يسعى هذا التمهيد جاهدًا إلى إبراز صورة الأسلوبية بمفهومها النظري والتطبيقي بكافة مناظيرها عند العلماء والباحثين الأسلوبيين في عصرنا الحديث، متناولًا بعض نواحي التعالق بينها وبين البلاغة القديمة. ليس من السهولة أن يصل الباحث إلى معنى دقيق للأسلوبية والأسلوب، وقبل أن نتطرق إلى هذه التعاريف لا بد من التطرق إلى التعريف اللغوي والاصطلاحي. اعتمد مؤسس علم الأسلوب (شارل بالي) على دراسات أستاذه (دي سوسير)، من خلال حديثه عن الفرق بين الكلام واللغة، إذ إن الدراسات اللغوية تركز على اللغة، وعلم الأسلوب يركز على طريقة استخدام اللغة وأدائها، فقد حدد حقل الأسلوبية بظواهر تعبير الكلام وفعل ظواهر الكلام على الحساسية، أي ما يقوم في اللغة من وسائل تعبيرية تُبرز المفارقات العاطفية والإرادية والجمالية بل حتى الاجتماعية والنفسية (). عرف جاكبسون الأسلوبية بأنها: بحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولًا، عرَّف فلوبير الأسلوبية بأنها:" طريقة الكاتب الخاصة بالتفكير أو الشعور، فالأسلوب ليس مجرد طريقة للكتابة يتعلمها من يشاء، ولكنه يرتبط عند كل كاتب بالإلهام الخاص الذي يدفعه إلى الكتابة، فالأسلوب صفة لغوية توصل بدقة العواطف أو الأفكار، ويكون الأسلوب كاملًا عندما يتم توصيل الفكر أو العاطفة على الوجه الأكمل (). ​قدم عبد القاهر الجرجاني تصورا دقيقًا لمعنى الأسلوبية بقوله:" واعلم أن الاحتذاء عند الشعراء وأهل العلم بالشعر وتقديره وتمييزه أن يبتدئ الشاعر في معنى له وغرضٍ أسلوبًا، والأسلوب الضرب من النظم والطريقة فيه، فيعمد شاعر آخر إلى ذلك الأسلوب فيجيء به في شعره ()". ذهب عبد السلام إلى أن الأسلوبية تقوم على ركائز هي المخاطِب، وعرف الأسلوب بأنه: قِوام الكشف لنمط التفكير عند صاحبه، أي أن الأسلوب معانٍ مرتبة قبل أن يكون ألفاظًا منسقة، وهو يتكون في العقل قبل أن يجري به اللسان أو يجري به القلم (). وقد تناول الكثير من الدارسين الحديث عن مفهوم الأسلوبية، ويمكن أن نستخلص تعريفها بشكل عام أنها الطريقة في أداء الكلام، علاقة الأسلوبية بالبلاغة: ثمة علاقة وثيقة بين الأسلوبية والبلاغة، غير أن عناصر البلاغة لم تعد قادرة على الوفاء بما يقتضيه النص الأدبي، إذ ثمة كثير من جوانب القصور في الجوانب البلاغية القديمة لا يمكن للبلاغة وتجاوزها لولا وجود الأسلوبية، إذ إن علم البلاغة علم معياري خالص، اعتبر فيها البلاغيون أنفسهم أوصياء على الإبداع الأدبي من خلال توصيات قنّنوها وجعلوها سيفًا على رقاب الأدباء (). وأيضًا كانت منهجية البلاغة في دراستها للتركيب اللغوي من حيث أداؤه للمعنى من ناحية، وينضاف إليها أمور تحسينية لا تتصل بالإفادة الأصلية، وقد تصور البلاغيون أنهم بهذا المنهج قد استوعبوا مجال القول وفنونه، فاتجهوا بكل ذلك إلى الخطاب الفني دون الخطاب العادي، وتغاضوا عن الجوانب النفسية والاجتماعية (). ومن الاختلافات بينهما أن مادة البلاغة العربية هي الشواهد المتفرقة والأمثلة المجتزأة، فهي بلاغة الشاهد والمثال والجملة المفردة، أما الدرس الأسلوبي يستحيل أن يتخذ مادة فحصه من الشاهد والمثال، وإنما من معالجة نص أو خطاب أو مدونة تشتمل على مجموعة من النصوص يجمع بينها جامع من مؤلف، وقد أتاح هذا القصور للأسلوبية الحديثة أن تكون وريثة شرعية للبلاغة القديمة، ذلك أن البلاغة وقفت في دراستها عند حدود التعبير ووضع مسمياته وتصنيفها، ولم تحاول الوصول إلى بحث العمل الأدبي الكامل، وكان ذلك بمثابة تمهيد لحلول الأسلوبية في مجال الإبداع كبديل يحاول تجاوز الدراسة الجزئية القديمة، وإقامة بناء علمي يبتعد عن الشكلية البلاغية التي أرهقتها مصطلحات البلاغيين بتفريعات كادت تغطي على كل قيمها الجمالية (). ومن خلال هذه الفروق التي أثرت في طبيعة العلاقة بين البلاغة والأسلوبية، والشمولية التي تميزت بها الأسلوبية عن البلاغة، فجوانب القصور التي افتقدتها البلاغة القديمة استطاعت الأسلوبية أن تعوضها من خلال شموليتها في الإبداع الأدبي. للدراسات الأسلوبية أهمية كبيرة في الدرس البلاغي واللغوي، فقد عنيت بدراسة حالته النفسية والاجتماعية ودورها في عملية الإبداع الأدبي، والبنى البلاغية وما تحتويه من صور وتشبيهات واستعارات، ومن هنا عنيت الدراسات الأسلوبية بدراسة العمل الأدبي بجميع مستوياته بناء على دراسة حالة المؤلف النفسية والاجتماعية وتوضيح أثرها في النص من خلال عملية التأثر والتأثير بين المبدع والعمل الإبداعي(). من المهام الموكلة إلى الأسلوبية أنها جعلت من جميع العناصر المساهمة في العمل الفني مجالًا للدراسة، "فالأسلوب من جهة علم النفس هو السلوك، ومن جهة علم البلاغة هو المتحدث، ومن جهة الفلسفة هو المتكلم الخفي أو الضمني، إن الغرض الرئيسي للدراسات الأسلوبية هو تفكيك النص الأدبي، ثم العمل على تركيبه من جديد بهدف الوصول إلى فهمه فهمًا عميقًا صحيحًا، وحتى يصل القارئ إلى هذا الفهم لا بد له من أن يتناول المستويات المختلفة في النص ويقف عندها، ثم الوصول إلى نتائج مبينة على دراسة واحدة لنص واحد في زمن معين (). هو الملقب بخليل الله، () وحكى الحافظ ابن عساكر في ترجمة إبراهيم الخليل من تاريخه عن إسحاق بن بشر الكاهلي صاحب كتاب المبتدأ أنّ اسم أم إبراهيم أُمَيْلَةُ. نسبه: ينسب سيدنا إبراهيم (عليه السّلام) إلى العربية، فإنّها أصحّ نسبة ينسب إليها، فلا يقال عن سيدنا إبراهيم أنّه إسرائيلي؛ ويعقوب حفيد إبراهيم. ولا يقال عن سيدنا إبراهيم أنّه يهودي؛ لأنّ اليهودي يُنسب إلى يهودا رابع أبناء يعقوب، ولا يقال عنه أيضًا أنّه عبري؛ فقد كان المقصود بالعبرية أنّها لغة مميزة بين اللغات السّامية تتفاهم بها طائفة من السّاميين دون سائر الطّوائف، ولم تكن العبرية قد انفصلت عن سائر اللغات السّامية في تلك الأيام. وقد يقال عنه أنّه ساميٌّ ينتمي إلى سام بن نوح، () فإذا فتشنا عن نسبة لسيدنا إبراهيم (عليه السّلام) لم نجد أصدق من النّسبة العربية، ولادته: يذكر بعض المؤرخين أنّ سيدنا إبراهيم (عليه السّلام) ولد بغوطة دمشق في قرية يقال لها: (برزة) في جبل (قاسيون). " () وقد جاء من بعده أخوان (ناحور) و (هاران) وولد (لهاران) لوط (عليه السّلام)، فهو ابن أخ إبراهيم، وأهل الكتاب يقولون إنّ إبراهيم هو الولد الأوسط. () فنان تجمد على نحت تماثيل الآلهة وتكرار نفسه، ومهنة الأب تضفي عليه قداسة خاصة في قومه، وتجعل لأسرته كلها مكانة ممتازة في المجتمع، فهي أسرة مرموقة من الأسر الأرستقراطية، () ولعلّ هذه التّكنية إنّما جاءته من كثرة ضيوفه، () لم يرد في كتاب الله ذكر لنبي اتّخذه الله خليلًا غير إبراهيم (عليه السّلام)، لأنّ محبة الله تعالى قد تخللت في نفسه وخالطتها مخالطة تامة. يتمثل فيه جانبا الصّديقية، وكان نبيًا ورسولًا وإمامًا يُقتدى به. عصره: وفي الحضارة الإنسانية قياسًا للفترات السّابقة له. إنّ سيدنا إبراهيم (عليه السّلام) كان يمثل الإنسانية في أعلى مراحل تقدّمها آنذاك، وكانت دليلًا له وللنّاس جميعًا على وجود الله ووحدانيته. () () وقد عَهِد بالهجرة من شمال اليمن إلى جنوب العراق، وكانت هذه الأسرة مع الذين جاؤوا من أرض البحر، وينسيها معيشة البداوة التي تستجيب للهجرة من أقصى الجنوب في العراق إلى أقصى الشّمال. () نشأ سيدنا إبراهيم (عليه السّلام) على مفترق طريق بين جميع العهود، مفترق طريق بين عهد الكنانة وعهد النّبوة، ومفترق طريق بين إباحة القرابين البشرية وتحريمها، ومفترق طريق بين الإيمان بالهاوية والإيمان بالحياة الأخرى، وأخ وأخوه. () ينحتون الأصنام، أنّ الله تعالى واحد أحد، لم يذكر القرآن ولا السّنة شيئًا مما يتعلق بنشأة سيدنا إبراهيم (عليه السّلام)؛ إلّا أنّ بعض العلماء المسلمين يذكرون أنّ آزر أبا إبراهيم كان يصنع أصنام قومه التي يعبدونها ثم يعطيها لإبراهيم ليبيعها، فهذا إمعان من السّخرية والاستهزاء. دعوته: فدعا أباه ولم يجبه، ولم يقف عند حدّ الرّفض بل هدّد إبراهيم وتوعده، بل كان يمثل شريحة من قومه، وهي شريحة الملأ الذين استكبروا، وكان نمرود عاملًا على سواد العراق، فرمى نمرود إبراهيم في نار عظيمة، فكانت النّار بردًا وسلامًا، وآمنت به زوجته سارة بنت عمه هاران. ) مقامه: ومن أسفله مثل ذلك، وعرضه عشر أصابع، وفي طرفيه سلسلتان يدخلان في أسفل الصّندوق، () • النّار: وبدأ أولًا بتشكيكهم في نفعها، فسألوه من فعل ذلك؟ فلمّا أفحمهم وبيّن لهم ضلالهم لعبادة أحجار لا تنفع ولا تضر أجمعوا على إحراقه في النار، فكانت المعجزة. () لكن معجزة الله فوق كلّ شيء. () فلا بُدَّ أنْ تكون النّار حامية تعادل لظى الحقد المتأجج في صدورهم من جراء انتهاك حرمة آلهتهم المنزوعة وتحطيمها دون مبالاة، وبرًا بمعبوداتهم، حتى إنّ المرأة كانت إذا مرضت نذرت إنْ عوفيت لتجمعنَّ حطابًا لحرق إبراهيم (عليه السّلام). وقد صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له: (هيزن)، () فلما وُضِع الخليل (عليه السّلام) في كفة المنجنيق مُقيّدًا مَكتوفًا، ولم تحرق منه سوى وِثاقه. () وفاته: عاش سيدنا إبراهيم (عليه السّلام) 175 سنة على أصح الرّوايات، ولمّا انتقل إلى جوار الله دفنه ولداه في مغارة المكفيلة، وكانت تسمّى من قبل (قرية أربع). اسمه: وذكر السدي عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عباس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر بني إسرائيل، فلما استيقظ هاله ذلك، فجمع الكهنة والحذقة والسحرة، يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه، () وبدأ بتطبيق النظام، والصغار يذبحون، ولما جاء العام الذي يقتل فيه الصبيان ولد سيدنا موسى -عليه السلام-، وقد جاءها نداء عظيم من الله تعالى أنها إذا خافت عليه تلقيه في اليم، وأطاعت أم موسى هذا النداء، أرضعته ووضعته فيه، وذهبت إلى شاطئ النيل وألقته في المياه، كذلك أصدر أمره للنيل أن يحمل موسى بهدوء ورفق حتى يسلمه إلى قصر فرعون، وفي صباح اليوم التالي خرجت زوجة فرعون تتمشى في حديقة القصر كعادتها كل يوم، وكانت مختلفة كثيرًا عن فرعون، وكانت تتمنى أن يكون عندها ولد، وكان الصندوق يرقد عند أقدامهن، وبعد فتحه رأت موسى داخله فأحست أنها تحبه كابنها، فقد ألقى الله محبته في قلبها، فوجئ بحملها لطفل رضيع، وهو لم يرها تبكي من الفرح قبل ذلك، شبابه: وقد تعلم كل العلوم، كان ينام في الحلقة العلمية الدينية، لهذا لم يكن يسمع الكلام الفارغ الذي يقوله المدرس عن ألوهية فرعون، ويسخر في نفسه من هذا الكلام، وإعلاء كلمة الله بين قومه، فشرع يعيب على فرعون وملئه وما هم من زيغ عن الحق، وينكر ربوبية فرعون، وقد ذهب يتمشى في المدينة، فتدخل موسى وأزاح بيده الرجل الظالم فقتله، ودعا موسى ربه فغفر له، ويلتفت لأوهى الحركات وأخفاها، وأخذ عهدًا على نفسه أنه لن يتدخل في المشاجرات بين المجرمين والمشاغبين ليدافع عن أحد من شيعته، لكنه فوجئ في أثناء سيره بنفس الرجل الذي أنقده في الأمس يناديه وهو مشتبك في عراك مع أحد المصريين، فأدرك أن هذا الإسرائيلي مشاغب، فدفعه الخوف منه إلى استرحامه بأنه يريد قتله كما قتل الرجل بالأمس، وكيف تاب واستغفر ربه، فاستدار عائدًا ومضى وهو يستغفر ربه، وأسرع إلى رجال الأمن، ونصحه أن يخرج من مصر على عجل، ولم يكن معه من دواب الأرض دابه تحمله على ظهرها وتوصله، إنما خرج بمجرد أن جاءه الرجل المؤمن. () () مضت أمه ترعاه بعنايتها، وبلغ سن الفضل والحكمة، وهي سن الأربعين، فقد عاد موسى إلى أهله بعد أن تشرّف بكلام ربه، معتمدًا على ربه، وكان خائفًا من فرعون؛ وأوحى الله إلى موسى أن فرعون لن يؤمن، وفاته: دون أن يفرّط بشيء من الأمانة، () ودفن -عليه السلام- في الأرض المقدسة بفلسطين.