تلتصق بالمعلّم فرضية مفادها أنّ المعلّم يعمل على إعادة إنتاج المعرفة، أيّ أنّ جلّ عمله ينحصر في عرض المادة المعرفية المضمنة في المنهاج الرسمي المعتمد من السلطات الرسمية، والعمل على تجذيرها في ذهنية المتعلّم، دون الخروج عن حدود النّصّ، و لكن الالتزام بكلّ حذافيره، أوقع المعلّم ضمن دائرة التّكرار وإعادة الإنتاج، ممّا جعل معرفته تنحصر ضمن المقرر المدرسي المعتمد من قبل السلطات الرسمية أولا، و التلقين ثانيا . ومع التطور المعرفي الذي يشهده العالم فقد أصبح مطلوبا من المعلم العمل على تثقيف المتعلم المتلقي للمعرفة المدرسية، والتي هي ناقصة لا تشبع رغباته، كونه أصبح منغمسا في التماهي في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي والمبالغة في استخدامها، ممّا جعله يعيش في برج عاجي، عازلا نفسه عن محيطه الاجتماعي، وكان ذلك مدعاة له للانزياح عن ثقافة هذا المجتمع وما تعلق بها، وعدم الاكتراث بتثقيف نفسه بالثقافة العميقة، ولكنه اتجه نحو الثقافة السطحية والآتية من وسائل التواصل الاجتماعي أولا. ولربما ساعد المتعلم إلى الانحياز نحو الثقافة السطحية هو شيوع التعليم البنكي في المؤسسات التربوية ثانيا، والذي نظر إلى عقل المتعلّم على أنه مصرف مهمته إيداع النواحي المعرفية في حسابات هذا المصرف، واسترجاع هذه المعرفة وقت الحاجة وخاصة وقت الاختبارات، وهذا ما يصور عقل المتعلّم كمخزن تودع به المعرفة، ولربما تكون هذه المعرفة غير ذات جدوى في كثير من الأحيان، وتمثل حملا زائدا على دماغه. كل ذلك استدعى من المعلم العمل على الاضطلاع بدور التثقيف لمتعلميه، والذي يحتاج إلى مجموعة من الإجراءات، - تثقيف المعلم لنفسه أولا، كي يكون غزير المعرفة أمام متعلميه، وليثري الموقف التعليمي أمامهم، ويحيط به إحاطة تامة، وليظهر أمامهم متمكنا من مادته الدراسية، ويكون مهيئا لتلقي تساؤلات متعلمية، والإجابة عنها باقتدار، وحرصا منه للحاق بركب المعرفة قدر المستطاع. - تنمية مهارة القراءة في دروس اللغة، حتى تزداد ذخيرته من مفردات تعينه على استيعاب المقروء في أي مكان، ويتحقق ذلك عن طريق تعويد المتعلم مهارة المطالعة الإضافية خارج الموقف الصفّيّ أيضا. - ضرورة امتلاك المعلم مهارة التحليل للمادة الدراسية المقدمة للمتعلم، بعد اطلاع المعلم عليها، وإعداد الموقف التدريسي بناء عليها، بأن يعمل على استيعابها استيعابا تامّا، ومن ثمّ إثراؤها بما يملك من معارف مساندة، وعدم الاكتفاء بما تضمنته المادة الدراسية. - تزويد المتعلم بمادة ثقافية رديفة للمادة الدراسية المقررة على المتعلم، ومن المنتج الثقافي الأساسي، كأن تكون مادة ورقية أو إلكترونية؛ بغية تزويده بمادة تثقيفية ترفده بمعرفة إثرائية، بعد أن تُحلّل من المتعلم وبمساعدة المعلم. - التركيز على الأبعاد النقدية عند التعامل مع النصوص، باستجلاء ما وراء هذه النصوص من مضامين ثقافية وفكرية، بأن يتعرف إلى ما ترمي إليه هذه النصوص، ولا يتحقق ذلك إلا إذا وجد المعلم الحامل للهمّ الثقافي، والحريص على تنمية الأبعاد الثقافية في المادة المدروسة في الموقف الصفّيّ لدى المتعلم، تنمية لتفكيره ؛ كي يواجه الحياة بكفاءة وجرأة. وتسعى آلية التثقيف إلى زيادة ثقافة المتعلّم ومعرفته، وإبعاده عن المدرسة الموازية التي تحاول تشكيل ذهنية متابعيها، وتقرّبه من المدرسة الرسمية التي يحيا في كنفها عددا لا بأس من الساعات يوميّا، وهي الحريصة على مدّه بالنافع من المعرفة، وإزاحته عن مصادر الخطر وإبقائه في دائرة الأمان والاستقرار. وتسعى هذه الآلية إلى تنمية الحس النّقدي لدى المتعلّم، وبناء نمطية تفكير ترافقه طيلة حياته، عن طريق تنمية مهارة التحليل للمادة المقروءة، واكتشاف مواقع الخلل في المادة المقروءة ومتانتها؛ بغية بناء شخصية المتعلّم الناقدة. ومن معوّقات التثقيف في الموقف التعليمي أمور عدّة، - عدم اقتناع المتعلم بمضامين المادة الدراسية المقدمة له، نظرا لاعتياده على وسائل التواصل الاجتماعي في واقعه المعيش، وما تقدمه له من ثقافة تتناسب مع رغباته، والتي تكون مصبوغة بجماليات في العرض، مما يجعل توجهه نحو المظهر لا المضمون. - حرص المعلّم على المناحي التلقينية وابتعاده عن الحوار أثناء المواقف الصفية، خشية أن يدركه الوقت ولم ينه المادة المقررة، وما ارتبط بها من الاهتمام بالتكنولوجيا بوصفها وسيلة مساعدة في إيصال الأفكار إلى ذهن المتعلم، علّه بذلك يكون جذب المتعلّم إلى بيئة الموقف الصّفّيّ، وهو بذلك يكون قد حيّد جانب التثقيف وانحاز نحو التلقين. ختاما، ينبع هذا الحرص على التثقيف لدى المتعلمين لمواجهة عنفوان الانفجار المعرفي الجميل، والذي أبهرهم، لذا فهل المعلم قادر على بناء منظومة تثقيفية تعين متعلميه على مواجهة الواقع الذي يحيونه،