على السقوف رسوم هندسية عتيقة. تتصدر القاعة منصّة تشبه خشبة المسرح. تتوسطها منضدة عالية مستطيلة الشكل. ومن أعمار مختلفة يملأ القاعة في مواجهة المنصة”. القاضي : بعد أن يسود الصمت، بمهمة محاكمة عدد من الإرهابيين قاموا بأعمال إجرامية فوق الأراضي الألمانية. نأمل مساعدتكم لنا في مهمتنا بالتزام الصمت واتبّاع النظام. ثم يتوجه ببصره وخطابه إلى من في القفص، نضال : (شاب أسمر. حاد النظرات صارم القسمات) القاضي : قل لي كيف وصلت إلى ميونيخ أيها السيد؟ أو. القاضي : (متأففاً، عمري كله. نضال : أبداً. لو لم تكن سوى سلحفاة لوصلت في ربع هذه المدة. نضال : ما ذنبي إذن، القاضي : ما دمت حريصاً على قول الحقيقة. وليسوا عصابة. القاضي : (بسخرية) لعلهم ملائكة إذن. أعدادهم. حركات تنم عن الاستياء لدى هيئة المحكمة) يا لك من ماكر. محامي الدفاع : (يستأذن للكلام) ورفاقه. القاضي : (في حدّة) المحكمة تعرف جيداً حدود صلاحياتها. يا سيدي، نتشكلّ، نضال : لو كانت هناك عدالة على وجه هذه الأرض لكان ذلك هو الأجدر أن يحدث. نضال : (مقاطعاً وبسخرية) الموقرة. القاضي : يمكنك أن تتكلم الآن نضال : هل تريدني حقاً أن أتكلم؟ وأن أقول ما أريد قوله؟ القاضي : (ينظر إلى الجمهور مستنجداً) أتسمعون. بلا شك، أولاً. وعاشراً. نضال : هي مأساة. القاضي : (يضحك في سخرية) أسمعتم. ! أليس عجيباً هذا حقاً. يا سيادة القاضي، ! بعد أن أصممتم آذانكم عن سماع أصواتنا. يصدر عنكم. القاضي : نحن نعرف هذه القصة القديمة على أية حال. نضال : بل أنتم تجهلونها تماماً. لم يكن عنها. نضال : أعني أن ما كتب عنها لم يكن عنها إطلاقاً. ثم تقفون منا هذه المواقف المتحيزة. هو الذي أوقعنا دائماً في حبائل الشر ومكائد الأشرار. نضال : لو لم نحسن الظن بكم -مثلاً- لما كنا وقعنا في هذا الموقف. كل شيء كان مرسوماً بإحكام من قبلكم للغدر بنا. وطوال الوقت الذي كنا نتحلى فيه بسوء الظن فيمن حولنا، كانت الأمور تسير على نحو جيد. ثم كان ما كان. أنت مجرم خطير. نضال : (ساخراً ومطلقاً قهقهة عالية) أليس مضحكاً هذا الإستنتاج يا سيدي؟ أنني لم أحرق إنساناً في فرن للغاز. أصحاب الشأن. على أية حال لم نكن نحن طرفاً في هذا. القاضي : ولكن ذلك حدث في العهد النازي. نضال : يسعدني أن المحكمة تعرف تاريخها جيّداً! القاضي : ونحن ندين ذلك العهد. نضال : وما جدوى ذلك؟ نحن خير من يعرف جدوى الإدانة والشجب والإستنكار. فهذه جميعاً لم توقف الجاني يوماً عن مواصلة ممارساته الإجرامية. القاضي : هذا شأنكم أنتم. ومعنا أشقاؤنا. ثم ماذا. القاضي : لا تحسبنَّ العدالة تعفي الجناة، أو تغفر لهم ما صنعت أيديهم. نضال : ولكن ها هم يسرحون ويمرحون. ويقترفون المزيد من الخطايا والجرائم. فأين الحساب؟ بل أنت تشدون أزرهم. القاضي : إنك لقاتل. القاضي : ولم تُضعها أنت حينما سنحت لك. أن تلك الشعرة اهتزت أو لم تهتز. كثقتي بأنكم قتلتم الرياضيين عن عمد. أما نحن فلن ننسى كيف حدث التواطؤ لأننا نحن الذين ندفع الثمن. القاضي : ألا تجلس مكاني يا هذا؟ يبدو وكأنه هو الذي يحاكمنا. الفتاة : ولكنكم، وتكاد تحدث مشاجرة بين مؤيد للفتاة ومعارض) صمتاً. أنتم مثلاً، تعتذرون بأرق عبارة إذا لمس أحدكم طرف رداء آخر عن غير قصد. ثم أنتم أنفسكم، ألا تذكرون. أبيدت المدينتان عن بكرة أبيهما وفي اللحظة ذاتها كان (ترومان) الآمر بقصفهما يتناول إفطاره (الحضاري) وبالطريقة الحضارية. أليست هذه حضارتكم. آ آ. نضال : (ضاحكاً) من يعرف الخوف لا يحظى بشرف الوقوف هنا. نضال : من وجهة نظر محددة. القاضي : (بتودد زائد) ليتفضل النائب العام. تفضل يا سيد جاكوب. النائب العام : هذا المتهم الماثل أمامكم ما فتئ يراوغ ويراوغ، في محاولة بارعة للسخرية من هيئة المحكمة الموقرة. وينبغي أن يسدل عليها ستار النسيان إذ هو يتحدث عن شعب لم يعد له وجود. وهو (ثانياً) يتكلم وكأنه ندّ للسادة أعضاء هيئة المحكمة. يحاورهم ويداورهم ليس كمتهم يقف أمامها ليقدم حساباً عن جريمته. رياضيون. أيها السادة. الألعاب الأولمبية. تصوروا الألعاب الأولمبية. لقد أقدم هذا وزمرته على فعلتهم النكراء، وإفساد لحظات المتعة والسعادة التي كانوا ينعمون بها أمام أجهزة التلفزيون في أسرَّتهم الوثيرة. جاءوا وكأنهم القدر الصاعق على غير انتظار، فقلبوا سعادة الملايين إلى كدر حقيقي. فيما لقي أبناؤنا حتفهم. بل وعدم السماح للمتهم بالكلام أصلاً، وليصدر الحكم العادل بحقه. ترمقه نظرات الجمهور بين مستحسن ومستهجن) فهي التي عمدت، لا أساس لها من الصحة، ولا سند لها من الواقع والحقيقة. ولمن ينتمي هذا الكائن الواقف أمامكم ورفاقه؟ هل هبط علينا من كوكب المريخ أو عطارد. أم تراه جاء من العدم، خلافاً لنظرية (لافوازيه). وأن تكون هذه المحكمة والأسباب المنعقدة من أجلها قائمة. ؟ وأما (كدر) الملايين أيها السادة، وأما (السعادة) التي قطعت على أصحاب (السعادة) فتلك أمور لا شأن لهذه المحكمة ببحثها، فلنقل بأن (سعادة) تلك الملايين التي قطعت للحظات يقابلها (شقاء) متصل لملايين أخرى تعيش مأساة رهيبة منذ سنين عديدة. فكيف يتأتى لنا أن نطالب هذه الأخيرة بدورها، أن تأبه لسعادة غيرها. ؟ لماذا يجب أن يهمها ذلك؟ ألا ترون أنها معادلة صعبة؟ وإذا كنتم، لأنه أحد معالمها فذلك هو المؤرخ “تويبني” الذي يقول بأن على كل فرد غربي أن يكون مستعداً لدفع قطرات من دمه، تكفيراً عما لحق بالفلسطينين من غبن وأذى، لأنه -ذلك الغربي- ينتمي إلى الأمم التي أسهمت في صنع مأساتهم. وهو لم يصنع شيئاً ولو برفع صوته استنكاراً. إن أولئك الذين استهجنوا أن تقطع عليهم متعتهم للحظات، هم أنفسهم الذين تجاهلوا شقاء أولئك دهراً بطوله، ناهيكم عمن أسهم في صنعه من بينهم. والجمهور هنا (ملتفتاً نحو الجمهور مشيراً بيديه) أيضاً في مغزى طلبه منع موكلي من الكلام. مطالبين بحرية الكلام للجميع. ولكنهم قلة، مؤيدين مطلب النائب العام). القاضي : (يطالب بالصمت والتقيد بالنظام) أطالب السيد محامي الدفاع بالتزام الموضوعية، ثم موجهاً كلامه إلى نضال) نضال : سأتكلم. أي عما سبق الأحداث الأخيرة. القاضي : (يزم ما بين حاجبيه. عمّ تتحدث. إذن لأقول بأن المقدمات تعطي نتائج من نوعها. منذ البدايات. القاضي : ليس وقتك أنت الذي يهمّ. هذا إذا كنتم تبحثون عنها. نضال : يا سيادة القاضي إننا نحن المتخلفون -كما تروننا على الأقل- لانعالج الأمور بمثل هذه السطحية.