وبقيت قواته تعاني من شح موارد الطاقة لتشغيل الآليات المدرعة والمركبات العسكرية. يمكن الاستئناس في هذا الصدد برأي باري بوازن حول المرونة التي يمكن أن تنتج عن الوفرة الكافية في الموارد لتطبيق إستراتيجية الأمن القومي، ولكن كذلك بسبب تعاملها مع الوقائع الثابتة للقدرات بدل التعامل مع شكوك حول نيات الفواعل الأخرى. تمكن إستراتيجية الأمن القومي مطبقيها من تجنب عبء صعوبة وضع تمايزات حول ما إذا الفواعل الأخرى هي محافظة أو إصلاحية، من خلال العرض السابق للتحديات الأمنية الإقليمية المطروحة على الأمن القومي الجزائري عبر جبهات ثلاث: الحدود الغربية مع المغرب (تحدي تقليدي)، بحيث يؤدي في نهاية المطاف إلى انبثاق سياسة إقليمية مشتركة ومتوازنة تكون في مستوى التعامل مع التحديات الأمنية المطروحة عبر إقليمي. يرجع أصل الفكرة إلى أطروحة الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين روزفلت الملخصة في شعاره "الجار الصالح"، وكان يعني بها الانتقال من سياسة الهيمنة إلى بناء علاقات تعاون وتكامل مع الحكومات الصديقة في الجوار الإقليمي، بهدف تقليص الأعباء الأمنية والاقتصادية على الحكومة الأمريكية الناجمة عن الهجرة السرية، صحيح أن وضع الولايات المتحدة لا يشبه تماما وضعية الجزائر في محيطها الإقليمي الهش أمنيا واقتصاديا وسياسيا، على الأقل أدت مقاربة روزفلت إلى تحويل الجوار الإقليمي إلى صديق للولايات المتحدة واحتواء الحركات اليسارية الراديكالية داخل المكسيك. يكمن مبرر هذه المقاربة في افتراض أنه عندما تكون الدولة غير قادرة على تحمّل أعباء الاستقرار الأمني المحلي وتكاليف السيطرة على النزاعات المحلية، طرح فكرة إيجاد الجار الراشد في السياسة الخارجية الجزائرية ناجم عن الإدراك الثابت بأن الطرف الأكثر تضررا من ضعف دول الجوار أو انهيارها تماما هو الجزائر، سواء كطريق عبور نحو أوربا أو كمصدر جذب للمهاجرين غير الشرعيين الفارين من النزاعات والفقر والمجاعة؛ واستمرار عدم الاستقرار في مالي سوف يعرض الاستقرار في الصحراء للتآكل والقابلية للعطب الأمني بواسطة ظهور عدد من التهديدات المتنامية على شاكلة نمو الفطريات في المناطق الرطبة. أكثر الأمثلة تعبيرا عن هذه التهديدات هو الهجوم الإرهابي على المنشأة النفطية "حياة" في تيغنتورين بعين أمناس ولاية إليزي في 16/01/2013 من قبل جماعة بقيادة المختار بالمختار تسمي نفسها "الموقعون بالدم". لقد ترافقت عملية الجيش هناك بواسطة مراقبة الأطراف الدولية للعملية ورد الفعل الدولي العنيف ضد عملية الجيش التي عرّضت الرهائن لخطر حقيقي أودى بحياة بعضهم. لبيان أهمية هذه المقاربة لابد من التساؤل: هل العمل الإقليمي أصبح خيارا أم ضرورة إستراتيجية؟ بمعنى هل هو بديل حتمي لإستراتيجية الجزائر في سياستها الخارجية؟ إذا أخدنا حادثة السيطرة على المنشاة النفطية في تيغنتورين "قاعدة الحياة" بكل معانيها الإستراتيجية، وحسّنت بنيتها التنظيمية بشكل يجعلها فعّالة في تنفيذ الهجمات النوعية في مناطق متعددة ومتباعدة جغرافيا، كما أن مصادر التهديد ليست منبثقة من إقليم جزائري أو دولة واحدة فقط، وإنما من بؤر إقليمية متعددة وتتفاعل في اعتماد متبادل وبواسطة تغذية رجعية أمنية فعالة؛ كما تتميز بخاصية عدم الثبات بحيث أنها تنتشر من نقطة لأخرى وعلى مسافات طويلة. هناك ندرة في موارد العديد من الدول ووجود عقبات في التنسيق الأمني، يهدف العمل الإقليمي إلى التأثير على الإدراك الأمني والسياسي بواسطة تصحيح سوء الإدراك لدى الأطراف المحيطة (الجوار). هناك قابلية عالية للتنسيق بواسطة تبادل المعلومات حول الإرهاب والحدود المفتوحة لتسهيل حركة البضائع والأشخاص، لديها قابلية للعطب الأمني بواسطة الإرهاب بسبب المتاعب الاقتصادية و الآثار السلبية للتحول الديمقراطي. بسبب عدم وضوح الوضع النهائي في ليبيا بعد مرور أكثر من ثماني سنوات من سقوط نظام معمر القذافي، بالإضافة إلى هشاشة المؤسسات الأمنية وتخلفها في ظل سيطرة الجماعات العنيفة على الشارع؛ بالرغم من أن لليبيا إمكانيات مادية كبيرة تمكّنها من المساهمة في تحمّل الأعباء الأمنية، لكنها في نفس الوقت تفتقد الخبرة والمهارة في إدارة الشؤون الأمنية والقابلية للعطب بواسطة التهديدات الداخلية، سواء تلك المتعلقة بالإرهاب ونفوذ الجماعات المتطرفة أو الصراعات القبلية والاثنية والسياسية. تعتبر المملكة المغربية أكثر الدول المجاورة للجزائر استقرار وذات ثقل إستراتيجي وأمني إقليمي يضاهي الجزائر، الهجرة غير الشرعية والاضطرابات السياسية والأمنية كنتيجة للمتاعب الاقتصادية وزيادة نسبة البطالة واتساع دائرة الفقر. ومازالت العلاقات الثنائية تعاني من الحرب الكلامية والتراشق الإعلامي من حين لآخر (تصريحات وزير الخارجية الجزائر عبد القادر مساهل عام 2018 ضد المغرب بأنه مجرد مصدر للمخدرات). فإن أقل ما يقال عنها أنها دول لازالت تعاني من ضعف شديد في البنية التحتية والتخلف في التنمية الاقتصادية والتهديدات الأمنية بواسطة الإرهاب والنزاعات الاثنية والأزمات السياسية. إن عدم الاستقرار في دول الساحل الصحراوي وخاصة في دولة مالي وتدخل منظمة الايكواس وفرنسا بواسطة التحالف الإقليمي الذي شكله الرئيس الفرنسي بمجرد صعوده إلى الحكم عام 2017، لأنها تجد نفسها وحدها في مقابل جماعة أمنية (ايكواس) وتحالف إقليمي مدعوم من قبل فرنسا؛ العمل الإقليمي ضروري لإحداث التوازن مع تنامي نفوذ الايكواس أو غرب أفريقيا وفرنسا في منطقة الساحل الصحراوي. تتضمن المقاربة الثالثة للسياسة الخارجية العمل على تعويض الأعباء الأمنية بواسطة الانخراط في علاقات الاعتماد المتبادل الإقليمي والمشاركة في وضع الترتيبات الأمنية الإقليمية التي تترتب عنها أعباء اقتصادية و أيضا أعباء أمنية. وإنما كيف يمكن تعويض هذه الأعباء بشكل لا تصبح معيقة لعملية بناء الاستقرار الإقليمي؟ لذلك يطرح المكوّن الاقتصادي كجزء مهم من الأمن الإقليمي في هذه المناطق، في نفس الوقت يجب ألا يستثنى بناء المؤسسات السياسية والأمنية من العملية التي تشرف على عملية تنمية الاستثمارات الإقليمية وتوفير الأمن عبر الحدود. خاصة مع فتح الكثير من فروع الشركات الكبرى في الإلكترونيات وصناعة السيارات والأدوات الكهرومنزلية والنسيج. التي تقوم باحتكار أسباب الأمن والسيطرة على انتشار الأسلحة والأنشطة الإرهابية والجريمة وحتى الجماعات السياسية المسلحة (ليبيا ومالي مثلا). تتضمن هذه الفكرة المنطق السياسي الذي تقوم عليه الدولة والملخص من قبل ماكس فيبر في احتكار أدوات الإكراه، فإن الأمن في هده المنطقة لا تقوم له قائمة ولا يستقر إلا بوجود قوة أمنية تستطيع السيطرة على البيئة الإستراتيجية بكل مكوناتها، والذي عبّر عنه ابن خلدون بأن السلطان عندما لا يستطيع فرض الضرائب على الأقاليم مثلا، يأخذ ملكه في التلاشي والانحصار من الثغور نحو قلب الدولة حتى ينهار تماما. تجدر الإشارة إلى أن المنطق الخلدوني ليس خاصا فقط بدول العالم الثالث كمنطقة شمال إفريقيا والساحل الصحراوي، الذي أصبح بدوره مقاربة محتومة ليس لأي دولة الخيار في التنصل منها أو تجاهلها لسبب بسيط يتعلق بظهور التهديدات الأمنية المشتركة العابرة للحدود؛ إذ حاجج أنصار الواقعية/الواقعية الجديدة بأن الدول إذا لم تدافع عن مصالحها الحيوية فإنه يجب عليها أن تدفع ثمن إهمالها أو تراخيها أو غبائها؛ Kauppi بمثال تناظري جيد من تاريخ العلاقات الدولية القديم في العهد اليوناني والحديث في القرن العشرين، فقد ذكرا أن بلجيكا دفعت ثمن ضعفها بواسطة غزوها من قبل القوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية، وهي بذلك تشبه تجربة "شعب جزيرة أجين للميلوسAegean iland of Melos على الشاطئ اليوناني عندما كانوا في نزاع مع أثينا. لقد أدعى الميلوس أن لهم الحق البقاء على الحياد في الحرب البلوبونيزيةPeloponnesian War (431-404 قبل الميلاد) بين أثينا وسبرطا.