والكل يعرفها ويلجأ إليها في حرية ويسر، ولما كانت للة الشعب ومن صنعه فقد أخضمها لحريته ، وأزال عنها القيود العلمية والاصطلاحية وأعانها على أداء مهمتها كما تتطلب الحياة الجارية ، فصارت لغة مرنة طبيعة قابلة للتطور السريع، لا تنفر من لفظ دخيل ، وإنما تقبله ونشر به روحها فيصقله الاستعمال ويصبح مألوفاً مقبولا . أن تختلف هذه اللغات العامية العربية باختلاف الأقطار والأقاليم وذلك النفس الأسباب التي اختلفت من أجلها اللغات القديمة حين انفصلت من أصولها الأولى . فأهل مصر لهم عاميتهم ، كما أن لأهل الصعيد لفتهم العامية التي تخالف لغة سكان الشمال ، الذين يختلفون هم أيضاً في عاميتهم باختلاف الأقاليم . ومعنى هذا أن العامية توشك أن تكون هي اللغة القومية لكل قطر من أقطار الشرق العربي ، وثقافتهم وأخلاقهم ، وتعود بذلك سجل حياتهم الصادق وأقدر على تشرب روحهم وتصوير أفكارهم ونزعاتهم ، حين عجزت الفصحى أو عجزوا هم عن أن يلبسوها من شخصيتهم ثوباً قومياً طريقاً ممتازاً . لذلك نشأت هذه الدراسات الحديثة التي تعنى بالعامية فتقيد ألفاظها ، وآدابها نظماً وتراً ، إما لأنها طور من أطوار التاريخ اللغوى والأدبى والاجتماعي ، وإما لأنها قد تكون أساساً لهذه اللغات الاقليمية التي قد ينتفع بها فيما بعد كما يرى بعض المفكرين . ومع ذلك فلا تعد العامية لغة رسمية ولا يعد أحبها أدباً رسمياً يدرس على أنه مقرر يحتذيه المتعلمون ، وذلك السببين اثنين : - أحدهما : شيوع الخطأ اللفظي والخروج على قوانين النحو والتصريف وعدم حتى هجر فيها النحو العربى ، وخضعت العبارات الصور أجنبية في تأليف الجل ، الأساليب . ثانيهما : ما غلب على معانيها من التفاهة والعرفا، فأغلبها أوامر ونواه وأخبار هم مه مو هو مو هو هو عادية تتصل بالحياة الجارية ، وتتكرر كل وقت ، وكل يوم مما لا يستحق درساً أو تقييداً . والأدب يجب أن يجمع بين أمرين (1) صحة اللفظ (۲) وقيمة المعنى أو سموه ، حتى يستحق أن يسمع أو يقرأ في كتاب . وليس معنى هذا خلو العامية من الألفاظ الصحيحة أو المعاني القيمة كلا ، فاللغة العامية هي الفصحى طرأت عليها أخطاء ، ودخلت عليها تراكيب ، لم تستطع أن تمحو صوابها كله ، أما اللغة الفصحى ، يعتمد عليها الكتاب حين يريدون التعبير عن الأفكار أو تصوير الشعور ، أو تأليف المسائل والآراء العلمية إذ كانت الفن الكلامي التي يؤدي ما في النفوس من ثمرات العقول ونوازع الانفعال والميول .