لم يعد التكوين أو التدريب حكرا على مستوى بعينه من الإطارات أيا كان المستوى الذي تشغله في التنظيم، ولم يعد خدمة تقدمها بعض المنظمات لأفرادها بغرض لإجراء بعض التعديلات والتحسينات على سيرورة العمل بها، بل أصبح استثمارا في الموارد البشرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى إذا نظرنا إلى الموضوع من ناحية اقتصادية، أما إذا تناولنا الموضوع بمقاربة سوسيولوجية فإن التكوين يمكن اعتباره أحد أهم محددات التنمية في جوانبها الاجتماعية، لأنه عملية تعنى بالفرد والجماعة على حد سواء، أما إذا أخذنا الموضوع بمنطق سيكولوجي فإنه يمكن القول أن تكوين الأفراد من أهم العوامل التي تسهم في تنمية شخصية الفرد خاصة في النوادي المهارية المرتبطة بالأداء. فإن أهميته تزداد إذا تعلق الأمر بالمؤسسات التربوية نظرا لحساسية المهام والأدوار التي يقوم بها أفرادها، التكوين أو التدريب من المفاهيم التي حازت على اهتمام العديد من الباحثين والدارسين في العديد من دول العالم، كما حاز على اهتمام بعض المنظمات ذات الطابع الدولي وعلى رأسها اليونيسكو، غير أن هناك بعض الاختلافات بين الباحثين والمنظرين في تناول هذا المفهوم، فالأولى تعتمد مفهوم التكوين formation أما الثانية فتعتمد مفهوم التدريب training، أما المصطلح المستخدم على نطاق واسع في دول المغرب ألعريي خاصة الجزائر والمغرب وتونس فهو مصطلح التكوين formation الواسع الاستعمال في الأدبيات الرسمية والأكاديمية لهذه الدول، البناء اللغوي لكلا المفهومين (التكوين والتدريب)، ففي الكثير من المراجع يقترب مفهوم التدريب كثيرا من مفهوم التكوين، مما حدا بنا إلى اعتماد العديد من المراجع العربية في التأصيل النظري لهذا الموضوع. وهي العملية التي تهدف إلى إكساب الفرد جملة من المعارف savoirs Desوجملة من المهارات savoirs-faire وممارسة المدنية والتحضر وآداب السلوك savoirs-etre، ويشير فولكييه Foulkie أن هذا المفهوم يقصد به ترقية الفرد وتنمية ملكاته الخاصة والإرادة ومفهوم الخير المضامين المخصصة له أو والجمال، المنطق النفسي ويقصد به تطوير الشخصية بصفة عامة والمنطق الاجتماعي والاقتصادي المتمثل في الفائدة من عملية التكوين، والمنطق الديداكتيكي المتعلق بالمضامين وطرائق التدريس. ص9) فقد حاول العديد من الباحثين ضبط معانيه وفق مجموعة من التحديات، أما مياليري Mialaret, كما أنه عبارة عن نتائج هذه العمليات. ويرى فيري Ferry, فالتكوين بهذا المعنى وثيق الاتصال بأساليب التفكير والإدراك والشعور والسلوك، ويقدم مورينو ميناجير Morineau N مفهوما إجرائيا عن التكوين، وامتلاك المهارات والكفاءات البيداغوجية مع إمكان استثمارها من جديد في التكوين وفي تحليل المواقف البيداغوجية المختلفة، ويمكن تعريف التكوين مبدئيا بأنه مجموعة من نشاطات التعلم المبرمجة بهدف إكساب الأفراد والجماعات المعارف والمهارات والاتجاهات التي تساعد على التكيف مع المحيط الاجتماعي وتحقق فعالية التنظيم من جهة ثانية القراءة المتفحصة لما ورد من تعاريف لمفهوم التكوين تشير بدرجة كبيرة إلى أن التكوين عملية تخص الكبار بالدرجة الأولى دون غيرهم، وتشمل عدة أبعاد: - البعد الأول يتعلق بالسلوك تغييرا وتعديلا وتوجيها. - البعد الثالث يتضمن إكساب معارف متخصصة وتنمية مارات ذات طبيعة مهنية - البعد الرابع يتعلق بالقيم والاتجاهات التي تساعد في عملية التكيف الاجتماعي. وانطلاقا مما سبق يمكن تعريف التكوين بأنه عملية مخططة ومنظمة وهادفة تتضمن تطبيق جملة من البرامج ذات المحتوى المعرفي المتخصص على الأفراد والجماعات، وتغيير أساليب تفكيرهم وإدراكهم للمواضيع المتعلقة بالعمل، كما تهدف إلى تثمين القيم والاتجاهات الإيجابية نحو العمل وما يتعلق به بشكل يساعد الأفراد على التكيف مع بيئات العمل المختلفة، أما مخرجات هذا النظام ، المفاهيم ذات العلاقة بمفهوم التكوين يرتبط مفهوم التكوين بالعديد من المفاهيم التي تنتمي لنفس العائلة المفاهيمية، كالتربية والتعليم والتدريب وغيرها من المفاهيم التي باتت تشكل إطارا معرفيا ومفاهيميا لبعض الحقول المعرفية التي تؤصل للمواضيع التي لها علاقة بتنمية الأفراد والجماعات، وسنحاول أن نسلط الضوء على أوجه الترابط والاختلاف والاتفاق بين هذه المفاهيم. 1. التكوين والتدريب من أهم المفاهيم وأكثرها ارتباطا بمفهوم التكوين إلى درجة التشابه الكبير في المعنى الاصطلاحي، حيث "أن كلمة تدريب بمفهومين اثنين هما التكوين رغم الاختلاف في البناء اللغوي للكلمتين بمعنى Training ويقصد بها تحضير الفرد بواسطة الشرح النظري والتطبيق العملي، أو بمعنى آخر نمو الفرد (زيادة مستوى القدرات والاستعدادات)، 2013، لكي يتمكن من الوفاء بمتطلبات عمله، أو أن يطور أداءه العملي بشكل أفضل. 2001، وهو التدريب الذي يتم في منشأة مخصصة للتدريب، والتدريب عن طريق المحاكاة وغيرها من أنواع التدريب ومن الناحية السيكولوجية ينظر إلى الإعداد والتدريب كعملية دينامية تهدف إلى تغيير الإطار المرجعي للفرد ومن ثم إلى تغيير اتجاهاته، وإذا أريد لهذا التغيير أن يكون جوهريا لا بد أن يتعمق إلى ما هو أبعد، حيث يتناول الشخصية في جوهر بنائها من النواحي التي يتطلبها المجتمع، لأن ذلك يشكل وسيلة تمكن الفرد من الحصول على الاستجابات اللازمة لأداء العمل من الوجه الصحيح اجتماعيا ونفسيا باستخدام طرق مختلفة من الإرشاد والتعلم، لأن الفرد المعد والمدرب يشعر بالإشباع في عمله نتيجة لثقته بنفسه واعتزازه بإنتاجه مما يساعده على التقدم والترقي في عمله، وهذا يؤدي إلى تحسين العلاقات الإنسانية في بيئات العمل ومن ثم زيادة إذا كانت الفواصل المفاهيمية والاصطلاحية تتجلى بشكل واضح بين مفهوم التكوين وبعض المفاهيم الأخرى - كما سيتم توضيحه لاحقا فإن هذه الفواصل تكاد تختفي تماما بين مفهومي التكوين والتدريب، فكلاهما يعنى بتطوير الأفراد والمنظمات معرفيا وسلوكيا ومهاراتيا واتجاهاتيا، وقبل كل هذا فكلاهما موجه للكبار من خلال تبنيه المنطق الأندراغوي في الممارسة التكوينية أو التدريبية، كما أن المنطلقات والأسس والمبادئ التي توجهها هي نفسها، فالتكوين انطلاقا من كونه عملية احتضانية لإمكانات الفرد وقدراته ومعارفه لجعلها تتوافق مع إمكانيات وأهداف المؤسسة والمجتمع يتقاطع مع مفاهيم التربية والتعليم مشكلين معا مثلث النوعية بمنظوماته الثلاث، منظومة القيم والعادات (التربية)، منظومة المعارف (التعليم)، فالتربية عملية بناء منظومة القيم في سياق علمي وعملي، والتعليم عملية نقل وتنمية للمعارف في سياق منهجي وتطبيقي، 2009، من حيث الفئات المستهدفة منه والمستفيدة من برامجه، والمدة التي يستغرقها تطبيق البرامج التكوينية والتدريبية، أي اكتساب الفرد مجموعة من العادات والأفكار والقيم والمعتقدات والمهارات التي تنمي هذا الفرد، وتجعله قادرا على أن يعيش في توافق مع مجتمعه، كما أنه عملية مستمرة خلال فترة خدمة الموظف. ويبين Fabre M. ولكنه أيضا يتضمن إكساب القيم والسلوكات مثل التربية، فهو يعنى بالشخصية من جميع جوانبها، ولكنه أعمق أثرا أنطولوجيا من التعليم ويتفق الكثير من الباحثين أن التعليم يهتم أساسا بإعطاء المعلومات وتحقيق الفهم بشكل عام، أهمية التكوين وأهدافه يضاف لذلك التطور الهائل في المعرفة وتطبيقاتها المختلفة. ولما كان المجتمع البشري دائم التجدد وسريع التغير، بالتالي ضرورة التكوين والتدريب، وأن تواجه التوسع في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية من ناحية أخرى. حتى أصبحت هذه الدول منافسا خطيرا في السوق العالمية للدول المتقدمة، ولا يخفى أن ما حققته اليابان في الثمانينات من تقدم في كل من جودة وكمية الإنتاج يرجع بالدرجة الأولى إلى الاهتمام بالتدريب وتحديث نظم الإدارة، كما جاء في مقال رابطة الإدارة الأمريكية عام 1981 الذي كتبه الدكتور M. Juram ليس التكوين أو التدريب حكرا على قطاعات بعينها والتي توصف بأنها قطاعات منتجة للثروة، قادر على تحريك دواليب الإنتاج، ذلك أن الثروة الحقيقية هي الإنسان لأنه محور كل تطوير، ويعتبر القطاع التربوي أشد القطاعات حاجة للتكوين لاعتبارات تتعلق أساسا بتحيين المعارف المتعلقة بالمناهج التعليمية استراتيجيات التدريس وأساليب التقويم وغيرها، تأخذ بعين الاعتبار نظم العمل المعمول بها وحاجات الأفراد والجماعات. أما أهداف التكوين فلا يختلف عليها الدارسون والمهتمون بهذه العملية والممارسون لها، وفي هذا الاتجاه يصنفها الطعاني في ثلاث مجموعات رئيسية: • أهداف تقليدية تتضمن أهدافا معرفية مثل تدريب العاملين الجدد وتعريفهم بالمنظمة، وكذا تزويد بعض العاملين بمعلومات ومهارات معينة، وفي القوانين والأنظمة، أو عند إجراء تنقلات على نطاق واسع في المنظمة. عن طريق إعداد وتكوين العاملين فيها ليكونوا قادرين على التعامل مع تلك المشكلات، ضف إلى ذلك استخدام أساليب علمية متطورة للتعامل مع المشكلات المعقدة التي تحاج إلى قدرة ومهارة في التشخيص والتحليل، • أهداف إبداعية وتمثل هذه الأهداف مستوى أعلى من المهمات التدريبية والتكوينية، وترمي على تحقيق مستويات عالية من الأداء، والتي يمكن اختصارها في بناء الإنسان والاستثمار فيه من خلال زيادة معارفه، وتجويد أدائه التعليمي والإداري والقيادي، ويمكن تضمين أهداف التكوين في العملية التربوية في العناصر التالية: زيادة معارف المتكونين ومعلوماتهم في مجالهم التخصصي المتعدد الأبعاد، بيداغوجيا كان أو إداريا أو قياديا تماشيا مع متطلبات العمل التي تفرضها بعض المستجدات التي ترتبط بالعملية التربوية والتي تمس الأبعاد المذكورة سابقا.