبل أن يغادر زيكولا. وسأتابع مع إياد أيضا حفر ذلك النفق. *** غادر يا من بيت ضيافة الطبيبة بعدما حمل خالد إلى سريره. وترك بجواره أسيلا التي ظلت تنظر إليه، وتحاول أن تتمالك نفسها من البكاء مجددًا، وتسكب القليل من الماء البارد على يدها ثم تمررها على وجهه وعلى لحيته الناعمة ثم على شعره الناعم. وأسيل تنظر إليه. وتتذكر حين اصطدم حصان عربتها به ورأته لأول مرة. ثم تتذكر حين قرأت كلماته التي كتبها عنها، وأنها حورية زيكولا وتمسح مجددًا وجهه بالماء، وأخبرها بأنه قد سماه أسيلا. 215 وبدأت تتحدث إليه بصوت هادئ ستكون بخير حتى عاد يامن. في صباح اليوم التالي، فسألهما: وردت - لقد أصابنا القلق فحسب. لماذا تجلسان ؟ . ولكن مرضى تلك المنطقة أغلبهم من النساء. - حسنا يا صديقي. انتظر حتى أغسل وجهي بالماء. *** انجه خالد مع يا من إلى عملهما الجديد في المنطقة الغربية. وقد بطأت حركته، وكلما سار بمكان ما تلفت حوله كثيرًا، وظل يسأل يامنا الكثير من الأسئلة والبي أجابها له يامن من قبل ويامن يبتسم ويجيبه مجددا. فتحدث إليه يامن 217 ولكن ما عليك سوى أن تقلدني في عملي. وحين تنتهي من عملنا سننال أجرنا. بدأ خالد يعمل مع يامن. وكانت كفاءته أقل كما أخبره. وكلما اشتد بعمله زاد تعبه وإنهاكه وأراد أن يستريح. هيا. ثم يوحي إليه بأنه من تفوق في تلك المنافسة. حتى انتهيا من عملهما وأخذا أجرهما، واتجها إلى ذلك البيت الذي استأجره. فوجدا إيادًا هناك بمفرده، وعمال الحفر قد انصرفوا ، فأجابه إياد: إنهم قد انصرفوا. لن يستطيعوا أن يعملوا مع هدوء الليل. - إننا نريد أن تسرع. ثم أمسك بيده، - انظرا. إنها أصعب ما في الأمر. وسينتهى في موعده بعد عشرين يوما. ضحك: - يا من. لن أوصيك. توالت الأيام يوما تلو الآخر، ولا يناقشه بشئ. ما يريده فقط أن يعمل وينال أجره. ثم يتجها إلى إياد ومن معه من عمال. وتأتى إليهم أسيل حين تنتهى من عملها، ولا يتدخل بعملهم مطلقا. وقد تعمقوا بالأرض مسافة عمودية قد تصل إلى مترين ووضعوا بها سُلَمًا خشبيا صغيرًا. ومنها بدأوا يحفرون نفقًا أفقيًا. واندهشت أسيل حين نزلت تلك الحفرة، ونظرت إلى النفق الأفقى. وتعجبت من تلك البراعة التي يحفرون بها. وكلما حفروا مسافة معينة دعموها بالأخشاب حتى لا ينهار ما فعلوه. وتنظر إلى خالد ضاحكة ستحقق أملك قريبًا. ثم نظرت إلى إياد وطلبت أن تتحدث إليه بعيدا عن خالد ثم سألته: بالطبع لا . أرى أنك تخشين عليه كثيرا . لا أرى أنها مشكلة على الإطلاق. وهذا بالطبع سيمرر الهواء. فردت أسيل: - أتمنى ذلك. والعمال يحفرون نفقه. يحفرون نهارا، وكلما نزل النفق، - انظر يا خالد. انظر يا خالد. ويبتسم، " وتمر الأيام أكثر وأكثر، وأسيبل تنهي عملها كل يوم لتذهب إلي ذلك النفق. دار الطبيب. و قد وافقاه فيما أراد. - يامن. فأكمل خالد وأن أطلب منها أن تأتي معي إلى بلدي. أعتقد أنني تأخرت كثيرًا كمي أخبرها بذلك. فأجابه : لا أعلم. ما أعلمه أننى لا امتلك من الذكاء سوى مائتي وحدة أو أكثر بقليلا. فابتسم ابتسامة حزينة ولكنني لا أجده بتلك السهولة. أخشى أن يكون تواجدها معي تعاطفا ليس حبا. ثم سأله: أين أوراقك التي كنت تكتيها؟ 221 فسأله: وهل قرأتها أسيل؟ فأجابه: لا. إنها قرأت الأوراق الأولى فقط. - حسنا سأخذ تلك الأوراق، وسأجعلها تقرأها. وستتأكد من حبك لها ولن تنتظر حتى تذهب إليها. فابتسم خالد - حسنًا لفعل ما تشاء. لم يعد سوى يومين على انتهاء العشرين يوما التي أخبرني بها إياد. بعدها خرج . - إن خالد قد خرج ولا أعلم أين هو . وأنا سأخرج الآن. ثم أعطاها لها فابتسمت أسيل حسنا سأعطيها له حين يعود. ثم أخذتها، وأسرعت إلى سريرها، وبعثرت الأوراق أمامها في سعادة. وأمسكتهم ورقة ورقة. وكلما انتهت من قراءة إحداهن تناولت الأخرى. ثم بدأت تقرأ ما فأجابها: - حسنا . سأتي معك. ثم أغلقت باب حجرتها مرة أخرى وبدلت ملابسها، ولملمت أوراق خالد سريعا لتحملها معها. ولم تدر أن هناك ورقة قد أسقطتها دون أن تشعر. خرجت أسيل مسرعة مع حراس الحاكم. فركبت العربة الفخمة التي جاءوها بها، سأذهب إلى هناك، وسأعود على الفور. ثم طلبت من قائد الحراس الذي كان يجلس أمامها في العربة أن يزيد من إضاءة المصباح الناري كي تتمكن من قراءة باقي أوراق خالد التي أحضرتها معها حتى تصل إلى قصر الحاكم. وبدأت تقرأ مجددًا ما كتبه بينما تسير العربة، وبدا السرور على وجهها. وزادت ضربات قليها حين وجدت أن خالدا وكادت دموعها تسقط حين انتهت الورقة، وانتهت الأوراق معها، فحاولت أن تتمالك نفسها. ولم تحرك ساكنا. عصير مكاتب وأكملت فأمسك يامن بالورقة فوجدها إحدى أوراق خالد، والتي كتب ببدايتها: - "لم أحب غيرها طوال عمري قبل أن أتي إلى زيكولا. حتى وجدت أسيلا التي يزداد شعوري كل يوم بحيها لي. أما أنا فأشعر تجاهها بحب لم أشعر بمثله من قبل.