فلقد أستانست الحيوانات وأستزرعت النباتات في نفس الوقت تقريبا ، وسارت العمليتان يدا بيد وجنبا إلى جنب في مجتمعات الزراعة البدائية والزراعة المتطورة فى العالم القديم . لم يكن من الممكن زراعة بعض المحاصيل بسبب عدم كفاية أو ندرة سقوط الأمطار أو بسبب الأرض الجبلية . لقد كان ذلك واقعا في أجزاء كبيرة من آسيا الوسطى وشبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا وأجزاء كبيرة من أوروبا وأفريقيا شبه الصحراوية . كان من الممكن تربية الثروة الحيوانية في كثير من هذه المناطق، ومن ثم ظهر نمط جديد من المجتمعات كان أكثر
وفى الحقيقة ، أشتقت كلمة nomad من الكلمة اليونانية التي تعنى راعي الماشية . وفى العينة التي مثلت مجتمعات الرعى في المعلومات الأثنوجرافية التي جمعها ميردوك ، كان أكثر من %۹۰٪ بدويين إما على نحو كلى أو على نحو جزئي . وفي هذا الصدد كانوا أكثر شبها بالقناصين أو الجامعين، خاصة من حيث حجم مجتمعاتهم . فلقد كانت مجتمعاتهم أصغر قليلا من مجتمعات صيد الأسماك وأصغر كثيرا من مجتمعات الزراعة البدائية البسيطة . ذلك أنه إذا وضعنا فى الإعتبار الموارد المبعثرة للأقليم، كان من الطبيعى فهم عدم إمكانية قيام مستوطنات كبيرة وكثيفة (٥٢) وعلى الرغم من صغر حجم المجتمعات المحلية التي تشتمل عليها مجتمعات . المعرفة
طع شراء
ما تكون أكبر حجما من مجتمعات القنص والجمع وصيد الأسماك ومجتمعات الزراعة البدائية. ففى الوقت الذي لا تحتوى فيه الأخيرة على أكثر من
مجتمع محلى واحد تشتمل مجتمعات الرعى على عشرات المجتمعات المحلية . عرفة 1
مع نشر تو
من مجتمعات
عرفة
البيئة والتكنولوجيا . إذ لم تكن الرعاة تمثل قيودا المراعي الواسعة والمفتوحة ، وبالإضافة الى ذلك ، فمنذ المليون الثاني قبل أو حدودا طبيعية تقف حجر عثرة أمام تنقلاتهم ، ركبت كثير من شعوب مجتمعات الرعى الجياد والأبل التى سهلت كثيرا من عمليات الغزو العسكرى ولقد كان كبر حجم مجتمعات الرعى نتيجة لازمة عن التاثير الواضح لكل من
كوفة
والتوسع السياسي ولقد مثلت المواشى والثروة الحيوانية المورد الأساسي في هذه المجتمعات ، وكان حجم الثروة الحيوانية التى يمتلكها الفرد مقياسا لنفوذه ، ذلك لأن المراعي الكبيرة والوفيرة لم تكن تشير الى الثروة فحسب بل الى القوة ، لأن الرجل القوى أو رب الأسرة القوية وحده هو الذى يدافع عن هذه الملكية المعرضة دائما للنهب سواء من قبل الأعداء أو من قبل المنافسين . كانت اللامساواة الإجتماعية في مثل هذه المجتمعات ، الى جانب أشكال أخرى من
اللامساواة الإجتماعية فيما يتعلق بإمتلاك الثروة (٥٣)
وفيما يتعلق بالقرابة ، أشتهرت مجتمعات الرعى بخاصيتين أساسيتين على الأقل هما : أولا أنها كانت أكثر أنماط المجتمعات تطلبا لمهر العروس أو خدمتها ، ولقد كانت لهذه الإتجاهات الأبوية عدة مصادر فى الحقيقة : فهي من ناحية، كانت تعكس الطابع المتحرك والمتنقل والمناضل للحياة الرعوية . فلقد كانت الغارات والحروب المستمرة أكثر النشاطات إنتشارا كما أشرنا من قبل . وقد استدعت هذه النشاطات بل وأستوجبت تطوير سلطة سياسية . فإن النشاط الإقتصادي الأساسى فى هذه المجتمعات كان نشاطا ذكريا من مهام الرجال وحدهم . وقفت هذه المجتمعات على طرف النقيض مع مجتمعات الزراعة البدائية البسيطة حيث كانت النساء فى أغلب الأحيان تلعب الدور الأساسى والمسيطر فى النشاطات المعيشية . لم يكن من قبيل الصدفة أن يشار الى مجتمعات الزراعة 
البدائية فى ضوء الأنماط القرابية ذات التوجه النسوى أو الأموى ، بينما يشار الى 
مجتمعات الرعي في ضوء أنماط قرابية مخالفة أى ذات توجه أبوى ذكورى
ولقد جذبت المجتمعات الرعوية الاهتمام والأنظار من وجهة النظر الدينية بصفة خاصة . في حين ، الزراعية الحديثة . إن مثل هذه العلاقة لم تكن مثارا للدهشة بين أولئك الملمين بتاريخ الأديان . لقد كان نشاط الرعى يمثل ثاني أهم النشاطات في حياة العبرانيين القدامي ممن العبوا دور ملحوظا في نشأة وإنتشار عقيدة التوحيد . كما أن الإسلام وهو أكبر وأشهر الديانات التوحيدية لاقى نجاحه وإنتشاره المبكر بين الشعوب والقبائل الرعوية في شبه الجزيرة العربية . ولعل من أكثر أشكال التقدم التكنولوجى التى قدمتها هذه المجتمعات هو إستخدامها للخيل والأبل لأغراض النقل والمواصلات . وقد وفر ذلك ميزة عسكرية هامة تفوقوا بها على جيرانهم الزراعيين الأقل تحركا ومكنتهم فى الوقت نفسه من كسب السيطرة على معظم أجزاء الشرق الأوسط ،