وادخل بين الكهوف وأعلن عجزي عن استيقاف تلك الليلة الذاهبة كخشخشة ريح· احترقت وريقات الزعتر المتناثرة من قبضة يدي ولم أبه بها·· ولم أبه لتسلل الضوء وانعكاسه على الركوة المرتجفة بين أصابعي· ضياء يشق غبار الثلج المتراكم على ذاكرة الشتاء ليعلن عن شروق الشمس·· شعاع يتكسر على ظهر نافذتي ويغمر الممرات ويتركني أفتش عن نوم هنيئ·· نوم مكتنز بالأحلام·· فأغفو على أبخرة الزعتر واختناقات الزكام وصوت سلامة بنت فرج يهدهدني: زين عن الزكام'' ثم تمضي وأحس بأن خلفي مجرات مهشمة تدفعني إلى مياه مضطربة فامشي واتركها ترعد تحت قدمي· في سكة خيل دبي كنت اخطر كالغريبة، غاديات و مدبرات· على مقربة من المشهد جلس رجل كهل شاخصا ببصره ناحية المجهول، زم النوخذا شفتيه الناشفتين وفرك شاربيه اللذين خفت غزارتهما ولم يتبق منهما سوى نقطة بيضاء في منتصف الشفة العليا، لم تلحظ سلامة ذلك التوتر البادي على محيا النوخذا·· وإنما اكتفت بصوته الذي اخذ يستعيد طراوته بعدما أيقن بأنه ليس وحده في شارع سكة الخيل· ''هذا لبان ظفاري··هذا خصوصي ما نعطيه إلا للغاليين·'' تقول ذلك وعيناه ترقبان خلجات النوخذا الذي اخذ يسترق النظر إلي نحرها· لؤلؤة حصباء برقت فجأة من وراء الارهاف التي ترفف على صدر سلامة· كان راشد بن ناصر قد أهداها لها ''هكذا تخيلتها'' أو كانت ضمن زواجها من سعيد بن مردف الذي فقد في البحر أثناء مواسم السفر· رحل سعيد من دون أن يهب سلامة الضنى المنتظر وهكذا بقيت وحيدة تناظر راشد من خلف البرقع لأكثر من أربعين عاما· كان يوماً حارا قائظاً من صيف تموز عام 2002 عندما زرت شارع سكة الخيل أتفقد مرتاديها كالعادة واتبضع من عند أمي سلامة، فرحلتي أوشكت قريبة· تعودت أن تسألني في كل مرة أزورها فيها ''ها متى الشومة'' ثم تهمهم بأدعية يصلني منها المقطع الأخير'' اللهم بالحفظان والجبران·'' وأغادر السوق محملة بالدعوات و بأكياس الأعشاب والأدوية أكدسها سنة بعد أخرى إذ مازال بعض منها يسكن أرفف مطبخي في واشنطن· في ذلك النهار لم يكن راشد بن ناصر قابعا على دكته كالمعتاد،